الى "المسيحيين الكبار"... المسيح لا يطلب "الحياد" بل التوقُّف عن إدخاله في أفواه السارقين! | أخبار اليوم

الى "المسيحيين الكبار"... المسيح لا يطلب "الحياد" بل التوقُّف عن إدخاله في أفواه السارقين!

انطون الفتى | الإثنين 13 ديسمبر 2021

من هو ذاك الذي يَعِظ ويوبّخ في شكل مستمرّ؟

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

تزداد الحاجة وبإلحاح، الى النّزول السّريع للبعض عن عروش "الحياد"، والى تركهم العناوين الوطنية الكبرى قليلاً، لصالح الكثير من الأساسيات، وذلك بعدما باتوا يهتمّون بالأولى، ويُهمِلون الثانية.

 

ليس منصباً

كيف يُمكن لمسيحيّ أن يكون مسيحياً حقيقياً، يشعّ بالسيّد المسيح للآخرين، إذا لم ينجح في إظهار أن يسوع الناصري ليس مجرّد إنسان مرّ في التاريخ، ولا هو ذاك الذي أُنعِمَ عليه بنبوّة، أو بقداسة، ولا هو إله من بين آلهة، بل هو الألوهيّة المُطلَقَة، في جسد؟

هذا الواقع ليس عملية سهلة، ولكنها غير مستحيلة. فالمسيح ليس حضارة، ولا جماعة، ولا مجموعة، ولا تاريخ عيد، وليس منصباً مالياً، أو سياسياً، أو أمنياً، أو عسكرياً في دولة، بل هو إله تأنّس في الزّمن. وليس مسيحيّاً إلا ذاك المخلوق الذي يتألّه معه (المسيح)، في الزّمن، لينطلق فيه ومعه (المسيح) في المُطلّق، في ما بَعْد.

 

البابا

ليس مسموحاً للمسيحي بأن يغرق في أي إطار زمني، حتى ولو كان وطناً، إذا كان يُنسيه الجوهر، وهو التقدّم في دروب الرب.

سنتحدّث في هذا الإطار عن البابا القديس يوحنا بولس الثاني، الذي رغم حبّه الشديد لبلده بولندا، إلا أنه لم يستكثر على الرب قبول المنصب البابوي عندما انتُخِب، ولم يفضّل جبال "تاترا" في بلاده، على خدمته (الرب) في روما، في كامل المرحلة الباقية من حياته.

كما أن البابا القديس، وبعدما حارب الشيوعية وأضاليلها، بولنديّاً وعموماً، لم يجلس على عرش سقوطها، بل مضى في طُرُق المطالبة بالحقّ والعدل والكمال، وباجتثاث كلّ ظلم، وشرّ، في كل أنشطته واستقبالاته البولندية والدولية في ما بَعْد، مُنطلِقاً من منطق أن الشيوعية لم تَكُن، وليست الشرّ الوحيد على الأرض، إذ يوجد الكثير غيرها، يتوجّب محاربتها أيضاً.

 

ضروري

من الضّروري جدّاً المطالبة بتحرير لبنان، وبحياده، ولكن ليس بما يغيب عن أوضاع الإنسان في بلدنا الحبيب. وقد يكون مُفيداً وضرورياً أن يُطلَب من عامة الناس في الرعايا، أو في مؤسّسات مسيحية، جمع المساعدات للعائلات الفقيرة خلال الزّمن الميلادي، ولكن ليس بما يعتّم على أساسيات أخرى.

فمهما كان الإنسان فقيراً، تبقى أعمال الرّحمة ضرورية، لنَيْل الخلاص. ولكن من المُعيب أن يُطالَب عامّة الناس، بحَمْل أثقال بعضهم البعض، بموازاة إغفال هدايا لا بدّ لفئات معيّنة من الجماعة المسيحية أن يقدّموها، هم وحدهم، خلال الزّمن الميلادي على الأقلّ.

 

"شحتفي"

فعلى سبيل المثال، ما هي الجدوى من مُطالبة إدارة مؤسّسة مسيحية، سواء كانت مدرسة، أو جامعة، أو مستشفى، أو داراً للمسنّين، أو داراً للأيتام... بتبرّعات ومساعدات "ميلادية" لتوزيعها على الفقراء، في الوقت الذي تُمارس فيه إدارات تلك المؤسّسات "أشنَع" أنواع "الشّحتفي"، في كلّ مدفوعاتها، سواء تلك التي تعود الى موظّفيها، أو لغيرهم، رغم أن الجميع يعلم ميزانياتها السنوية الهائلة؟

 

ربح

فهذه شهادة سيّئة جدّاً للسيّد المسيح، تدمّر النّفوس المسيحية الضّعيفة بالإيمان، التي لا تعرف من المسيح إلا ما يصدر عن "الأبونا"، أو "سيّدنا"، وبلا أي تمييز بين ما هو "من شغل إيد" البشر تحت ستار الطاعة، وبين ما هو من الرب، ومن الطاعة الحقيقية له. كما تمنع (الشهادة السيّئة تلك) وصول حقيقة المسيح الى النّفوس غير المسيحية. وهذا يؤكّد أن المؤسّسات تلك، تبغي الرّبح، ولا دخل لنشر البشارة، ولا للإنسانيات، بعملها.

 

يتسابقون

وفي هذا الإطار، نسأل، من هو ذاك القادر على أن يَعِظ كل "المسيحيين الكبار"، من خارج بعض المجاملات، والشكليات، ومُحاباة الوجوه، وعلى أن يقول لهم إن الفقراء لا يحتاجون الى أكياس الأرزّ، والعدس، والحمّص...، والى عبوات الزيت...، فقط، بل الى وقف سرقتكم لهم أيضاً.

فارتفاع سعر صرف الدولار بمعدّل أكثر من ألفَي ليرة لبنانية، دفعة واحدة أحياناً، ما عاد يُقفِل المؤسّسات والمحال التجارية، على اختلاف أشكالها وأنواعها، كما كان يحصل سابقاً. وهذا يعني أن أسعار سلعها تفوق سعر دولار السوق السوداء بكثير، أي سرقة، وسرقة، وسرقة، بنِسَب مُضاعَفَة، يتورّط بها تجار مسيحيّون، نراهم يتسابقون على المقرّات الروحية، وعلى المناولة المقدّسة، بلا توبة، أي من دون وجه حقّ.

 

الكيان

من هو ذاك الذي يوبّخهم في العَلَن، وبشكل مستمرّ؟ ومن يُطالبهم بتقليص نِسَب أرباحهم غير الشرعية، في هذه الفترة من الضّيق المعيشي، على الأقلّ، بما يخدم الفقراء؟

ومن هو ذاك الذي يَعِظ عن ضرورة تقليص المستشفيات المسيحية، والأطباء والصيادلة الذين يتباهون بمسيحيّتهم، أرباحهم، في الزّمن الميلادي على الأقلّ، وعن وجوب توفير الحاجات الطبية والدوائية، في أزمنة الضّيق؟

نحصر كلامنا هنا بالمسيحيّين، لأن من يُفتَرَض أنه تابع للسيّد المسيح، يتوجّب عليه تقديم الكثير، وإظهار وجه المسيح البهيّ والمُشرِق. فهذه هي الهويّة، ومن هنا يبدأ الكيان، حتى لا يتحوّل الميلاد الى دولارات مُعلَّقَة على شجرة، تُهجِّر المسيح من المغارة، ومن الرعيّة، ومن الهويّة، والكيان.

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار