الدولار يتفلّت في الوقت الضائع... و"المركزي" يحاول ضبطه بالتعميم 161 | أخبار اليوم

الدولار يتفلّت في الوقت الضائع... و"المركزي" يحاول ضبطه بالتعميم 161

| الأربعاء 18 مايو 2022

لماذا يسير سعر صرف بعكس القاعدة العلمية وبعكس الواقع النقدي والسياسي؟

"النهار"- سلوى بعلبكي

لم يستغرب اللبنانيون تفلت سعر الدولار الأميركي عشية الانتخابات وما بعدها. فهذا المشهد كان متوقعاً بالنظر الى التحليلات والاستنتاجات والتصريحات التي جاءت على لسان أهل الاقتصاد والسياسة خلال الاشهر الماضية، إذ جاهروا بحصول ارتفاع جنوني لسعر الصرف بعد الانتخابات، وحجّتهم في ذلك، أن توافقاً سياسياً وحكومياً مع مصرف لبنان، قضى بالاتفاق على تدخل الأخير عبر منصّة صيرفة، للجم انهيار الليرة مقابل الدولار، الى حين تمرير الاستحقاق الانتخابي، بأقل قدر من القلاقل والحراكات الشعبية الاعتراضية، ولقطع الطريق على المعارضة والمجتمع المدني ومنعهم من استغلال الانهيار لتحقيق مكاسب سياسية تترجم في صناديق الاقتراع.

في الضفة الأخرى، ثمة من يستغرب ارتفاع سعر الدولار. فالأجواء السياسية بالرغم من صخب الانتخابات، جيدة وإيجابية. فلبنان أجرى انتخابات نيابية في يوم واحد وعلى كافة مساحته الجغرافية، لم تحصل فيها اختلالات أمنية أو مشاكل مقلقة، وما حصل حوادث متفرقة، كانت تحت السيطرة ومعتادة في كل استحقاق انتخابي أو بلدي. مردّ الاستغراب لتفلت سعر صرف الدولار أن الانتخابات تُعدّ من المحطات المفيدة للاقتصاد اللبناني، حيث يفيض كرم المرشّحين، في تمويل حملاتهم الانتخابية، وبدلات النقل، وأجور المندوبين، دون احتساب "شراء الذمم". هذه العوامل يُفترض أن تساعد على انخفاض سعر الصرف لا ارتفاعه. يضاف الى ذلك، أن البلاد خارجة لتوّها من عيدَي الفصح والفطر، اللذين حفلا بقدوم سيّاح ومغتربين، أعادوا الحياة قليلاً للحركة السياحية والمطعمية، ووصلت الحجوزات في فنادق بيروت والجبل الى 80-90%، فلماذا يسير سعر صرف الدولار بعكس القاعدة العلمية، وبعكس الواقع النقدي والسياسي، ويستعجل التحليق قبل أن يتضح المشهد السياسي، والتوازنات المستجدة، في تحديد السياسات النقدية والاقتصادية مستقبلاً؟


مصير التعميم 161؟
بعد اليوم الانتخابي مباشرة، بدأ البعض يتحدث عن إمكانية وقف مصرف لبنان العمل بالتعميم 161 قريباً، بما يعني أنه سيتوقف عن ضخ الدولارات عبر منصّة صيرفة والمصارف اللبنانية. فالتعميم كان يعزز مسألة عرض الدولار في السوق، ويدفع تالياً إلى استمرار استقرار سعر صرف الدولار في السوق السوداء. ويستند هؤلاء الى عدم قدرة "المركزي" على الاستمرار في ضخ دولارات، وما ارتفاع سعر الصرف في اليومين الأخيرين إلا دليل على ذلك. فالتخوّف من وقف التعميم، أشاع أجواءً بأن سعر صرف الدولار سيرتفع بعد الانتخابات، وهذا ما حدا بجهات مالية الى جمع ما أمكن من الدولارات في الأسواق، الأمر الذي استدعى من مصرف لبنان إصدار بيان نفى فيه نيّة مصرف لبنان وقف العمل بالتعميم 161، لافتاً الى أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة "سيستمر في تطبيق التعميم 161 الى زمن غير محدد، وذلك على منصة Sayrafa كالمعتاد من دون أي تعديل". الى ذلك أكد مصدر في مصرف لبنان لـ"النهار" أن "ثمة معلومات خاطئة لدى بعض المتابعين لحركة منصة "صيرفة"، وهي أن حجم التداول عليها يضخه مصرف لبنان في الأسواق، فيما هي تعكس أيضاً الأموال التي تشتريها وتبيعها المصارف ومكاتب الصيرفة، والعمليات لدى OMT وغيرها".

وتوازياً، أكد المصدر عينه أن "المركزي" مستمر في تحويل دولارات البنزين وفق المعتاد على سعر منصة "صيرفة"، معتبراً أن "الأخبار التي يطلقها موزعو المادّة هدفها تبرير وقف التوزيع إلى حين رفع سعر البنزين وتحقيق الأرباح". أما بالنسبة للدولارات لدعم القمح، فأكد أن "الأموال مؤمنة من قرض البنك الدولي، وتالياً لا مبرّر لخلق أزمة طحين".


ضبط موقت لسعر الدولار؟
هل صحيح أن ضبط الدولار قبل فترة الانتخابات النيابية كان موقتاً؟ وهل صحيح أن الدولار سيستمر بالارتفاع في المدى المنظور إلى حين اتخاذ التدابير اللازمة لوقف تدهور الليرة في السوق السوداء؟ المدير العام لشركة الدولية للمعلومات جواد عدرا ذكّر بوصول سعر الدولار الى 33 ألف ليرة، وبعدها بدأ بالهبوط المفاجئ الى نحو 23 ألفاً قبل الانتخابات بأشهر. واستند الى حسابات "الدولية للمعلومات" التي أشارت الى أنه في الفترة من كانون الثاني حتى نيسان 2022 صرف مصرف لبنان نحو 3 مليارات دولار من احتياطه، و"لكن عملياً هذه الأموال هي ودائع الناس". وإن كان ثمة من يقول إن هذه الأموال لم تصرف كلها لدعم الليرة، يقول عدرا "حتى لو كان هذا الأمر صحيحاً، فإن الأكيد أن الدعم لتثبيت الاستقرار النقدي توقف بعدما انتهى استحقاق الانتخابات النيابية". ويبدو واضحاً برأيه أن استقرار سعر صرف الدولار كان هدفه إجراء الانتخابات بهدوء، و"إلّا تخيلوا كيف ستكون نتيجة الانتخابات لو أن سعر صرف الدولار 100 ألف وربطة الخبز بـ50 ألفاً وصفيحة البنزين بـ800 ألف".


ارتفاع سعر الدولار حتماً؟
انتهى استحقاق الانتخابات النيابية وانتهت معه صلاحية الاتفاق السياسي حيال لجم ارتفاع سعر صرف الدولار لتمرير هذه فترة الانتخابات بأقل أضرار ممكنة على الطبقة الحاكمة. ولعل أكبر دليل على ذلك، هو أنه ما إن انتهى اليوم الانتخابي الأحد الماضي حتى بدأ سعر صرف الدولار بالارتفاع وصولاً الى 30 ألف ليرة. ماذا بعد؟ والى أين يمكن أن يصل سعر الدولار خلال الفترة المقبلة؟ أسئلة تشغل بال اللبنانيين ويؤكد صوابيتها الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان الذي قال لـ"النهار" إن تثبيت سعر صرف الدولار على هامش الـ20 أو 25 ألف ليرة للدولار الواحد كان هدفه انتخابياً بحتاً، إذ كان المطلوب من مصرف لبنان أن يثبّت الدولار على هذه المستويات... وأعاد أبو سليمان الطلب الكبير على الدولار الى الاعتقاد السائد بأن الدولار سيعود الى الارتفاع بعد الانتخابات، فيما ثمة إشارات الى أن الدولار سيستمر بالوتيرة التصاعدية بدليل الشحّ في سيولة الدولار لدى مصرف لبنان، والصورة القاتمة على خلفية الانقسام الحادّ في المجلس النيابي الجديد بما سيعرقل أي قوانين إصلاحية وخصوصاً تلك التي اشترطها صندوق النقد لتوقيع الاتفاق معه".

أمام هذا الواقع، يقدّر أبو سليمان الخسائر اليومية للاقتصاد بنحو 30 مليون دولار يومياً، هي من أموال المودعين، ويقول "لا شيء مطمئناً، وتالياً المطلوب إعادة الثقة رويداً رويداً عبر أخذ إجراءات سريعة منها تشكيل حكومة وإصدار القوانين المطلوبة من صندوق النقد وفي مقدمها إقرار مشروع الموازنة، وإعادة النظر في السرّية المصرفية على نحو يتلاءم مع المعايير الدولية، وقانون "الكابيتال كونترول"، وخطة طوارئ للمصارف".

المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف الدكتور باسكال فؤاد ضاهر يلخص العوامل وراء ارتفاع سعر صرف الدولار بعدم قدرة مصرف لبنان على الاستمرار بسياسة الدعم من الاحتياط الإلزامي والـSDR أي وحدات حقوق السحب الخاصّة، وأخرى سياسة تتلخص بالآتي:

– انتهاء مفاعيل الاتفاق السياسي مع إجراء الانتخابات.
– إمكانية إجراء تعديل في منصب حاكم مصرف لبنان.
– انقسام عمودي على خلفية نتائج الانتخابات النيابية، بما سيؤدّي الى نوع من التعطيل إن باختيار الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، ومن بعدها استحقاق رئاسة الجمهورية.

هذه المؤشرات برأي ضاهر غير مريحة للأسواق، ويدخل ضمن هذا النطاق البعد الدولي المتمثل بمباشرة المفاوضات مع صندوق النقد وعدم ترسيم الحدود البحرية وتوقف مفاوضات فيينا إضافة الى الحرب الروسية - الأوكرانية.

وإلى هذه العوامل، يؤكد ضاهر عودة أزمة الرغيف مع انتهاء مفعول المساعدة التي أتت من البنك الدولي، إضافة الى عودة أزمة الدواء فضلاً عن أزمة الوقود المتصلة بارتفاع الأسعار الذي سيترافق مع ندرة العرض.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار