4 خطوات... وإلا فلا إصلاح | أخبار اليوم

4 خطوات... وإلا فلا إصلاح

| الإثنين 20 سبتمبر 2021

تشكيل الحكومة فتح كوّة في جدار الأزمة...


"النهار"- سلوى بعلبكي

لا شك في أن الاختلالات البنيوية القائمة في لبنان باتت جسيمة على كل الصُّعد، من القطاع المالي والنقدي إلى القطاعين العام والخارجي، مرورا بالقطاعات الصناعية والزراعية والسياحية ... غير أن عملية تشكيل الحكومة فتحت بلا شك كوة صغيرة في جدار الأزمة المستفحلة، بالإمكان العمل على توسيعها لفرملة الانهيار الحاصل بالدرجة الأولى، ومن ثم المباشرة بوضع البلاد على سكة النهوض بالدرجة الثانية في رحلة الألف ميل الإنقاذية، إذا صدقت النيات واتُّخذت خيارات وتدابير جذرية وصارمة من واضعي السياسات، وفي حال أُطلِقت عجلة الإصلاحات الهيكلية بشكل ملائم وصادق، وتعزّزت أُطر المحاسبة والحوكمة للدولة، من دون مناكفات أو نكايات سياسية تتقدم فيها المصالح الشخصية على مصالح اللبنانيين.

يتعين على الحكومة الجديدة أن تواجه عددا من الملفات الاقتصادية بشكل فوري وسريع مع طرح برنامج إنقاذ وطني وصوغ خطة اقتصادية شاملة مع رؤية مشتركة للخسائر المالية المحققة والمرتقبة وتوزيع عادل ومنصف بين جميع العملاء الاقتصاديين مع إجراءات إصلاحية جريئة انطلاقا من احتياطات أجنبية بقيمة 14 مليار دولار وذهب بقيمة 17 مليار دولار ومساعدات مالية يمكن أن تتأتى كلما تعززت الثقة في الواقع اللبناني، على أن تبدأ الإجراءات الإصلاحية على أربعة محاور، يفصّلها مدير الأبحاث لدى اتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو لـ"النهار" بالاشارة أولا الى "ضرورة وضع الشأن النقدي على المسار السليم مع بلوغ احتياطات مصرف لبنان الأجنبية حدود الاحتياط الإلزامي، وذلك في ظل حاجات تمويلية بالعملات الأجنبية لا تقلّ عن 5 مليارات دولار سنويا. من هنا، ينبغي على الحكومة رفع الدعم بشكل فوري وتوجيهه نحو المواطنين من خلال البطاقة التمويلية، بدل توجيهه نحو التجار والمحتكرين والمهرّبين، وإنْ قد ينجم عن ذلك تضخم إضافي في الأسعار وضغوط اجتماعية واقتصادية ونقدية مع مسار تصاعدي في سعر الصرف في المرحلة الأولى. وكانت الحكومة السابقة قد قدّرت كلفة البطاقة التمويلية بنحو 556 مليون دولار سنويا، على أن يتمّ تمويل 300 مليون منها عبر قروض من البنك الدولي، في حين قد يتم تمويل المبلغ المتبقي من حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي، على أن يبقى الرهان في عملية تمويل هذه البطاقة في السنوات اللاحقة على استعادة الثقة من خلال مساعٍ إصلاحية يكون لها أثر الرافعة على ثقة المجتمع الدولي وبالتالي على عملية استقطاب العملات الصعبة من الخارج".

التحدي الآخر هو إصلاح القطاع المصرفي بجهود إعادة الهيكلة لتعزيز وضعيته المالية وحوكمته وقدرته على مواجهة الضغوط. ووفق قانصو فالمطلوب هنا بالدرجة الأولى "إقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول من أجل ضبط حركة الأموال من لبنان إلى الخارج، وضمان معاملة عادلة لجميع الزبائن والحدّ من المخاطر القانونية تجاه القطاع المصرفي، إذ إن فقدان الثقة في القطاع المصرفي يعني فقدان الثقة في النظام المالي ككل، فسلامة القطاع المصرفي لها تأثير ملحوظ على المخاطر السيادية، وتاليا على أي تصنيف سيادي محتمل للبنان. وبالمثل، فإن وجود قطاع مصرفي موثوق به هو المفتاح لإعادة ربط لبنان مع أسواق الرساميل العالمية، على أن تُطلق في ما بعد ورشة إعادة هيكلة القطاع ببُعد ضخم مقارنة بحجم الاقتصاد الوطني. من هنا فإن الإجراءات التي يفرضها مصرف لبنان في ما يتعلّق بمتطلبات السيولة والرسملة من شأنها أن تساهم في تقليص عدد المصارف التي قد تجد صعوبة في التكيّف وتلبية المتطلبات في ظل هذا المناخ السائد حالياً، وسيتعين عليها الخروج من السوق، في حين أن مصارف أخرى ستكون قادرة على البقاء ومواصلة العمل، حتى لو كان ذلك يعني الاضطرار إلى بيع جزء من مؤسساتها التابعة في الخارج من أجل ضخّ سيولة كافية وتعزيز رساميلها، أو الاندماج مع مصارف أخرى".

على صعيد المالية العامة، يلفت قانصو الى "ضرورة تصحيح الاختلالات القائمة من خلال عدد من التدابير التي يجب أن تتمحور خصوصا حول تقشف جدي في الإنفاق العام من خلال خفض النفقات غير الثابتة (أي النفقات خارج الأجور والرواتب والتحويلات لمؤسسة كهرباء لبنان)، وذلك بالتوازي مع تعزيز تعبئة الموارد من خلال تحسين الجباية عبر مكافحة التهرب الضريبي، اضافة إلى إصلاح قطاع الكهرباء عبر بناء محطات الطاقة اللازمة بتمويل من حقوق السحب الخاصة بالترافق مع رفع رسوم الكهرباء وتقليص الخسائر التقنية وغير التقنية، إذ لا يمكن لبنان أن يحافظ على استقراره النقدي والمالي مع ثالث أعلى نسبة مديونية في العالم، خصوصاً أن النموذج القائم حول تمويل العجز المالي العام عن طريق نمو الودائع لم يعد قابلاً للاستدامة. أضف إلى ذلك، هنالك مجال لخصخصة بعض المؤسسات العامة عن طريق عقود البناء والتشغيل والنقل، مثل قطاع الاتصالات وطيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان بما يدرّ بضع مليارات من الدولارات على الخزينة، ما من شأنه أن يؤدي إلى اقتطاع جزئي من مخزون الدين العام بالعملات الأجنبية".

أما على صعيد القطاع الخارجي، فيشدد قانصو على "اهمية تصحيح الاختلالات لتحقيق توازن ضروري في ميزان المدفوعات من خلال تحفيز التدفقات المالية الوافدة وخفض الواردات وتعزيز الصادرات. المطلوب هنا قوننة حركة الرساميل الخارجية من خلال إصدار قانون تشريعي يضبط حركة الرساميل ويتضمن وضع قائمة بالتحويلات الطارئة مع تحديد سقوف عليها، وفرض قيود على استيراد السلع التي لها بدائل محلية الصنع، وتسهيل تمويل استيراد المواد الأولية للإنتاج المحلي، اضافة إلى فرض قيود على التحويلات الخارجية للعمال الأجانب العاملين في لبنان. توازياً، من الضروري اتخاذ تدابير لتعزيز الإنتاج المحلي على حساب الواردات من خلال تحفيز السلع الموجهة نحو التصدير والسلع البديلة للاستيراد للحد من العجز التجاري القائم. في هذا السياق، من المهم تحسين وتوسيع نطاق البرامج القائمة لدعم الصادرات، واستحداث برامج تحفيزية جديدة لتشجيع الإنتاج المحلي، تنطوي على رفعٍ للرسوم الجمركية لحماية المنتجات المحلية، وتـأمين حوافز ضريبية للمنتجين المحليين، ودعم أكبر قدر ممكن من عملية استيراد المواد الأولية، ناهيك بترويج الإنتاج المحلي في الخارج مع التركيز على المنتجات ذات القيمة المضافة العالية".

لا شك في أن هذا المسار الإصلاحي شاق وطويل ويشوبه عدد من التحديات والمعوقات، إذ يحتاج إلى توافر 4 عناصر مترابطة لضمان نجاحه هي: الحشد الدولي والدعم المالي لتمويله، وحكومة توحي الثقة وذات صدقية قادرة على تطبيق ما يلزم من إجراءات، وعامل الوقت لتُترجم هذه الاصلاحات بشكل فعلي ونبدأ بقطف ثمارها، والأهم من كل ذلك صدق النيات بين مختلف الأفرقاء السياسيين لضمان المناخ المؤاتي من الاستقرار السياسي والأمني، وإنْ قد نشهد مساراً تصاعدياً لكنه مضبوط في سعر الصرف في المرحلة المقبلة في أعقاب عملية رفع الدعم الوشيكة. وعليه، يقول قانصو: "إذا نجحنا فعليا في تعبيد هذا المسار، قد نتمكن من ضخّ الدمّ من جديد في شرايين الاقتصاد الوطني، ما من شأنه أن يؤمّن الاستقرار الاقتصادي المنشود والقادر على إخراج لبنان من فخ الركود التضخمي في فترة أقل من المتوقع، وذلك توازيا مع استقرار مالي ونقدي من شأنه أن يوحّد أسعار صرف الدولار مقابل الليرة عند مستويات يمكن أن تدور في فلك الـ10 آلاف ليرة، وإلا فلا إصلاح ولا مَن ينقذون".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار