أعدَدْتُ وصيّتي وكل ما هو لي أتركه لأبي ولجدّي من بعدي!؟ | أخبار اليوم

أعدَدْتُ وصيّتي وكل ما هو لي أتركه لأبي ولجدّي من بعدي!؟

انطون الفتى | الإثنين 20 يونيو 2022

 

بعد مدّة زمنية قليلة من فرار والده توفّي جدّه

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

في عيد الأب، مُعايدة لجميع الآباء، ولبعضهم بشكل خاص.

 

يذوب

مُعايدة خاصة لكل أب يعود الى منزله يومياً، وينظر الى أولاده وهو خائف من الغد. خائف من عدم القدرة على تأمين الخبز، والمياه، والطعام، والدواء، والأقساط المدرسية...

ومُعايدة خاصة لكل أب يذوب يومياً كالشمعة، حتى لا تتغيّر نوعية حياة أولاده، رغم الأزمات الاقتصادية والحروب.

ومُعايدة خاصة لكل أب يودّعه أولاده صباحاً، وهم لا يعرفون إذا ما كان سيعود الى المنزل عند المساء.

 

عدالة

إحدى المُعايدات الخاصة، هي للآباء الذين هم على مثال المواطن الأوكراني ستانيسلاف بوكراسا، الذي انفصل عن ابنه أندري. فالأخير خرج من أوكرانيا مع أمه الى بولندا، هرباً من الحرب الروسية المتوحّشة.

مُعايدة خاصة لهذا النوع من الآباء، لكونهم يجسّدون الاستعداد الكامل للدفاع عن الحرية والعدالة، حتى الموت، في أوان الشدائد. وهم يقدّمون مَثَلاً صالحاً يستذكره أولادهم، في كل مرة تعصف فيها الصراعات بين العدالة والظّلم، وتجعلهم يتعلّمون الدفاع عن الأولى، بدلاً من البحث عن العيش ولو بأي نوع من الظروف.

 

طائرة

فستانيسلاف وابنه أندري، تجسّسا على القوات الروسية، والتقطا صور تحرّكاتها، عندما كانت في طريقها نحو العاصمة الأوكرانية كييف، وذلك من خلال طائرتهما الصغيرة من دون طيار. وأرسلا كل ما حصلا عليه الى الجيش الأوكراني، وهو ما مكّن هذا الأخير من القيام بقصف ناجح للروس، بالاعتماد على إحداثيات الأب وابنه.

وجمع ستانيسلاف (٤٠ عاماً) وأندري (١٥ عاماً) المزيد من المعلومات عن القوات الروسية، بعد طلعات جوية متكرّرة بطائرتهما (من دون طيار)، رغم خطر قتلهما من جانب الروس، أو وقوعهما في الأسر. واعتمد الأب على مهارات ابنه في ذلك، مُعترفاً بأن ابنه يشغّل "الدرون" أفضل منه، وهما تسبّبا بتدمير الجيش الأوكراني لآليات عسكرية روسية.

 

يتيم؟

وبعد سقوط قريتهما بيد الروس، حثّث القوات الأوكرانية عائلة ستانيسلاف على المغادرة. فرحل أندري وأمه الى بولندا، فيما بقيَ الوالد في أوكرانيا، نظراً الى أنه يُمكن تجنيد الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين ١٨ و٦٠ عاماً، للحرب.

فمُعايدة كبرى لهذا الوالد إذا كان لا يزال حيّاً، وهذا ما نتمناه. ومعايدة لابنه في عيد الأب، الذي يحق له أن لا يتحوّل الى يتيم، ولا الى مشروع يتيم، إشباعاً لرغبات نظام روسي مُجرم.

مُعايدة لهذا الوالد، الذي بادر لمساعدة جيش بلاده، وجنّد ابنه للمهمّة، والذي لم ينتظر الغازي المحتلّ لنثر الورد والأرزّ على دباباته، مُستسلماً لسياسات "البقاء للأقوى"، و"مين ما أخد أمي صار عمي".

 

زعامة

مُعايدة لهذا الأب الذي يعطي دروساً بأنه توجد أشياء أخرى في هذه الحياة، تستحق أن نعلّمها لأولادنا، غير الاهتمام برفاهية العيش، وبالمستقبل المادي، وبتكديس الأموال، والثروات، والمقتنيات، وبالهجرة لتأمينها إذا لم تكن متاحة في الوطن.

ومعايدة لهذا الأب، الذي يُعطي درساً بكيفية الموت من أجل الوطن، بالشكل الصحيح.

فهو وابنه عملا من أجل بلدهما، وبتوجيه من جيش بلدهما، ومن دون أن يستغلّا ما قاما به ليطلبا امتيازات. وهما لم يبحثا عن "زعامة قرية"، ولا عن سيطرة على حكم، ولا عن التسلّط على حياة باقي المواطنين تحت ستار "تربيح الجميلة"، بأننا "دافعنا عنكم"، واستعدنا الكرامة الوطنية.

فالعدالة مقدّسة. وما هو مقدّس يكون صامتاً، أنواره تتحدّث عنه، وتُظهره للآخرين، ولا "فجور" فيه.

 

مع جدّه

مُعايدة خاصّة أيضاً، في عيد الأب، لشاب أوكراني يدعى فلاد، وهو ابن مسؤول حكومي في مدينة ميليتوبول الأوكرانية. فهو رفض الهرب مع والده قُبَيْل سقوط المدينة بيد القوات الروسية، وفضّل البقاء مع جدّه المريض بالسرطان.

وبعد مدّة زمنية قليلة من فرار والده، توفي جدّه. وعندما حاول أن يفرّ من المدينة، بعدما فقد كلّ سبب للوجود فيها، قبض عليه الروس، ولا يُعرَف عنه أي شيء منذ ذلك الوقت.

 

حان الوقت

مُعايدة خاصّة لمثل تلك النماذج، التي تؤكد أن مقولة "الحياة بدّا تكفّي"، لا يمكنها أن تكون بالمُطلَق، ولا على حساب العدالة، والمبادىء، والأخلاق.

فأجمل ما في الحياة، هو "نظافة" الاستقامة، حتى ولو كانت "عكس سير" معادلات الأرض، وما فيها من بشر.

جميلٌ أن نستكمل مسيرة أهلنا (إذا كانت مُستقيمة طبعاً). ولكن الأجمل هو أن نكون مستعدّين لليوم الذي قد نضطّر فيه للقول، ونحن في غمرة الشباب:"أعددتُ وصيّتي، وكل ما هو لي وملكي على الأرض، أتركه لأبي ولجدّي من بعدي، لأنه حان الوقت الذي يجب أن أنصرف فيه لضبط خفقان قلبي، على نبضات من عالم آخر، حيث الحقّ، والحقيقة، والعدالة، والنّبض الإلهي الواحد".

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار