يوتيبيا التغيير والرفض الأبيض.. «المطبخ التشريعي» غداً وإضافات جديدة على «المعجزة اللبنانية»! | أخبار اليوم

يوتيبيا التغيير والرفض الأبيض.. «المطبخ التشريعي» غداً وإضافات جديدة على «المعجزة اللبنانية»!

| الإثنين 30 مايو 2022

الازمة مرشحة لأن تطول اكثر ما دامت القوى المحلية الراعية للانهيار أو المسهلة له

"اللواء"

يُثبت النظام اللبناني غداً قدرته على إعادة تجديد نفسه، من باب إعادة الشرعية الدستورية مرة سابعة لنبيه بري رئيساً لمجلس النواب، وانتخاب نائب لرئيس المجلس، بصرف النظر عما اذا كان النائب القومي – العوني – المتني الياس بو صعب، او العكاري الارثوذكسي سجيع عطية، وإن بدت المفاجأة مستبعدة، فالواضح ان بري يجدد نفسه رئيساً مع مكتب للمجلس، أو مطبخ تشريعي، همَّة وقدرة على وضعه على سكة تشريعية، وإدارته، التي ستتكرر، «فالله لا يغير في قوم ما لم يغيروا في انفسهم».

جاءت الانتخابات النيابية، وبمعزل عن نتائجها الحسابية أو العملية، لتثبت بدورها، حقائق الاجتماع (الطوائف المتمكنة) وحقائق السياسة (اللعبة الديمقراطية) وحقائق الجغرافيا (لبنان بجناحيه المقيم والمغترب)، وحقائق الديمقراطية على الطريقة اللبنانية من صياغة قانون الانتخاب، وتوزيع الدوائر والصوت التفضيلي (كل مذهب ينتخب نوابه) ولجان القيد، والتحالفات، والعدة اللوجستية لمنع الخصوم من الرقابة، أو حتى التحرك من اجل الحملات الانتخابية (كما حدث في بعض اقضية الجنوب) من ان لبنان بلد ديمقراطي، برلماني، وهو فضلاً عن ذلك جمهورية.
بدت الطوائف، من هيمنة الثنائي الشيعي (امل – حزب الله) على المشهد التمثيلي منذ العام 1992، إلى ما يمكن وصفه بالأحادية الدرزية في الجبل الدرزي، لجهة تمثيل الحزب التقدمي الاشتراكي، من وليد إلى تيمور جنبلاط لطائفة الموحدين الدروز، فضلاً عن ملاحظة ان القوى الدرزية الأخرى، بما في ذلك القوى العلمانية، بقيت بعيدة عن القدرة على إحداث اختراق يشار إليه بالبنان، ما خلا الحالة المستجدة، وربما الشاذة لمارك ضو، في عاليه – الشوف.
وإذا كانت السُّنة، تحررت هذه الدورة، من سطوة القوى الحريرية، بعد امتناع الرئيس سعد الحريري عن خوض الانتخابات، لأسباب بعضها معروف، والبعض الآخر بقي في التخمين والتقدير، فخرجت مجموعات وأفراد بين قديم وجديد، تحاول اختصار المشهد التمثيلي، فإن الديمقراطية المسيحية كانت الأبلغ تعبيراً عن تعددية، متشرذمة، غير قادرة على إحداث أمر ما، ما خلا التجمع والتجمهر، والاحتفال «بالنصر المبين»، على طريقة احتفالات جبران باسيل ورفاقه في التيار الوطني الحر، من ميرنا شالوحي إلى البيال، فضلاً عن حسابات «القوات اللبنانية» التي ساعدتها عوامل عدة في التقدم إلى الأمام، تحت شعارات بالغة الحدة، في الخطاب ضد «حزب الله» والمحور الايراني – السوري – الفارسي، المستحكم بالانهيار اللبناني.
تمكن «الكوكتيل الحزبي» المسيحي من العودة المظفرة إلى المجلس النيابي، ما خلا الكتلة الوطنية، فتمثل حزب الكتائب بأكثر من ثلاثة نواب، وحزب الوطنيين الأحرار بنائب واحد، والقوات اللبنانية بأكثر من 17 نائباً، وحزب الطاشناق بثلاثة نواب، وكذلك تيار المردة بنائبين، مع حلفاء، وحافظ التيار الوطني الحر على كتلة لا بأس بها، فضلاً عن الشخصيات المستقلة الموزعة بين الحراك المدني وبكركي، وبين الأنتلجنسيا الفكرية، والأنتلجنسيا الاقتصادية والمالية.
هكذا بدا، أن «المسيحية الانتخابية» أكثر ليونة من باقي «الشركاء في الوطن» في إنتاج ممارسة تسمح بتلمّس طيف تغييري، أو انزياحات في الحضور الشعبي، بتأثير من عوامل عدة، أبرزها العامل الخارجي بناخبي الانتشار، أولئك الذين هضموا على نحو أكثر فردية حبوب المناعة في الديمقراطيات الغربية.
ولم يقتصر اختبار قدرة النظام في لبنان على التشبث بتقاليد ديمقراطية، ولو بالية، والاستمرار، رغم كل الخضات والانهيارات، فإن الواقع المالي والنقدي امتد إلى نطاق القدرة على التعامل مع الخضات، من باب قوة اللجم الموجود لدى المصرف المركزي، الذي بدا أن حاكمه رياض سلامة بدأ يتحرر بدوره من قدرة «السوط العوني» على النيل منه، من العد التنازلي لولاية الرئيس ميشال عون، وإحالة القاضية غادة عون إلى المجلس التأديبي، لعلة خرق «موجبات التحفظ»، فيهبط سعر صرف الدولار في السوق السوداء 10 آلاف ليرة لبنانية بضربة واحدة، ومن دون «ضربة كف» أيضاً.
 
بعد انهيارات متتالية منذ 17 (ت1) 2019، تقترب السنة الثالثة من اكتمالها في أزمة عمّرت، وهي مرشحة لأن تطول اكثر، ما دامت القوى المحلية الراعية للانهيار، أو المسهلة له، تلعب على مسرح الاستمرار، فلِمَ لا تستمر الأزمة تلعب على مسرح حياة اللبنانيين، وهمومهم، وحياة اولادهم، ومصائر بلادهم المظلمة؟!
عادة، في عرف التاريخ وتجاربه، أن الأزمات تنفجر، وتحدث نتائج مدمرة، تجعل الأقوام أو الدول، تأتلف للتغلب عليها، أو تجاوزها، بما في ذلك إحداث تغيير في أنساق الحكم أو الإدارة وحتى القضاء، والأمن والعدالة والاقتصاد.

هنا، في لبنان، يبدو ان احدى خصائص «المعجزة اللبنانية» التعايش مع الأزمات، ألم تستمر الحرب اللبنانية، 15 عاماً (تزيد او تنقص) ومات مئات الألوف، وترتّب عليها تداول جيوش اجنبية بين احتلال وأشقاء وأصدقاء، ثم جاءت حقبة استقرار لوقت، ما لبثت ان تفجرت بأزمة متمادية، جعلت المخضرمين يترحمون على أيام الحرب، شرقية وغربية، والقصف والخطف وما شاكل.
يتكيّف اللبناني مع حروبه وأزماته، والأنكى في حفلة التكيّف هذه، أن أيامه «تجوهر» كلما «أكل قتلة وشلّح شتلة» في إشارة إلى تزايد تعلقه بجلاديه... تدل على هذه الاستنتاجات أسئلة، لطالما جرى تداولها على الألسن: كيف لجمهور بلا كهرباء او ماء، يعاود انتخاب اولئك الذين تداولوا المسؤولية في وزارة الطاقة والمياه؟! وكيف لجمهور يكرر انتخاب السفهاء او المتهمين، او المشبوهين، أو قل بكلمة واحدة «الفاسدين» من دون ان يرف له جفن.
في دورة الحياة المتهالكة هذه، يفرح اللبناني ويصفق لتراجع سعر صرف «العملة الخضراء» المرتفعة اصلاً، من غير حسابات، إلا حسابات العصابة المتوفرة الأموال بين يديها، أو في محافظها أو مصارفها او حتى في خزناتها.
غداً، الثلاثاء، يكوّن المجلس التشريعي «مطبخه» على طريقة قالوا «الجود من الموجود»، فيعاد انتخاب بري (وهو للأمانة واحد من آخر حلقات الوصل بين اللبنانيين) ونائب آخر، يرجح ان يكون بو صعب، مع نواب صغار وكبار في مكتب المجلس.
وإذا كانت غداً، بداية إحياء «الديمقراطية اللبنانية» بمعزل عن الورقة البيضاء، التي ستوضع مقابل نعم لبري، وتُحصى الورقات هذه تعبيرياً عن «الرفض الأبيض» لبقاء رمز من رموز المنظومة (بتعبير بيضاوي)، لإعلان الانتصار، على تجديد الأزمة، ولو من باب التغيير، الذي سيكتشف حملة أعلامه، أنه أشبه «بيوتيبيا» يونانية قديمة.
من قوانين العالم والعلم على حد سواء، انه عندما يتغير النسق، يتعين تغيير كل ما يتصل به... نسق التغيير لم يحن وقته... والسؤال إلى متى ستمتد المرحلة الانتقالية بين نسقين ومجلسين وطبقتين وعهدين؟!

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار