بيرم يفتح سوق العمل لغير اللبنانيين... واللبنانيون إلى الهجرة دُر | أخبار اليوم

بيرم يفتح سوق العمل لغير اللبنانيين... واللبنانيون إلى الهجرة دُر

| الجمعة 10 ديسمبر 2021

لا توجد اتفاقية بين دولة فلسطين والدولة اللبنانية حول المعاملة بالمثل

 "النهار"- سلوى بعلبكي

"شحادين يا بلدنا"... لا ندري أين نهرب من الصفعات، فهل نسقط مثل شوشو بالضربة القاضية؟ بين رفع السحب على الدولار من المصارف الى 8000 ليرة، وسيل التوقعات بارتفاع جنوني لسعره في السوق السوداء مع ما يعنيه ذلك من تضخم وغلاء وجوع و"شحادة" أكثر، وبين القرار الأخير لوزير العمل مصطفى بيرم بمنح الفلسطينيين والمتزوجين وأبنائهم من أمّ لبنانية حق العمل وممارسة مهن كانت تاريخيا محظورة قانونا عليهم، تفاديا للوقوع في فخ التوطين المقنّع، وحماية لليد العاملة اللبنانية، ولما تبقّى من فرص عمل للبنانيين في وطنهم،

بين هذا وذاك، يسأل مراقبون عما تفعله هذه السلطة بمواطنيها، وكيف يبادر مسؤول في بلد مفلس واقتصاده في الحضيض، وصرف العمال بالجملة، الى إصدار قرار يسمح فيه لشريحة كبرى من القاطنين على الأراضي اللبنانية، بالحلول مكان اللبنانيين أو "سلبهم" وظائفهم وأعمالهم، والتوغل أكثر في سوق العمل والاستثمار، من دون أي توضيح مقنِع، أو دراسة جدوى علمية تفيد بما تحمله هذه الخطوة من مردود إيجابي على الاقتصاد عموما وسوق العمل خصوصا... اللهم الا إذا وضعنا المصالح السياسية ومردودها المعنوي جانبا.
رُبّ قائل إن الفلسطينيين والمتزوجين من لبنانيات، يعملون في جميع الوظائف والمهن، ويملكون مواربةً ألوف المؤسسات والعقارات والمشاريع الاستثمارية... لكن كل هذا بقي في حدوده الدنيا ولم يتوسع الى درجة تمكنوا معها من منافسة العمال اللبنانيين على لقمة عيشهم ومصادر دخلهم، بل بقي ذلك محصورا بغالبيته داخل التجمعات السكنية الفلسطينية ومخيمات اللجوء وعلى تخومها، ولم يكن في مقدور هؤلاء التمدد أكثر الى أعمال ووظائف لو قيّض لقرار الوزير بيرم أن يوضع موضع التنفيذ، لاخترقت العمالة الفلسطينية ومعها السورية بحكم الزواج والإنجاب وظائف ومهناً أساسية ومهمة تدخل في صميم بناء الخصوصية اللبنانية.

في قراءة دقيقة لقرار وزير العمل الذي استثنى الفلسطينيين ومعهم ألوف السوريين والعرب المتزوجين من لبنانيات وأبنائهم من أحكام المادة الأولى في القرار الذي يحدد المهن والوظائف والاعمال التي يحصر العمل فيها باللبنانيين فقط، تجد مصادر متابعة أن الباب "فتح أمام الفلسطينيين للتعليم في الجامعة اللبنانية، وممارسة المحاماة والهندسة والطب وإدارة المصارف وغيرها... وقد يكون ممكنا لهم في ظل الغموض الذي يعتري القرار التقدم للتطوع في الجيش والقوى الأمنية... فهل بدأت مشاريع تغيير هوية لبنان توضع جدياً موضع التنفيذ؟


قزي: إجازة عمل للأجنبي تعني تذكرة هجرة للبناني!

ما ان أصدر بيرم قراره حتى صدرت سلسلة تعليقات أبرزها من رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل الذي رأى أن القرار "هو توطين مقنّع ومرفوض"، داعيا "النقابات الى كسره أمام مجلس شورى الدولة"، فيما غرد وزير العمل الأسبق سجعان قزي قائلا إن القرار "يناقض القرار الّذي كنتُ أصدرته سنة 2015، وتاليا فإنه يزيد بطالة اللبنانيين 40%، ويشرّع أبواب التوطين والتجنيس".

وبعد الضجة التي أثارها القرار، سارع المكتب الإعلامي لوزير العمل الى اصدار توضيح اشار فيه الى أنه "ربطًا بقرار حماية العامل اللّبناني وحصريّة المهن، وما أشيع من تحريف يتعلّق بالعامل الفلسطيني"، أنّ: ما كان ممنوعا ومحظرا في القوانين والمراسيم والأنظمة النقابيّة وغيرها، لا يزال ممنوعا وهو باق على حاله، وأن ما سمح به الوزير هو توسعة لنسبة العمالة الفلسطينية فقط، وضمن ما تتيحه القوانين ومن صلاحيات الوزير حصرا".

من صلاحية وزير العمل أن يصدر في نهاية كل سنة قرارا يحدد فيه المهن المحصورة باللبنانيين وتلك المسموحة لغير اللبنانيين. وعادة يُلحظ في قرارات كهذه استثناءان: الاول للفلسطينيين المسجلين في وزارة الداخلية، والثاني للسوريين. بالنسبة الى الفلسطينيين يتم استثناؤهم للعمل في الفئتين الثانية والثالثة - في حال لم يتوافر لبناني-، أما بالنسبة الى السوريين فيحصر عملهم في 3 قطاعات: البناء، والزراعة والبيئة (النظافة). ويقصد بالسوريين العمال القادمين من سوريا وليس النازحين، على اعتبار ان العامل السوري يعمل موسميا ويعود بعدها الى بلاده، أما النازحون فهم من مسؤولية الامم المتحدة والمفوضية العليا للنازحين السوريين، إن كان حياتيا أو اجتماعيا أو ماديا حيث يتقاضون العلاوات بالدولار، فيما "الاونروا" مسؤولة عن الفلسطينيين. ولكن ما قام به وزير العمل الحالي، وفق ما يقول الوزير قزي لـ"النهار" انه حدد المهن المحصورة باللبنانيين وحذف كلمة "فقط" لتشمل الجميع، وسمح للسوريين والفلسطينيين بالعمل في كل القطاعات ومنها الفئة الاولى، اي انه فتح كل المهن لهم من دون استثناء، والانكى أنه حذف الفقرة المتعلقة بالعمال السوريين والمحصورة في القطاعات الثلاثة (الزراعة والبناء والبيئة).

وذكر أنه في العام 2015 إبان توليه #وزارة العمل جاءه وفد من لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني وطلب منه فتح مجالات العمل لليد العاملة الفلسطينية التي لم تكن تتجاوز في حينه الـ 125 ألف عامل ولكنه رفض، أما اليوم، يقول قزي "نسبة اليد العاملة الفلسطينية تتجاوز هذا الرقم، علما أنه في 2015 كانت نسبة البطالة 35% وكان 50% منهم بعمر الشباب، فما هو الحال اليوم في ظل نسبة فقر ناهزت الـ 85%، وفي ظل الانهيار المالي والاقتصادي وهجرة شبابنا؟". واعتبر أن قرار بيرم يعني أن "كل اجازة عمل للاجنبي هي بمثابة تذكرة سفر للبناني للهجرة. وعدا عن أن القرار هو جريمة بحق شبابنا، هو بمثابة دمج مهني وتوطين مهني".

ولا يغفل قزي الاشارة الى أن قرار وزير العمل هو "قرار سياسي بامتياز، تماما كما القرار الذي اتخذته... انما الفارق هو ان قراري هو قرار وطني أخذ في الاعتبار الاولوية للبنانيين، أما قرار الوزير بيرم فأخذ في الاعتبار مصلحة الفلسطينيين والسوريين، ونتائجه السلبية ستظهر تباعا".

وفيما يبدو أن لقرار بيرم ابعادا إنسانية، بيد أن مصادر نقابية أكدت ان وضع الفلسطينيين والسوريين بات أفضل من اللبنانيين، خصوصا انهم يتقاضون رواتبهم بالدولار وكذلك المساعدات التي يتلقونها سواء من منظمة التحرير الفلسطينية أو المؤسسات والمنظمات الدولية.


قرار مخالف للقوانين؟

وإذا كان هذا القرار قد لاقى معارضة شديدة، وإن كان طابعها سياسيا، بيد أن القرار دونه معوقات قانونية ودستورية. فكل قطاع من القطاعات، وخصوصا المهن الحرة، ينظم بقوانين تحصر مزاولة هذه المهن باللبنانيين، وتاليا فإن التعديل يحتاج إلى قانون يصدر عن مجلس النواب. عدا عن أن قرار السماح للعمالة الاجنبية يحتاج الى موافقة الوزراء المعنيين بحسب كل قطاع. وهو ما أكده قزي إذ قال: "يحق للوزير اتخاذ القرارات التي لا تخالف قانون العمل، في حين أن قرار بيرم مخالف للقانون، وتاليا فإن قراره باطل، ويجب العودة الى مجلس النواب كونه هو المشرع لقانون العمل"، وحض المتضررين منه، وخصوصا العاطلين عن العمل، على الطعن فيه امام مجلس شورى الدولة.

تنص المادة الخامسة من قانون تنظيم ممارسة الطب (رقم 313، صادر سنة 2001) على أنه "يُسمح للطبيب غير اللبناني من أبناء الدول العربية بالعمل في لبنان، إذا توافرت فيه الشروط والمؤهلات المطلوبة من الطبيب اللبناني، وأن يكون هذا الطبيب تابعا لبلد يسمح للطبيب اللبناني بممارسة مهنته فيه، أي أن يكون هناك معاملة بالمثل، وتجري المعاملة بالمثل بحسب عكس النسبة العددية للسكان في لبنان وفي البلد الذي ينتمي إليه الطبيب المذكور، وتكون المعاملة بالمثل مكرسة باتفاقية بين الدولة اللبنانية والدولة المعنية". والشرط الاخير غير متوافر وفق ما يقول نقيب الاطباء شرف أبو شرف لـ"النهار"، إذ لا توجد اتفاقية بين دولة فلسطين والدولة اللبنانية حول المعاملة بالمثل. كما ورد في المادة الثالثة من قانون إنشاء نقابتي الأطباء في لبنان أنه لا يحق لأي طبيب أن يمارس مهنة الطب على الأراضي اللّبنانية إلا بعد الانتساب إلى إحدى النقابتين بعد توافر الشروط المطلوبة.

وإذ أكد أن اي تعديل لشروط ممارسة مهنة الطب يستوجب تعديلات قانونية ولا يمكن بغير ذلك، كقرار وزاري أو ما شابه، اعتبر أن قرار وزير العمل هو "تجاوز للقوانين المرعية الإجراء".
ومن الشروط ايضا أن ينجح الطبيب بامتحان الكولوكيوم، والحصول على اجازة ممارسة مهنة الطب من وزارة الصحة ومن ثم تسجيلها في نقابة الأطباء. إذاً قرار السماح للطبيب بالعمل في لبنان منوط بوزارة الصحة وتاليا لا علاقة لوزير العمل، وفق أبو شرف، أن يصدر هكذا "قرارات مخالفة للقانون"... و"الأهم أنها لم تقف على رأي النقابات المعنية فيها".

ويبقى... انتظار التوضيحات التي ستصدر في المؤتمر الصحافي الذي سيعقده الوزير بيرم، الساعة العاشرة والنّصف قبل ظهر اليوم في وزارة العمل.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار