سياسة القنوات المحلية في زمن الانهيار: من كل شي في! | أخبار اليوم

سياسة القنوات المحلية في زمن الانهيار: من كل شي في!

| الأربعاء 22 سبتمبر 2021

بعض المحطات غيّر تموضعه في الآونة الأخيرة

 

"أخبار اليوم"

لا شك في ان المحطات التلفزيونية الخاصة في لبنان تمر منذ تشرين الاول عام ٢٠١٩ بأسوأ مرحلة عرفتها منذ تسعينات القرن الماضي، على شاكلة ما يشهده البلد في شكل عام. هذه الازمة التي كانت اصلاً بشائرها ظاهرة منذ عام ٢٠١٧، تجلت في انخفاض العائدات الاعلانية في شكل كارثي بفعل توقف البرمجة العادية لشهور عدة مع اندلاع الثورة، ما انعكس تقشفاً دراماتيكياً في انتاج البرامج بعد انحسار التحركات الشعبية ومع ظهور جائحة كورونا، لا يزال مستمراً حتى اليوم وسيبقى على ما يبدو سيد الموقف لأجل غير مسمّى.

اقسام الاخبار والبرامج السياسية في القنوات الخاصة لم تكن بطبيعة الحال بعيدة عن تداعيات الازمة رغم ان الحمل عليها بات اشد وطأة بفعل ازدياد ساعات التغطية المباشرة من جهة، والتركيز على تقديم البرامج السياسية بفعل انخفاض تكاليفها الانتاجية من جهة ثانية.

لكن الازمة المالية لم تكن وحدها التي عصفت بالمحطات اللبنانية التي تعرضت ايضاً لعاصفة سياسية لا تقل أهمية، حيث ان المزاج العام للمشاهدين تبدّل عمّا كان عليه وبات لزاماً على التلفزيونات تعديل تموضعها و"مسايرة" الجمهور ولو من دون اقتناع كي لا تخسره وتخسر معه علة وجودها.

 

"ال.بي.سي.أي": كلن يعني كلن...تقريباً

المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشيونال وهي الاقدم بين القنوات الخاصة والوحيدة التي كانت موجودة في زمن الحرب، رفعت شعار "كلن يعني كلن" منذ تظاهرات عام ٢٠١٥ المتصلة حينها بأزمة النفايات، ثم تخلت عنه لا سيما على أبواب انتخابات عام ٢٠١٨ النيابية التي خصصت خلالها برامج لتسويق برامج المرشحين لدخول ساحة النجمة (مثل باقي زميلاتها). ومع بدء انتفاضة تشرين، عادت "ال بي سي أي" من جديد الى رفع شعار "كلن يعني كلن" انما مع خطوط حمر. ولعل أبرز دليل على وجود هذه الخطوط الحمر، كان خروج (او اخراج) ديما صادق من المحطة بسبب مواقفها عالية النبرة حيال قصر بعبدا.

بعد انفجار الرابع من آب، خطت المؤسسة خطوة جريئة اذ أوقفت النقل المباشر لخطابات السياسيين ومؤتمراتهم الصحافية فيما واصلت استضافتهم في برامجها ونشراتها، ولا تزال هذه الخطوة مطبّقة حتى الساعة رغم خروقات تخللتها على مدى الشهور الماضية (من دون ان تتضح أسبابها). واللافت ان المحطة أوقفت ايضاً بث مقتطفات من عظات الاحد المنتظرة للبطريرك  الراعي والمطران عودة (ومن خطب الجمعة كذلك) في نشراتها الإخبارية، لكنها كسرت في الأسابيع الاخيرة هذه القاعدة، مرة جديدة من دون ان تتضح الأسباب التي تخولها مثلاً بث عظة للراعي في احد ما وتجاهل عظة الاحد الذي يليه، طالما ان عظات بطريرك الموارنة لها دوماً سقفها العالي ورسائلها المباشرة او المبطنة.

وإذا كانت الـ LBCI تنتقد جميع الفرقاء انما من دون تجريح، فإن ما يؤخذ عليها ولا سيما من المغردين على تويتر، انها باتت اقرب الى العهد والتيار الوطني الحر من باقي المحطات بفعل وجود عدد لا يستهان به من الصحافيين "العونيين" او "العونيين السابقين" في قسم الاخبار في المؤسسة وعلى رأسهم المديرة الإدارية للقسم. ويعيد البعض فشل تجربة التعاون الكامل بين الـ LBCI ومنصة صوت بيروت التابعة لبهاء الحريري لهذا السبب تحديداً، اذ اصبح التعاون بين الطرفين مقتصراً على ثلاثة او أربعة برامج فقط فيما كان مرشحاً للتوسع.

 

"ام تي في": كلن يعني كلن...وحزب الله اولهن!

منذ عودتها للبث عام ٢٠٠٩ إثر توقف قسري لسبع سنوات، حُسبت الـ MTV على خط الرابع عشر من آذار او ما بقي منه. اما القيمون عليها فيفضلون وصفها بأنها محطة الخط السيادي. موقف المحطة المعارض لحزب الله كان واضحاً على الدوام. وبعد ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩، بدا جلياً ان المحطة تسعى لرفع شعار "كلن يعني كلن" لكن تصويبها كان في شكل أساسي على الحزب بوصفه مسلحاً وراعياً للمنظومة الحاكمة.

ومع هبوب رياح الثورة، باتت المحطة أكثر هجومية مما كانت عليه سابقاً حيال العهد والتيار البرتقالي (وقد تسبب الامر بمنع مراسليها من الدخول الى قصر بعبدا لفترة قبل ان يُحل الموضوع).

وإذا كان رحيل ديما صادق عن الـ LBCI دليلاً على السقف السياسي للمؤسسة، فإن انتقالها الى "ام تي في" في برنامج تطل فيه وحيدة لتعبر عن آرائها، يعد بدوره إشارة قوية الى عدم وجود سقف في تلفزيون المر، اذ ان صادق لم توفر أي طرف من انتقاداتها، بمن فيهم حاكم مصرف لبنان الذي كان يقال ان الـ MTV لا تجرؤ على انتقاده.

وما الاتفاق الذي جرى بين MTV وصوت بيروت إنترناشيونال سوى تأكيد إضافي ان المحطة التي تتخذ من النقاش مقراً لها باتت في الآونة الأخيرة على مسافة واحدة من سائر الأطراف السياسيين، طالما ان توجه منصة بهاء الحريري الواضح معادٍ للطبقة السياسية بكاملها، وهذا ما سهّل التوافق على ان يكون فريق نشرة صوت بيروت في غالبه من طاقم MTV التحريري فضلاً عن ظهور كل من وليد عبود وديانا فاخوري في برنامجين سياسيين اسبوعيين على منصة الحريري. وإذا كان البعض قد استغرب النقد اللاذع الذي وجهته MTV للرئيس سعد الحريري واعتبر مجرد "فشة خلق" على ظهور الحريري عبر شاشة الجديد، فإن الجو العام للنشرات والبرامج السياسية في تلفزيون المر يدل على ان المحطة باتت تكيل بالمكيال نفسه مع سائر فرقاء الطبقة الحاكمة ليس الا.

 

"الجديد": دفاع مستجد عن الشيخ سعد و"تقويص" على العهد

لطالما عُرفت محطة الجديد بخطها السياسي المعارض للحريرية السياسية، لذا كانت "تكويعتها" في الآونة الأخيرة وانتقالها لخط الدفاع (ولو كان مبطناً) عن الرئيس سعد الحريري في ظل غياب تلفزيون المستقبل عن المشهد الإعلامي، لافتين كي لا نقول صادمين.

 واتت استضافة مديرة الاخبار والبرامج السياسية في المحطة مريم البسام لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري في يوم اعلان اعتذاره عن تشكيل الحكومة، لتكرّس هذه "التكويعة" رغم محاولات البسام المتكررة في خلال المقابلة التي نُقلت مباشرة على الهواء من بيت الوسط، لحشر الحريري والايحاء بأنها تفاجئه بأسئلة غير متفق عليها مسبقاً، علماً انها لم تحصل منه سوى على المواقف التي كان يرغب في إعلانها، وقد بدا مضحكاً قوله للبسام انه لا يسافر الى السعودية بسبب كورونا وتغاضيها عن الموضوع وكأنه اقتنعت بما قاله.

في الوقت نفسه، فإن "الجديد" التي فتحت هواءها العام الماضي للوزير السابق جبران باسيل لنحو أربع ساعات (وهو رقم قياسي في طول المقابلات التلفزيونية) في حوار تشارك في تقديمه سمر أبو خليل وجاد غصن، باتت في الأشهر الأخيرة تصوّب سهامها في شكل شبه يومي على الرئيس عون والتيار الوطني الحر، لدرجة انها أسمت رئيس الجمهورية في احدى مقدمة نشرتها المسائية بـ"الرئيس ميشال باسيل"!

في أي حال، قد يكون التخبط السياسي الذي تعيشه "الجديد" مردّه لأسباب مالية في ظل تلويح موظفي قسم الاخبار لديها قبل فترة بالإضراب بسبب عدم رفع رواتبهم رغم الجهد المضاعف الذي يبذلونه منذ نحو عامين.

 

"ان بي ان": العهد فاشل!

بدت في الأسابيع الأخيرة محطة "ان بي ان" التابعة للرئيس نبيه بري وكأنها تسعى للظهور على الساحة، في مسعى قد يكون الأخير منها لاصطياد مشاهدين من خارج سرب مناصري حركة "أمل"، قبل ان تسلم الروح بفعل الازمة المالية التي تعاني منها منذ زمن طويل والتي تفاقمت من دون شك في العامين الأخيرين.

وقد نجحت المحطة في خطتها نوعاً ما اذ انها اعتمدت سياسة إطلاق "الصواريخ النووية" على الرئيس عون والتيار الوطني الحر في شكل لم يعتده المشاهدون سابقاً، بحكم ان الرئيس بري كان دوماً يسعى للظهور بمظهر "بيضة القبان" والرجل القادر على تأمين التوافق بين سائر فرقاء المنظومة، مهما كان حجم الخلافات كبيراً.

 ولعل رد المحطة على انتقاد النائب العوني زياد اسود، منذ اسابيع، لرئيس مجلس النواب والذي جاء على شكل تقرير بالعامية يلصق كل ما حصل من مصائب في السنوات الأخيرة برئيس الجمهورية وحده، اقوى دليل على ان الـ NBN ومن ورائها بري، لم تعد تريد ان تحسب حساباً لخط الرجعة مع العهد، فهل في ذلك رسالة من رئيس السلطة التشريعية بأنه اصبح في شكل نهائي ومحسوم، في موقع المعارض الاول لعون مع ابتعاد "الشيخ سعد" عن الصورة الرئاسية؟

"المنار" و"او تي في": لا جديد تحت الشمس

لا يمكن القول ان محطة حزب الله التلفزيونية قد تأثرت منذ اندلاع الثورة بما جرى سياسياً فهي كانت ولا تزال على النهج التحريري نفسه، وهو نهج البروباغندا المباشرة وغير المباشرة للحزب، بغض النظر عن كل ما يجري في لبنان وما وصل اليه البلد. وقد يكون برنامج عماد مرمل الأسبوعي "حديث الساعة" المتنفس الوحيد الذي تسمح من خلاله المنار بسماع أفكار قد تكون من خارج الخط السياسي لحزب الله (طبعاً ضمن قيود واضحة)، اذ ان غالبية نشرات المحطة وبرامجها السياسية تستضيف وجوهاً من خط المقاومة او من الخطوط التي لا تزعج محور الممانعة.

وكما هي الحال في المنار، كذلك هي في الـ OTV. فالشاشة البرتقالية تعيش في عالمها الخاص حيث كل المآسي التي نعيشها يتم تكبيرها من قبل أعداء العهد القوي او هي نتيجة مؤامرة كونية تستهدف "بي الكل" و"القضاء على جبل بعبدا". ومن يشاهد الاورانج تي في ليوم كامل، يخيّل له ان باقي الشاشات المحلية تختلق الأكاذيب طوال الوقت وان كل السياسيين من خارج التيار الوطني الحر يعملون على انهاء العهد منعاً للإصلاح الذي سيقضي على فسادهم. في اختصار، الOTV لم تتغير قيد انملة ولن تتغير على الأرجح طالما انها شاشة تفتخر بطبيعتها الحزبية ولو انها تحاول ادعاء الموضوعية، حفاظاً على ماء الوجه.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا

أخبار اليوم

المزيد من الأخبار