الشريط للّبناني الفرنسي روي عريضة
بيروت ٢٠١٥. ضربت العاصمة سلسلة هجمات بسيارات مفخّخة. آلان (آلان نجم)، الذي مل وظيفته وهي مندوب مبيعات، قرّر إدارة ظهره لكلّ ما يحيط به من جنون. أراد تكريس نفسه للغوص، وهو شغفه الكبير، فأصبح مهووساً بتحطيم الرقم القياسي العالمي.
هذه باختصار قصة "تحت السموات والأرض" وهو فيلمٌ للّبناني الفرنسي روي عريضة، متاح لمشتركي منصة شاهد. بناء الشريط قائم على مرحلتين متمايزتين في حياة آلان: الأولى عن يومياته. حياة عادية، وعمل يلفه الضجر. في هذا العادي اليومي، لحظات مختلفة، يغوص فيها عميقاً تحت الماء، وتظلّ بالنسبة إليه، وإنْ لم يصادفه شيء خلالها، أفضل ممّا يراه في حياته فوق الارض، من أحلامٍ تتكسّر.
في المرحلة الثانية، ينطلق الفيلم في سردٍ روائي، يتيح حرية أكبر في التعامل مع شخصياته، الرئيسية خصوصاً. آلان يُجسّد دوره الحقيقي في الحياة كغطّاس محترف. فكرة الفيلم جاءت من لقاء المخرج (وهو غطّاس بدوره) معه. البطل في الثلاثينيات من عمره، يقرّر التخلّي عن المدينة، وعمّا تمثّله، لينغمس كلياً في ما يشغله حقاً ويثير اهتمامه، حيث ينسى كلّ شيء، ويهرب من فوضى وعبث وخطر وحروبٍ وتفجيرات. ولكن تحت سطح الماء، هناك مفاجآت ومخاطر ليست أقلّ اهمية.
حدّد آلان هدفاً: تجاوز ٣٠٠ متر في العمق. بمساندة زوجته الفرنسية، يبدأ التدرّب مع أصدقاء وطبيب. بعد محاولات عدّة، يتخلّى عن الحلم. يتناول روي عريضة مفهومين في المعالجة: تحديد الهدف، والتخلّي عنه. تُطرح تساؤلات عدة على آلان منها: هل يُكمِل؟ هل للمرء حقّ التخلّي، في مجتمع يحكم على أفراده بالنتائج، وبما يتحقّق في النهاية؟ هل هناك خروج قبل الأوان من تجربة مسموح بها، لا يكون المرء فيه رابحاً أو خاسراً؟ وتجعل التجربة الشاب يكتشف قيمة الحياة والأصدقاء والحبيبة، وقبل كلّ شيء يتعرف على ذاته.
الفيلم هو هذه التساؤلات، ويطرح أسئلة وجودية على نحو مشوّق، بعفوية وصدق، ومن دون ادّعاءات.هناك تلميح بقناعاتٍ عن المهمّ والأهمّ في حياة إنسان معيّن. ليس الفيلم عن الشغف بشيء ما، وتحقيق الهدف أو الغاية، بل القول إنّ الطريق إلى الهدف هو المهمّ. الفيلم يُقلق ويوَتِّر. تساهم في خلق هذا الشعور موسيقى تصويرية لكريم دويدي، وتصوير تحت الماء دقائق طويلة في القسم الثاني، ما يكرّس إحساساً بالتوتر وضغط الماء ووحشة البحر.
"تحت السماوات والأرض" تم إنتاجه بمساهمة فرنسية، وعرض عالميا لأول مرة في مهرجان Warsaw Film Festival، وفاز بجائزة سعد الدين وهبة لأحسن فيلم عربي ضمن منافسات مسابقة آفاق السينما العربية في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. وقد عرض الشريط في الصالات الفرنسية وخصص جانب من إيراداته لصالح صندوق دعم ضحايا انفجار بيروت. هو عمل يستحق المشاهدة طبعاً ويفتح مجالات للتفكير من دون شك.