الى صديقي الذي ينزف قلبه... إرحَل ولا تنظر الى الوراء! | أخبار اليوم

الى صديقي الذي ينزف قلبه... إرحَل ولا تنظر الى الوراء!

انطون الفتى | الجمعة 22 أكتوبر 2021

ترك روحه يخرج من روحه

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

جلسات السُّحُب تنتهي، والغمام يوشك على أن يفارق ليالي صديقي، بعدما شكّل أريكته، وزاده. هذا ما أحسّ به (صديقي)، وبخروجه التدريجي الى حيث "المُنبثق من ذاته"، تاركاً الإشراقات المتّقدة، التي لا حاجة إليها عند بلوغ "مطلع الشرق".

 

ينزف قلبه

فبعدما كان قذارة يستخبثها الجميع، تحوّل صديقي الى "مَقْت ممقوت". فهو يُصاب بنزاع شديد، ويشعر بقلبه يتمزّق، وبروحه يُغادر السّجن، ووادي اللّحمان، ولكن لا لراحة، بل لحالة متجدّدة من الألم.

هو ليس مريضاً، ولكن لا صحة في جسده. هو قادر على نَيْل استحقاق لشفاء، من لدن "المطعون بالحربة"، ولكن كليتَيْه تحترقان بشدّة. فـ "الموهبة" ليست له، حتى وإن استفاد منها الملايين في الأرض. هو (صديقي) يترضّض، ويتشقّق لحمه، وينزف قلبه، ويُجلَد، ويقع أرضاً حاملاً الخشبة مع "إله خلاصه"، وحتى إنه يُصلَب، ولكنّه لا يتلذّذ بالقيامة.

 

أعداء

مؤلمٌ الموت من أجل الآخرين، فيما لا قدرة على الموت من أجل "الخاصّة" والذّات. ولا شيء أشدّ ألَماً من المعاناة من أجل استفادة الأعداء، والساخرين الأشرار، والناظرين الى صديقي وكأنه ذاك "المضروب". هذا مؤلم، الى أن يسمع صديقي "الشرق الشارق" يسأله:"أما طلبتَ يوماً أن تكون مثلي؟ هل تراجعت؟". عندها، يشعر صديقي بثقل خيانته، ويدخل "ارتفاعات" جديدة من الألم.

ومؤلم أيضاً شعور صديقي بالحاجة الى الحياة، رغم امتلاكه الموهبة لبلوغها، ولكن دون القدرة على الاستفادة منها، أو استعمالها بشكل خاصّ. فالموهبة تلك عطيّة من "المنبثق من ذاته"، الذي يحدّد هو وجهة استعمالها.

 

داخله

جلسات السُّحُب تنتهي، والغمام يوشك على أن يفارق ليالي صديقي، الذي يشعر بطعن الخناجر الشّديد، وبفقدان القدرة على أن يحمل موهبة "المستشفى الحيّ"، حيث الراحة والشّفاء للجميع، إلا لذاته وخاصّته.

جلسات السُّحُب تنتهي. فخرج صديقي في تلك الليلة الى "المنبثق من روحه"، بجسد عديم الصحة، وبجراحات قاحَتْ. هنا، توغّل في فهم عوالم جديدة.

هي في داخله، في عمق أعماقه، المكان الذي يخافه بالأكثر، والذي يجهله بالأكثر. هناك الجوع الى المزيد، الى "المُطلَق"، وحيث اللاشبَع الى الأرواح السبعة، والى حامل الكواكب السّبعة، والى صاحب الوجه المُنير كشمس بأبهى شروقها.

 

جنَّحَ

السّحاب يوشك على أن يفارق ليالي صديقي، فانصرف الى داخله، الى حيث ما اهتزّ يوماً لا للذّة طعام أو شراب، ولا لشهوة جنس، ولا غرقَت نفسه مرّةً في بحور "الالتقاط"، و"الاحتفاظ"، و"الادّخار".

هناك كان يتوقّع أن يجنّح كما اعتاد، الى حيث ينبض قلبه على موجة واحدة، مع حامل الكواكب السبعة، في حالة من ألم تلك الجمعة الحزينة، حيث النّزاع الشديد، ونقاط الدم المُتساقِطَة.

هناك كان يتوقّع أن يجنّح صديقي كما اعتاد، الى حيث بلوغ عتبة اللاتألُّم من شدّة الألم، والى حيث تبادُل الأحاديث الدّهرية، مع "الصّمت الأبدي". ولكنّه جنّح هذه المرّة الى ما لم يَكُن اختبره كثيراً، في السابق.

 

دهريّة

هناك حمل صديقي ذاك الذي خرج من يدَي أمّه، منتقلاً من الخشبة بألوانها الدهرية، الى يدَيْه (صديقي).

هو طفل، نادراً ما اختبر صديقي حمله في السابق. وفي المرّات النادرة تلك، لطالما شعر (صديقي) بأن لا رغبة لدَيْه بحَمْل طفل آخر من بعده، لا لكره، بل لأن لا مجال لتنعّم بطفولة بشرية، بعد تذوُّق "الكمال التامّ" الكامن في ذلك الطفل الخارج من يدَي أمّه.

 

طفل قوي

حمل صديقي ذاك الطّفل، فبدأت إشراقات لا يُنطَق بها، ما اختبرها (صديقي) سابقاً، وحالة جسدية خفيفة وسريعة، تسابق الملائكة الأحرار بأرواحها النقيّة.

هنا، طفل لا يُطالب بحنان. طفل شجاع، قويّ، لا يخاف الألم، لا يحتاج الى من يدافع عنه. طفل يشفي الكبار والصّغار، ولا يطلب رعاية أحد.

 

ترك روحه

هنا، جلسات السُّحُب بدأت من جديد، بنَفَس جديد، وبروح جديد. وعاد الغمام الى ليالي صديقي، ومعه الآلام المُؤلِمَة. آلام تُصارع الأبواب الدّهرية، بـ "طفولة المُطلَق".

هنا، ترك صديقي روحه، يخرج من روحه. تركه رغبةً منه بأن لا يستعيده أبداً. فهو يُدرِك أن لا شيء في الدّهر يعوّضه عن نهاية التمتُّع بحَمْل ذاك الطّفل بين يدَيْه. هنا ترك صديقي روحه، ورغب برحيله، قائلاً في روحه، إذهب، ولا تَعُد أبداً، ولا تنظر الى الوراء!

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار

الأكثر قراءة