انزلوا من عروش "الحياد" وانظروا الحظيرة تخلو من "الراعي" و"الخراف"! | أخبار اليوم

انزلوا من عروش "الحياد" وانظروا الحظيرة تخلو من "الراعي" و"الخراف"!

انطون الفتى | الجمعة 10 ديسمبر 2021

بالكَيْل الذي تكيلون فيه لغيركم يُكال لكم

 

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

على مسافة أسبوعَيْن من الاحتفال بميلاد الرب بالجسد، لا بدّ من تأكيد أن لا شيء أشدّ سوءاً من التعامُل مع السيّد المسيح، وكأنه قطعة ثياب، نلبسها بما يتناسق مع الألوان.

وهذا مع الأسف، هو حال السّواد الأعظم من المسيحيين، العلمانيّين والمُكرَّسين، الذين "أظلموا" بالرّوح، "ولا مين شاف ولا مين دري".

 

عروش

حبّذا لو ينزل البعض من عروش "الحياد"، و"التحييد"، والانتخابات النيابية، والأحاديث عن الرجاء "بالهوا"، ليعملوا على إعادة إحياء النّفوس والأرواح والأجساد، بالرب. وليتركوا الأوطان قليلاً لتدبير الله، الذي يعرف ما في الكوامن، ويعلم تماماً ما يسمح بحصوله، وما لا يسمح به.

 

تكريس

أضحكني أحدهم مرّةً، عندما سمعته يقول إن زوال لبنان مستحيل، لأنه مُكرَّس لقلب مريم الطّاهر، ولأنه بلاد الأرز المذكور في "الكتاب المقدّس".

وعندما عرضت هذا الكلام على أحد المُتبحّرين بالعَيْش بروح المسيح، ضحك هو أيضاً، وأمضى وقتاً بشرح الكثير من الأمور، التي أنارت بصيرتي. كما تشاركنا بعض الأفكار، على مستوى أن ليس التكريس لقلب مريم الطاهر هو الذي يقدّس الأشخاص، والأولاد، والعائلات، والمنازل، والأوطان...، بل ان امتناع الأفراد، والأولاد، والعائلات، والحُكّام عن الخطيئة، هو الذي يُعطي التكريس قيمته، ويسمح له بأخذ مفاعيله الكاملة.

 

الجوهر

كثيرون في بلادنا يعيشون الزّمن الميلادي حالياً، ولكنّهم يفتقرون الى الجوهر. فَهُم "يعسّون" بالكثير من المفاهيم الخاطئة، التي لا دخل لها بالرب. ورغم ذلك، يفرحون بـ "الريسيتالات"، ويتنعّمون بالبهجة الميلادية في الداخل والخارج، فيما الجوهر غير موجود.

فحبّذا لو ينزل البعض من العروش، لينصرفوا قليلاً الى معالجة مسألة جوهرية، وهي أن معظم الذين يعتقدونهم من "أبناء الدّار"، ونسبة مهمّة من الذين يحتفلون بأسرار المسيح، زمنياً، و"تكريسيّاً"، لا يستحقّون الحصول على المناولة المقدّسة، أصلاً.

هذا يعني أن السيّد المسيح يدخل أسبوعياً، ويومياً (في بعض الرعايا، حيث القداديس اليومية)، الى أماكن (أجساد ونفوس وأرواح) وسِخَة، مُدنَّسَة.

 

صمت

لنتخيّل معاً أن أحدنا دخل الى مكان فيه رائحة كريهة. هل كان ليتحمّل ذلك؟ أم سنجده يهرب هرباً، حتى ولو اضطّر الى أن يكون فظّاً مع الموجودين فيه؟

ولكن السيّد المسيح، يدخل الى كثيرين، ويتألّم فيهم بصَمْت. (مع العلم أن عدداً كبيراً من هؤلاء الكثيرين، لا يتناولون الرب عند المناولة، بل دينونة لهم، ولا مجال لشرح هذه النّقطة هنا).

أزمة بلادنا الاقتصادية والمالية، فضحت الكثير الكثير من "أبناء الحظيرة"، وكشفت الظّلمات التي يتمرّغون فيها، والتي تجعلهم مفصولين عن روح المسيح. وهذا سبب أساسي للسّماح الإلهي بما يمرّ به بلد الأرز.

 

"دواعش"

فعلى سبيل المثال، عاث بعض من في بلادنا فساداً، وقتلاً، وتدميراً بصحة وحياة ملايين اللبنانيين، خلال الأشهر الماضية، من خلال إمعانهم في تبرير أسباب قطع الخدمات الاستشفائية والأدوية عن الناس. وهم تحوّلوا الى مجرمين، والى "دواعش"، "بالقانون"، و"المنطق المالي"، وبعيداً من أي التزام مهني، وأخلاقي.

هؤلاء ينتفضون، لمجرّد الحديث عن السماح لبعض "الغرباء"، بممارسة مهن لطالما كانت محصورة باللبنانيين، وذلك بحجّة مقاومة التوطين، والحفاظ على الهويّة، والتاريخ، والجغرافيا، والديموغرافيا، و...، و...، و...، فيما لم نسمع قبل أشهر من يتحدّث منهم عن أن قتل الناس، عبر قطع الأدوية والاستشفاء عنهم، هو الذي يزيد الهجرة، ويتلاعب بالديموغرافيا، ويغيّر هويّة لبنان.

 

مجهول

نذكر أيضاً، أن بعض المنتفضين، ومن يدورون في أفلاكهم، سخروا في الماضي من اللاجئين والنازحين، ضمنياً وعلنياً، بالقول إنهم يتزايدون في لبنان، ويتزوّجون، ويُنجبون، و"ما بيضيّعوا وقت"، رغم الحروب في بلادهم، ورغم أنهم في أرض لجوء، أو نزوح.

والساخرون هؤلاء، أنفسهم، يتفرّجون حالياً على اللبنانيين، يتزاوجون، ويُنجبون، ويحتفلون، رغم الضّائقة المالية، والدّمار المعيشي والاقتصادي في بلدهم، و"مش عم يضيّعوا وقت" أيضاً.

وهم بذلك، لا يختلفون عن "الغرباء" بشيء، في إطار صورة الـ "بلا مخّ"، من حيث التسبُّب بولادة أطفال، في ظروف غامضة، ووسط زمن مجهول المستقبل.

 

تكرُّس

"وحدة بوحدة". وما أطيب الرب، مربّي الجميع، ومُقوّم اعوجاجاتهم، من أجل خلاصهم.

نقول هذا لا لـ "نشمت"، بل للتذكير بأنه بالكَيْل الذي تكيلون فيه لغيركم يُكال لكم، وبأن التعويل على قلب مريم الطّاهر لا يكون بالتكرُّس، ولا بتجديده سنوياً كالماكينات، ولا ببناء الأوطان بالخطايا والكذب و"الزّعبرة"، ولا باستضافة "الدواعش" على موائد المقرّات الروحية، بل بعَيْشه (هذا التكرُّس) من خلال الامتناع عن كل خطيئة.

فحبّذا لو أن البعض ينزلون قليلاً من عروش "الحياد"، و"التحييد"، وينظرون الى الحظيرة. فهي باتت خالية من الخراف تقريباً، لصالح الجداء الكثيرة، التي لا تسير إلا في طُرُق اليسار المُعوَجَّة.

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار