مواصفات معركة كبرى لا تخلو من الصواعق
باعتبار أنّ البلاد أضْحَت على مشارف مرحلة انتقالية جديدة
"النهار"- مجد بو مجاهد
تتحوّل وزارة الطاقة والمياه سريعاً إلى عنوان أساسيّ على صعيد المداولات السياسية التي ستمتدّ في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة، بعد خطوة إعادة التموضع التي أقدم عليها الرئيس نجيب ميقاتي في ظلّ التبديل الوزاري المقترح في إسناد الحقيبة إلى المهندس وليد سنو بدلاً من الوزير وليد فياض. ولا يقلّل متابعون من احتدام التحدي السياسي على طاولة الكباش الحكوميّ، خصوصاً أنّ مقترح التعديل يقرع باب أكثر وزارة جدليّة لطالما شكّلت وجهة صراعات مع كلّ استحقاق جديد.
ويكتسب نزال "شدّ الحبال" بأسلاك كهربائية مواصفات معركة كبرى لا تخلو من الصواعق هذه المرّة، باعتبار أنّ البلاد أضْحَت على مشارف مرحلة انتقالية جديدة يمكن أن تطول خلالها محطة الانتظار. وتوضع وزارة الطاقة على رأس قائمة الاهتمامات المرتبطة بالصفحة المقبلة على مستوى البلاد، لناحية ارتباطها مباشرة بإعادة بناء قطاعات أساسية واستقطاب الاستثمارات والمشاريع من خلالها. ويرجّح أن يستمرّ تنافس عدد من القوى السياسية حول الوزارة مدى سنوات طويلة مقبلة، طالما أنها تشكّل الجهة التي سيكون الإشراف على استخراج الغاز من أعماق المياه الإقليمية اللبنانية في إطار دورها المرتقب.
وبالعودة إلى نقطة انطلاق الكباش السياسي مع تعديل إسم وزير الطاقة، لا يبدو أن اختيار مقترح جديد على النحو القائم، سيكون محلّ توافق بين الأطراف المعنية مباشرة بتشكيل الحكومة. وتؤكّد المؤشّرات التي انبثقت بعد تقديم المسودة الاتجاه نحو المطالبة ببعض التعديلات عليها بعد دراستها. وتقرأ مصادر سياسية أن الرئيس نجيب ميقاتي سجّل مجموعة نقاط لمصلحته في اقتراحه إسماً جديداً لتولي وزارة الطاقة، من شأنها أن تشكّل خطوة تكتية تجمعه مع بعض القوى المعارضة لجهة منح الحقيبة لوزير لا يدور في فلك مقرّب من "التيار الوطني الحرّ" أو العهد.
وإذا انتفت القدرة على تشكيل حكومة جديدة قبل موعد الانتخابات الرئاسية على مسافة أشهر قليلة، فإن خطوة ميقاتي تقرأ من المؤيدين لها على أنها قد تشكّل تبديلاً افتراضياً كرسالة للمقاربة التي تتبناها قوى معارضة للمرحلة المقبلة المتزامنة مع تبديلات في المناصب الرئاسية انطلاقاً من الرئاسة الأولى إلى الثالثة. وفي الموازاة، تشير المصادر نفسها إلى نقاط أحرزها "التيار الحرّ" بعد خطوة اقتراح التعديل في وزارة الطاقة، طالما أن التبديل ينحصر بها كوزارة أساسية على صعيدين مذهبي وسياسي، في وقت لا تزال الوزارات الرئيسية الأخرى محسوبة على المذاهب ذاتها والقوى السياسية نفسها وفي طليعتها حقيبة المال، التي يتخوّف مراقبون من استمرار حيازتها على أساس طائفي بما يعني هواجس من تحوّلها عرفاً مقبلاً بدلاً أن تشملها أيّ مداورة لاحقة على صعيد الحقائب الوزارية الكبرى.
يبقى الإصلاح "كلمة مفتاح" أساسيّة لأي انطلاقة جديدة تعيد الطاقة إلى العروق الكهربائية للقطاع والماء إلى شرايينه في مرحلة تلوح فيها أزمات مياه. ويوضع إصلاح قطاع الطاقة كبندٍ أساسي على جدول أعمال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، في وقت تؤكد معطيات "النهار" من أوساط فريق العمل الحكومي اللبناني المواكب للمفاوضات القائمة، على أهمية تنفيذ مجموعة إصلاحات مرتبطة بقطاع الطاقة للوصول إلى موافقة على قرض استجرار الغاز والكهرباء إلى لبنان، بما يشمل ضرورة تعيين الهيئة الناظمة للقطاع الكهربائي وتعديل جدول التعرفة الخاصة بفاتورة الكهرباء في سبيل تحويل القطاع إلى مستدام. وينتظر أن يشكّل القطاع عموداً اقتصادياً أساسياً للانتاج في المرحلة المقبلة. ولا يمكن تحقيق نمو اقتصادي موثوق أو امكان النهوض من دون قطاع كهرباء سليم.
وتضيء المصادر على أنّ موافقة صندوق النقد الدولي على تمويل القروض تأتي ضمن شروط الاتفاق مع البنك الدولي الذي لا يموّل شراء مواد أولية، بل يرتبط بقروض تصحيح هيكلي تقدّم تمويلاً في مقابل إجراء إصلاحات هيكلية ومالية. ويرتبط تمويل استجرار الغاز والكهرباء بترجمة لبنان للاصلاحات المطلوبة في قطاع الكهرباء. وفي السياق، تشير مصادر رئاسة الحكومة المواكبة للشؤون الاقتصادية إلى أنه "لا قروض قبل المباشرة بالإصلاح"، من خلال تعيين الهيئة الناظمة وتعديل جداول التعرفة كخطوة ضرورية.
كيف يمكن شرح أهمية قطاع الطاقة والمياه على مدى السنوات المقبلة، بما يفسّر الأنظار المتحلّقة حول الوزارة من جهات سياسية لبنانية متعدّدة؟ لا يمكن اعتبار الكباش الحاصل على هذا الصعيد جديداً، بل إنه انطلق منذ ما يقارب أكثر من 10 سنوات. وبحسب خبراء في شؤون الطاقة والنفط، لا يمكن إغفال أهمية القطاع باعتباره أحد أبرز القطاعات الخدماتية في البلاد لناحية تأمين خدمات الكهرباء والمياه التي يستفيد منها أكثر من نصف الشعب اللبناني. ويمكن فهم أهمية القطاع استراتيجياً وخدماتياً استناداً إلى النظام اللبناني القائم، بحيث تتحكم وزارة الطاقة بخدمات أكثر من مليون مشترك نتيجة توليها صلاحية تقديمها.
ويعتبر الصراع قديم في وزارة الطاقة التي تتضمن مشاريع استثمارية ضخمة وتستقطب حصة وازنة في الموازنات. وعلى الرغم من الحالة الانهيارية المسيطرة على قطاع الطاقة والمياه كما غالبية القطاعات اللبنانية، فإن الوزارة قد تستفيد في حال رفع سعر صرف الدولار الجمركي علماً أنها لا تحصّل حالياً سوى بعض الرسوم على سعر 1500 ليرة. ولا يفصل خبراء القطاع بين الشقّين السياسي والتقني في استطلاع الأسباب المؤدّية إلى الكباش المستمرّ على صعيد وزارة الطاقة والمياه بين القوى السياسية اللبنانية.
ويقرأون أنها ستكون وجهة مهمة للمشاريع المستقبلية إذا تحققت الاصلاحات المطلوبة، انطلاقاً من بناء المعامل الكهربائية ومحطات الطاقة الشمسية وطاقات الرياح وتطوير محطات المياه وشبكات الصرف الصحي ومحطات التكرير. وستكون الوزارة من بين الأكثر أهمية مستقبلاً. وقد تشهد على وظائف وفرص عمل غير مسبوقة. ويتحوّل السؤال لبنانياً إلى من سيقطف الحلّ من القوى السياسية؟ ولا يغيب عن الصورة أن الوزارة ستمثّل تأسيساً لاستخراج الغاز من المياه اللبنانية، بما يحفّز القوى السياسية على استشراف المرحلة المقبلة إذا نجحت مساعي ترسيم الحدود البحرية، مع الاشارة إلى ان المدة الزمنية لبداية استخراج الغاز قد لا تقلّ عن عشر سنوات مقبلة وفق تقويم خبراء. وهكذا تصير وزارة الطاقة قبلة ترقّب بانتظار لحظة بناء القطاع.