حرب يجب أن تربحها الكنيسة المارونيّة ولو اضطّر رهبانها وكهنتها للتسلُّح! | أخبار اليوم

حرب يجب أن تربحها الكنيسة المارونيّة ولو اضطّر رهبانها وكهنتها للتسلُّح!

انطون الفتى | الإثنين 25 يوليو 2022

لا يُمكنها أن تتهاون في الصّمت ولا في المواربة بالتعبير عنه

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

على هامش الخَلَل الكثير الذي أحاط بتوقيف رئيس أساقفة أبرشية حيفا المارونية، والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية وعمان المطران موسى الحاج، لا بدّ من التركيز على أن المسيحيّين في لبنان، على اختلاف مذاهبهم، لا يجب أن يقبلوا بخسارة الكنيسة المارونيّة لتلك المعركة.

 

كره

فما حصل للمطران الحاج، فضح "الكمخة" الوسخة الموجودة في بلادنا. ولكن ما كان صاعِقاً بالفعل، هو حجم الوقاحة، واستسهالها، من قِبَل بعض الشخصيات السياسية والدينية في البلد، التي تبارَت في إطلاق توصيفات "العمالة"، خلال الأيام القليلة الماضية، في معرض تعليقها على ما جرى للمطران.

بعض تلك الشخصيات، الدينية قبل السياسية، يفتقر الى أي مستوى أخلاقي بشري، قبل أن نتحدّث عن أي مستوى آخر، وهو ما نعلمه منذ وقت طويل، ولا نهتمّ به، لأنه لا يعنينا أصلاً. ولكن اللافت في الموضوع، هو أن قضيّة المطران الحاج كسرت tabou الهجوم على الكنيسة المارونية لدى بعض الذين تباروا في "الإفراج" عن كرههم لها، لعلمهم بأنها السبب في وجود لبنان، وفي وجهه الحضاري، منذ قرون طويلة. ويبدو أن قضيّة المطران الحاج أخرجت الكره الدّفين الموجود في نفوسهم، من "أوكاره".

 

إيديولوجيا

ولكن تمرير كَسْر tabou بهذا الشّكل، يعني أن "تابوهات" كثيرة ستتساقط تباعاً في وقت لاحق، بحجّة الدفاع عن الكرامة الوطنية، والدّعوات الى مَنْع العمالة.

فـ "مُلهِم أفكار" من نفّذوا قرار توقيف المطران الحاج، لا يسأل عن مطران، ولا عن مطارنة، ولا عن بطريركيات، طالما أنها تلتزم بالعمل داخل الجدران الأربعة، بل يريد التمهيد لـ "احتلال إيديولوجي" كامل، من خلال هذا التوقيف.

 

"واحة"

ومن هذا المُنطَلَق، لا بدّ من عَدَم التهاون مع "أصول" تلك المعركة. فـ "الساعة أتت"، وهي الوقت الذي يتوجّب فيه رفع سقف الخطاب الكنسي الماروني، ليضع الأصابع على النّدوب، والجروح.

فـ "الحياد"، والمؤتمر الدولي، والحديث عن رفض القلب المتحجّر، وعن الحاجات الإنسانية للناس، كلّها ضرورية ومطلوبة. ولكن قضيّة المطران الحاج هي معركة، ضمن الصراع الإيديولوجي الكبير مع الفريق الإيديولوجي المُسَيْطِر على لبنان، والذي يفرض نظرته الإيديولوجية والإيمانية الخاصّة به، على الاقتصاد اللبناني، وعلى ماليّة الدولة، ومؤسّساتها العامة، والسياسية، والعسكرية، والأمنية، والذي يعيش في لبنان وكأنه "واحة خاصّة"، تعود ملكيّتها له حصراً.

 

خيانة

وبالتالي، جوهر المشكلة ليست بتوقيف مطران حصراً، ولا جوهر الحلّ بإقالة قاضٍ، أو رئيس، أو وزير، أو...، أو...، أو... بل هو في ضرورة رسم الخطوط الحمراء لممارسات إيديولوجية وإيمانية لدى فريق في هذا البلد، هي مُعادِيَة لإيمان غيرها، الموجود في هذا البلد أيضاً. فلا يجوز السماح بإكراه الجميع على "جهاد مُقنَّع"، تمارسه فئة لبنانية على الجميع، بالمال، والاقتصاد، والسياسة، والأمن...

الحقيقة، وعلى بساطتها، وحدها تريح الجميع. فتمرير ما قيل بحقّ مطران في الكنيسة المارونيّة، من قِبَل بعض الشخصيات والمراجع، يعني الخضوع لمحاولات التأسيس لفصل كنائس أنطاكيا وسائر المشرق، بجعلها كنائس أنطاكيا المُنفصِلَة عن أبنائها الموجودين في الأراضي المقدّسة، أي في سائر المشرق، وذلك خوفاً من الاتّهام بالعمالة.

وهو ما يعني السماح لـ "آخرين"، بتغيير هويّة كنائسنا، وبالتدخُّل في عملها، وفي ملفات مجامعها، تحت طائلة الاتّهام بالخيانة، والعمالة.

 

كنائس أخرى

وتمرير ما قيل بحقّ مطران في الكنيسة المارونيّة، سيطال كنيسة الروم الكاثوليك أيضاً. وأي ضعف يُصيب الكنيسة المارونية في أي يوم، يعني "زوال" الكنيسة الملكية الكاثوليكية. فمع محبّتنا واحترامنا للجميع، إلا أن لا قدرة على الاحتفاظ بالروميّة الكاثوليكية في الشرق الأوسط أصلاً، من خارج القوّة المارونيّة.

وتمرير ما قيل بحقّ مطران في الكنيسة المارونيّة، يطال الكنيسة الأرثوذكسية في لبنان أيضاً. فمن نجح (إذا سُمِحَ له) بتدجين العمل الماروني، لن يجد صعوبة في تحويل جهده الى الكنيسة الأرثوذكسيّة في لبنان، لضرب المكوّن "السيادي" الكامن فيها، وتدجينه في الصفّ "المشرقي" الصّديق للروس حصراً، ولكلّ ما تفعله موسكو، سواء في أوكرانيا، أو في سواها.

وتمرير ما قيل بحقّ مطران في الكنيسة المارونيّة، سيطال الكنائس البروتستانتية في لبنان أيضاً، التي قد تجد نفسها في يوم من الأيام، ممنوعة من العمل و"الوجود" فيه، وذلك في طريق "الجهاد" ضدّ "العالم الأنغلوساكسوني".

وتمرير ما قيل بحقّ مطران في الكنيسة المارونيّة، سـ "يُسقِط" كنائس شرقيّة أخرى، كالأرمنية، والسريانية... أكثر فأكثر، في مساحة أن لا وجود لتلك الطوائف أصلاً، في فكر فريق "الاغتصاب العقائدي" في المنطقة، إلا من منظار أحزابها المنضوية في "التحالف المشرقي"، التي لا تعمل بموجب الإيمان المسيحي، بل بما يعود الى "بحث وجودي" نابع من مخاوف، وتراكمات تاريخية.

 

تسلُّح

ما حصل للمطران الحاج، هو أكثر من مجرّد سعي لـ "مدّ يد" على الكنيسة، بل انه محاولة لتغيير إيمانها، ولإلباسها صراعات لا تُشبهها، بالقوّة، من جانب فريق تنبع سلوكياته من إيديولوجيّته، ومن "اغتصابه العقائدي" للآخرين. فهذا الفريق يدخل الجنّة بعداوات، وحروب، وإراقة دماء، وبأدبيّات إهانة الآخرين. ولكن هذا مُعادٍ لروح السيّد المسيح بالكامل، ويتسبّب بهلاك أبدي لكلّ مسيحي، يحيا به.

وهذا لا يُشبه الكنيسة، ولا يُمكنها أن تتهاون في الصّمت عنه، ولا في المواربة بالتعبير عنه. فقد أتت الساعة، وهي ليست للحياد، ولا للمؤتمرات الدولية، ولا لفحص القلوب إذا ما كانت من حجر، أو من لحم، بل انها ساعة الإعلان جهاراً عن عَدَم السّماح لمن يعيش إيماناً معيّناً، وهو حرّ فيه، بأن يعمّمه على الآخرين، بالقوّة.

فهذه هي الحرب التي لا يجب أن تقبل الكنيسة المارونيّة بأن تخسرها، حتى ولو اضطّر رهبانها وكهنتها الى التسلُّح، بالمجارف والمعاول، والى خوضها بأظافرهم وأسنانهم.

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار