عقوبات "سخيفة" ولكنّها عادلة وواجبة فمن يحرّر الكنيسة من بطريركها؟! | أخبار اليوم

عقوبات "سخيفة" ولكنّها عادلة وواجبة فمن يحرّر الكنيسة من بطريركها؟!

انطون الفتى | الجمعة 17 يونيو 2022

 قد "يحتفل" الجميع بـ "الانتصار" ولكن العدالة ثابتة

 

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

نحن لا ندين أحداً، ولا يحقّ لنا بذلك، لأن الحكم يبقى للرب وحده. وإذا كانت بعض الأسباب الإيديولوجية والسياسية هي التي تقف خلف العقوبات البريطانية على البطريرك الروسي (التي وصّفها الروس بالـ "السخيفة")، وتجعل منها "استهدافيّة"، إلا أن مُعاقَبَة هذا البطريرك عادلة، وواجبة، وكان يجب أن تتمّ على يد بطاركة وكنائس العالم، شرقاً وغرباً، منذ شباط الفائت، وعبر الإعلان عن مقاطعته كلياً، والى الأبد، إلا إذا أعلن توبته بإدانة الحرب الروسية على أوكرانيا بتوصيفها كحرب، وذلك انطلاقاً من أنه يُظهِر مسلكاً يُجدَّف من خلاله على اسم الرب القدوس. وهذا نقوله بما يتوافق مع روح الكنيسة، روح المسيح، ومع جوهر النّعمة الإلهية.

 

سمّ

قد يكون قاسياً إذا قُلنا إن هناك شكوكاً حول علاقة البطريرك الروسي بالاستخبارات السوفياتية في الماضي، وبعمله لصالحها، وإن علاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعود الى تلك الحقبة.

ولكن إذا كانت صفوف الإكليروس الروسي شهدت الكثير من الفوضى خلال الحقبة السوفياتية، إلا أن هذا كان يتوجّب إصلاحه، منذ التسعينيات.

فـ "معشر السّوء" السوفياتي، كان لا بدّ من نبذه في مرحلة ما بعد سقوط عهد الإلحاد، جنباً الى جنب العمل على ربح النّفوس، وتمكين السيّد المسيح من الفوز بها. هذا طبعاً إذا كنّا نتحدّث عن رجال إيمان حقيقي، لا رجال سياسة واستخبارات وعسكر، تمّ دسّهم في جسد الكنيسة، تماماً كما يُدَسّ السّم في العسل.

 

مسلسل

نحن من شعوب البلدان الضّعيفة، التي وُعِدَت كثيراً، وخسرت كثيراً، وبتكرار. نحن من الشّعوب التي تُرِكَت في منتصف الطريق، وفي ربعها، وأحياناً في أوّلها، ولسنا ساذجين لدرجة أن لا نعلم أن الحرب الروسية على أوكرانيا هي اليوم في الحلقة 500 من مسلسل تراجيدي طويل، يتجاوز الـ 100 ألف حلقة ربما.

ونحن نمتلك الحصانة الذّهنية المقبولة (في حدّ أدنى) لندرك أن لا مكان كبيراً للحقّ والعدالة على هذه الأرض، وأن أكثرية البشر على أرضنا لا "ينتشون" إلا بانتصار الظّلم والباطل في النّهاية، فيما يبرّرون ذلك لأنفسهم، بعناوين المعقول، والمنطق، والواقعيّة، وبالتعمية على مُعاقَبَة القاتل، والمجرم، والمعتدي، حتى ولو تكدّست جثث جرائمه، كالجبال.

فالغرب قد يترك أوكرانيا قريباً، أو في مدى متوسّط، أو أبْعَد. وقد يسلّم كلّ متشبّث فيها برفض الاحتلال الروسي الى القتل، في ليلة خفيّة. وقد "يحتفل" الجميع بـ "انتصار" روسيا، "الجارة الأبدية" للغرب، بحكم التاريخ والجغرافيا، والأمر الواقع. ولكن هذا هو منطق البشر. أما العدالة فهي ثابتة، تماماً مثل روح المسيح، حتى ولو رفضها منطق البشر، وهي أن تلك الحرب ليست سوى جريمة كبرى، حتى ولو سلّم الأوكرانيّون أنفسهم للاستسلام، في النهاية.

 

أشرف الناس

أشرف الناس، وأطهر الناس على الأرض، هم أولئك الذين يُحاربون روح الشّرير فيهم، وعمله في نفوسهم وأجسادهم وأرواحهم. وهم أولئك الذين يقولون إننا لا نريد طعاماً، ولا شراباً، ولا قمحاً، ولا تدفئة...، إذا كان ثمنها "تأليه" زعيم، أو رئيس، أو رئيس حزب، أو دولة، تجعل من نفسها إلهاً.

 

أطهر الناس

أشرف الناس، وأطهر الناس على الأرض، هم أولئك الذين يقولون "لا" لسلام الاستسلام الذي تفرضه "الدولة الإله"، الدولة التي تُجلِس نفسها على عرش الله، وتسيطر على المحاصيل الزراعية، والموارد الطبيعية، وتلك التي تقسّم البشر بين "أصدقاء، أو "أعداء".

أشرف الناس، وأطهر الناس على الأرض، هم أولئك الذين يرفضون تعاليم رجال دين "الدولة الإله". التعاليم التي تمجّد القذائف، وتُحرق البخور للصواريخ، وتسجد للقاذفات. وهم أولئك الذين يقولون لبطريرك، إنه لا يجوز لك أن تكون في كَرْم السيّد المسيح، فيما أنت تشبه أولئك الذين يلعبون دور "المُرشِدين" في "الدول الآلهة"، أصحاب لِحَى إيمان الحديد والنّار، وما أكثرهم في منطقتنا، وما أكثر خطاياهم المميتة.

 

مكبوتة

الصواريخ، والمدافع، والمقذوفات... تتميّز كلّها بالـ Forme Phallique. وبالمساحة المُتاحة لنا هنا، نكتفي بالقول إن استعراضها في الساحات، والتلذّذ بـ "هدّ المراجل" بها، وبإطلاق التهديدات بـ "إسمها"... هو بحث تعويضي عن لذّة جنسية مكبوتة. وما أكثر "المكبوتين" جنسياً في شرقنا، من أقصاه، الى أوسطه، الى أدناه، الذين "لا تشبع" أعينهم من الاستعراضات العسكرية، ومن عرض قواعدهم الصاروخيّة، و"المسيّراتيّة"، وأحدث إنتاجاتهم الحربيّة، التي بات عددها أكثر من أعداد شعوبهم، والتي تنعم بالتمويل للتصنيع والصّيانة، بما يأخذ من حياة تلك الشّعوب.

"بتضحكوا عا حالكون يا شطّورين، بسّ ما فيكون تضحكوا علينا". فصواريخكم هي ماضيكم وحاضركم ومستقبلكم. وهي مكبوتاتكم الكثيرة. فهل يجوز لأي بطريرك أن يمجّد حروب "الرئيس المكبوت"، مُعتمِداً السلوك نفسه لأصحاب اللِّحَى "المفرِّغَة" لزناها، بالصّواريخ، والمسيّرات، والأسلحة؟

 

من؟

الأسلحة هي أسلحة. واستعمالها للتسلُّط على حياة الآخرين، هو تخلٍّ عن الله، وعن نعمته. ورغم أننا في "عالم شرّير"، يتطلّب دفاعاً عن الذّات في وجه المُعتدين، إلا أنه لا يجوز تصنيع الأسلحة، وتمويل أبحاث تطويرها، ونقلها عبر الحدود، إلا إذا كان استعمالها لوقف حرب، أي لوقف الموت، وليس لفتح الحروب، وخلق النّزاعات والمشاكل. فهي ليست للعروض، ولا للاستعراضات، ولا لممارسة دور "الإله".

فهل يجوز لبطريرك، أن يدعم "تحرير" أوكرانيا، بالصواريخ؟ وكيف يعِظ النفوس عن التوبة، وعن ضرورة الامتناع عن الخطايا، في مثل تلك الحالة؟ و"مين إلو نَفْس" من بطاركة العالم أن يصافحه مستقبلاً، وأن يشترك معه بالأقداس نفسها، وأي أقداس، وبأي صفة، طالما أن الكنيسة الروسية بحاجة الى "تحرير"، والى من يُعيد السيّد المسيح والعذراء النقيّة، إليها؟

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار