مخاوف لغط وتحدّيات صحيّة: ما حقيقة ارتفاع نسبة وفيّات الحوامل في لبنان؟ | أخبار اليوم

مخاوف لغط وتحدّيات صحيّة: ما حقيقة ارتفاع نسبة وفيّات الحوامل في لبنان؟

| الثلاثاء 26 أبريل 2022

ارقام غير دقيقة تسبّبت ببلبلة إعلامية

"النهار"

إنّ عدد النساء اللواتي يمتن في لبنان بسبب مضاعفات تتعلّق بالحمل زاد إلى ثلاثة أضعاف تقريباً وسط "أزمة اقتصادية ساحقة مستمرّة منذ ثلاث سنوات، شهدت هجرة أطباء وقابلات من البلاد"، هذا التوصيف المخيف الصادر من منظمة الأمم المتّحدة للطفولة يونيسف، لا يمكن المرور عليه مرور الكرام. هل حقّاً شهدنا على زيادة 3 أضعاف من وفيات الأمّهات في لبنان، بعد أن كان لبنان قد حقّق نجاحاً كبيراً في الحدّ من الوفيات؟

هل لعبت الأزمة الاقتصادية وجائحة كوروناً دوراً في هذه الزيادة؟ هذا الانهيار الاقتصادي جعل كلفة رعاية الحمل أكبر من
قدرة الكثير منهنّ على الاستمرار بها، ناهيك عن انقطاع الأدوية والتأخّر في الحصول على الرعاية الصحية عند الإصابة بكورونا... أسباب كثيرة تداخلت وانتهت برسم نهاية حزينة وتسجيل ٤٥ حالة وفاة لأمّهات خطفهنّ الموت قبل أن يحضنّ أطفالهنّ في العام 2021.

قد تكون اليونيسف أساءت التعبير في حديثها عن أنّ هذه الزيادة حصلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، والأكيد علميّاً أنّ العام 2021 كان الأسوأ على الإطلاق على الحوامل في لبنان نتيجة تفشّي متحوّر دلتا. البعض يتحدّث عن تراجع الخدمة الصحيّة نتيجة الانهيار الاقتصاديّ، فيما يتحدّث البعض الآخر عن أسباب أكثر علميّة ومحدّدة تعود إلى فيروس كورونا، فما هو الواقع الصحّي للحوامل في لبنان؟

تعقيباً على التقرير الذي صدر منذ أيام لمنظمة يونيسف حول ارتفاع نسبة #وفيات الحوامل والأمهات في لبنان وتدنّي نسبة التطعيم عند الأطفال، يؤكّد الاختصاصي في الجراحة النسائية والتوليد ورئيس اللجنة التقنية للكورونا والحمل الدكتور فيصل القاق "ورود بعض المعلومات غير الدقيقة وغير الواقعية حول وفاة الأمّهات في لبنان، بالإضافة إلى استنتاجات غير علمية حول صحّة الأمهات والحوامل في لبنان. لذلك يهمّنا توضيح بعض الغموض واللغط الحاصل المنشور في التقرير، والإضاءة على الواقع الحقيقيّ لصحّة الأمهات ونوعية رعاية الحمل.

ومع كلّ التقدير للجهود التي تقوم بها اليونيسف وغيرها من المنظّمات الدولية في لبنان في دعم الصحّة والقطاعات الأخرى، يبقى الأهمّ الحرص على توافق عرض الصورة بشكل واضح وصحيح.


ويشرح القاق أنّ " لبنان كان سبّاقاً في تحقيق الهدف الخامس من أهداف الألفيّة للتنميّة، والهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة ٢٠٣٠، لجهة خفض وفيات الأمّهات بمعدل ٧٥ في المئة. وانتهت الجهود والدراسات الى معدل رسمي لوفاة الأمهات هو ٢٣ وفاة لكلّ مئة ألف ولادة حيّة، في حين اعتمد تقرير اليونيسف على 1000 ولادة حيّة، مشيراً إلى رقمين 13.7 و37 لكلّ ألف ولادة حيّة،وكلاهما غير دقيق، مما تسبّب ببلبلة إعلامية وتناقل غير صحيح على المنصّات الإعلامية، والأخطر أنّه عكس واقعاً غير صحيح للبنان."

نجاح لبنان في تحقيق الأهداف الألفية للتنمية وأهداف التنمية المستدامة هو نتيجة جهود حثيثة للجنة الوطنية للأمومة المأمونة التي شكّلتها وزارة الصحة. بالإضافة إلى الرصد المستمرّ لوفيات الأمهات في لبنان، وإصدار تقارير سنوية حول أسباب الوفيات وتحليلها والتوصيات لتفادي تكرار الوفاة من خلال فريق الرعاية الأوليّة في الوزارة، والجمعية اللبنانية للتوليد والأمراض النسائية، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، ومنظمة الصحّة العالمية.

وبالتالي أيّ حالة وفاة لأمهات تُسجّل في لبنان تتمّ متابعتها من خلال لجنة خاصّة للبحث في الأسباب السريرية والطبية المسؤولة وتحليلها في تقرير طبّي خاصّ، حيث تُجمع كلّ هذه التقارير وتتمّ مناقشتها في اللجنة، ومن ثمّ نشرها في تقرير سنوي.


ويشدّد القاق على أنّه "خلال السنوات الماضية من 2011 حتى العام 2020 حافظ لبنان على معدل 18 وفاة سنوياً (تتراوح بين 9 و25)، وهو معدّل مقبول وجيّد عند مقارنته بمعدّلات دول أخرى. ولقد حافظ لبنان على هذه الأرقام وعلى هذا المعدل رغم الأزمة السورية وتوافد اللاجئين السوريين إلى لبنان وارتفاع معدّلات الولادة عند الحوامل السوريات والتي وصلت أحياناً إلى 50 ألف ولادة سنوياً. ومع ذلك بقي لبنان محافظاً على معدل متدنٍّ من الوفيات، وتمكّن من الإحاطة برعاية الحمل لكلّ الحوامل في لبنان وتقديم الخدمات الجيّدة لهنّ.

حتّى العام 2020 سجّل لبنان نحو 16 وفاة سنوياً مع بداية الجائحة، ولكن في العام 2021 شهد لبنان ارتفاعاً قدره ثلاثة أضعاف في معدّل الوفيات، ويعود سبب هذا الارتفاع نتيجة دخول لبنان في المرحلة الرابعة من تفشّي #كورونا وإصابة الحوامل بمتحوّر دلتا الذي يصيبهنّ بعوارض ومضاعفات شديدة، ووفاة، مقابل مستويات متدنّية من التلقيح في حينه لهذه الفئة. وهذا ما أدّى إلى ارتفاع معدّل وفياّت الأمّهات (شدّة عوارض دلتا ومخاطر التأخّر في طلب الرعاية الصحّية وتجاهل العوارض) في لبنان وفي دول أخرى، وفي حال فصلنا وفيّات الحوامل نتيجة كورونا نرى أنّ المعدّل المتبقّي لا يختلف عن السنوات الماضية.

أمّا في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2022، يعتبر معدّل وفيّات الأمّهات محدوداً جدّاً ولا يتجاوز 3 وفيّات، وهي غير مرتبطة بكورونا. وهذا ما يؤكّد على أنّ مستوى رعاية الحمل والتوليد ما زال مطمئناً وجيّداً حتى مع هجرة الأطباء والممرّضات والقابلات. وعليه ليس هناك من داعٍ للخوف والذعر عند الحوامل، رغم التحديات والظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان. فالتحدّيات الصعبة تُقابلها جهود كثيفة ومستمرّة للحفاظ على هذا المستوى وتعزيز صحّة الأمّهات في لبنان.


ويشير القاق إلى "تطوير تشكيل شبكة التواصل مع الحوامل عند بداية إصابتهنّ بكورونا وتوجيههنّ إلى شبكة الإحالة للتوجّه إلى مجموعة المستشفيات التي تمّ التواصل معها للاهتمام بالحالة وضمان عدم التأخير في الوصول إلى الرعاية الصحّية، بالإضافة إلى الجهوزية الدائمة لتفادي الأسباب الأخرى المسؤولة عن الوفاة والعمل على تقليل حدوثها".

وعن أسباب وفيّات الأمهات في لبنان، يتحدّث القاق أنّ أبرزها يندرج ضمن المشكلات الصحّية المرتبطة بالحمل، مثل الضغط الحمليّ، ومشاكل الخلاص والتجلّط. في حين يحتلّ النزيف ما بعد الولادة السبب الأوّل لوفيّات الأمّهات حول العالم.

وهل لعب الدور الاقتصاديّ في زيادة الوفيات، يؤكّد القاق "غياب بيانات رسميّة حول هذا الموضوع، ولكن عند تحليل الواقع القائم قد يكون تأخّر الوصول إلى الرعاية لأسباب مادّية أو صعوبة التنقّل وعدم الحصول على الرعاية لعدم توافر العلاجات قد يضاعف من العوارض ومخاطر المضاعفات عند المرأة الحامل، وهو ما يتشابه مع نموذج (٣ د) حول تأخّر في الرعاية والاستجابة إلى الموضوع من منظّمة الصحّة العالميّة ".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار