ضربات "يوم القيامة" و"الثالوث النووي"... روسيا لن تعيّد فصح 2022!؟ | أخبار اليوم

ضربات "يوم القيامة" و"الثالوث النووي"... روسيا لن تعيّد فصح 2022!؟

انطون الفتى | الإثنين 07 مارس 2022

لا إمكانيّة لإعطاء صفة "مقدّسة" أو "محقّة" لتلك الحرب

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

بدأ الصوم المقدّس في الكنيسة الأرثوذكسية اليوم، أي بعد أسبوع من الكنيسة الكاثوليكية. وهو زمن من المُفتَرَض أن يكون مخصّصاً لمُضاعَفَة الجهادات الروحية، وليس للامتناع عن الطعام والشراب، بالشّكل فقط.

فالروح القدس، هو الذي سار بيسوع الى البرية، أي ان صومه لم يَكُن ميكانيكيّة زمنيّة، ولا "طقوسيّة". وهو ما يعني أن الصّوم والفصح لا ينطلقان من روزنامة، بل من روح الله، مع العودة إليه، في حالة دائمة.

 

تجربة

فهكذا، صام يسوع، وجرّبه الشيطان بأساليب عدّة، من بينها أنه مضى به الى جبل عالٍ جدّاً، وأراه جميع ممالك الدّنيا ومجدها، وقال له:"أعطيك هذا كلّه إن جثوت لي ساجداً"، فطرده يسوع. ثم تركه إبليس، فدنَت منه (يسوع) ملائكة، وأخذت تخدمه.

وبالتالي، كلّ من يصوم من خارج تلك الحالة الدائمة، لا معنى لصومه. وهي وجوب الانطلاق من روح الله، والعودة إليه، مع التعرّض لهجمات إبليس، والانتصار عليها بالمسيح، ومعه.

 

فتّاكة

"أُعطيك هذا كلّه إن جثوتَ لي ساجداً"، قالها الشيطان ليسوع، قاصِداً بها جميع ممالك الدّنيا ومجدها، أي ملكوت الأرض، الذي يحوّل صلاة "الأبانا" التي علّمنا إياها يسوع، من "كما في السماء كذلك على الأرض"، الى "كما في الأرض كذلك في السماء". وهو الروح الذي يتحكّم بكثيرين على أرضنا، الذين يؤجّجون الصراعات والحروب، رغبةً منهم بالسيطرة، وبمجد هذه الأرض.

والنّسخة الأشدّ فتكاً من روح ملكوت الأرض، هو ذاك الذي تقدّمه الفئات الملتحِيَة، التي تُحدّث الناس عن "سماوياتها الأفيونية"، من معارك، وحروب، وانتصارات على الأعداء، هي ليست أكثر من "دمويات"، تقودها وشعوبها الى هلاك أبدي محتَّم. وما أكثر تلك النّسخ الفتّاكة في بلدان منطقتنا.

 

باطل

نعود الى زمن الصوم المقدّس، الذي ينتهي بإعلان قيامة المسيح في أحد الفصح المقدّس. ونبقى بنسخته الأرثوذكسية التي تُنهيه بترنيم "اليوم يوم القيامة فلنتفاخر أيها الشعوب، لأن الفصح هو فصح الرب...".

وبما أن العالم يتفرّج يومياً على الحرب التي تخوضها "روسيا المقدّسة" (تعبير لعدد من السياسيّين الروس) على أوكرانيا، نجد الفرصة مُناسِبَة للإضاءة على أن الصّوم، أو أي سلوك كنسي آخر، كالمشاركة في القداديس، وأسرار الكنيسة (الإعتراف، المناولة المقدّسة...) أو غيرها، بما "يتزاوج" مع تأييد أي حرب، أو أي جهة دموية (أنظمة، أحزاب، تيارات...) حول العالم، أو أي إيديولوجيا دموية وعنفيّة، يعني أنه (الصّوم) باطل.

 

محقّة؟

فالقنابل، والصواريخ، والتدمير، والإصابات الدّقيقة وغير الدّقيقة...، لا تدافع عن الأرثوذكسية في أوكرانيا. والنّهب الروسي للمتاجر، والمنازل، والمصارف... الأوكرانيّة، مع تخريبها وتدميرها... من جانب الجيش الروسي، لا تدافع عن الأرثوذكسية في أوكرانيا. والسيطرة على كييف، واحتلال كامل أوكرانيا، لا يُدافع عن الأرثوذكسية، لا فيهما، ولا في روسيا، ويجعل الصّوم الروسي باطلاً.

يُمكن لروسيا أن تنتصر في حرب أوكرانيا، وتجييش الملايين حول العالم دعماً لموقفها. ولكن من المستحيل لها أن تسيطر على الحقيقة، حقيقة أن لا إمكانيّة لإعطاء صفة "مقدّسة"، ولا "محقّة"، ولا "رادعة"، لتلك الحرب.

 

قبل الفصح

باستطاعة روسيا أن تنتصر في حرب أوكرانيا، وأن تتفاخر بقوات "الثالوث النووي" الروسي لديها، ولكن ذلك يمنعها من أن تتفاخر بأنها بلاد الإيقونة الشهيرة، التي كتبها القديس الروسي أندريه روبليف، وهي إيقونة "الثالوث الأقدس". فكما أنه لا يُمكن عبادة ربين، الله والمال، هكذا أيضاً، لا يُمكن الجمع بين "الثالوث النووي" الذي يعبّر عن ملكوت الأرض، وبين "الثالوث الأقدس"، وهو ملكوت الله.

كما يُمكن لروسيا أن تنتصر في حرب أوكرانيا، وأن تحتفل بفصح السيّد المسيح في 24 نيسان القادم (بحسب التقويم اليولياني)، مع انتظارها فيض النّور المقدّس في أورشليم، في يوم السبت العظيم، والتنعُّم بالطقوس الفصحية الرائعة. ولكن هذا لا يعني أنه يجوز لها، ولا لكلّ من دعم الحرب على أوكرانيا، فيها، من علمانيّين، وكنسيّين، أن يعيّدوا الفصح، إلا إذا طلبوا الصّفح من كلّ الذين تسبّبوا بتشريدهم، وقتلهم... في أوكرانيا، قبل الفصح.

 

عابرة للأجيال

فقيامة المسيح تتجلّى في زماننا، بالسلام، والعدالة. ومن اللاعدالة، تجاهُل نبضات قلب الشعب الأوكراني، العابرة للأجيال، والتي تنبض حريّة وتحرّراً.

كما لا يُمكن الاحتفال بقيامة المسيح، لكلّ من لا يتفاخر بها، بل بصاروخ "يوم القيامة" الروسي، القادر على اجتياز أي منظومة دفاعية في العالم.

 

نور المسيح

فأن يكون الروسيّ، أو أي إنسان آخر، عابراً للقارات صاروخياً، لا يعني بالضّرورة أنه عابر من الأرض الى السماء، حتى ولو صام، ومارس أقسى الطّقوس، وحتى ولو وقف في الكنيسة لأربع ساعات متتالية ربما، أو وزّع شموع فيض النّور في أنحاء العالم كلّه.

فعالم نور المسيح وقيامته، لا يُدخَل روسيّاً في صوم 2022، إلا من باب الخلاص الضيّق، وهو التصالُح مع الأخوة في كييف، عبر التسليم بحقّهم بالحرية، وبالكيان، وذلك قبل العودة الى موسكو، لتقديم القربان المقدّس، بما يُرضي الله.

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار