"أخرجوا من أنانيتكم".. عودة: سيكون العقاب رادعاً! | أخبار اليوم

"أخرجوا من أنانيتكم".. عودة: سيكون العقاب رادعاً!

| الخميس 04 أغسطس 2022

عند الحادية عشرة من قبل ظهر الخميس 4 آب 2022 وبمناسبة الذكرى الثانية لتفجير مرفأ بيروت، ترأس سيادة متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عوده، يشاركه متروبوليت جبيل والبترون المطران سلوان موسى، جنازاً لراحة نفوس الضحايا الذين سقطوا في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي، بحضور نائب رئيس مجلس النواب الياس أبو صعب، نائبي بيروت غسان حاصباني وملحم خلف، وزير الصحة د. فراس الأبيض، ووزير الإعلام زياد مكاري. كما حضر أهالي الضحايا الذين سقطوا في المستشفى، أعضاء مجلس إدارة المستشفى، المدير العام، الأطباء والممرضون والموظفون.
بعد الإنجيل المقدس ألقى سيادته الكلمة التالية:
«يـــا أحــبــة،
نَــجــتــمــعُ الــيــومَ كــعــائــلــةٍ واحــدة، عــائــلــة مــســتــشــفــى الــقــديــس جــاورجــيــوس الـجــامــعــي، لِــنُــصــلّــي بــروحٍ واحــدةٍ ونَــفْــسٍ واحــدةٍ مــن أجــلِ راحــةِ نــفــوسِ أحــبــةٍ لــنــا ســقــطــوا فــي هــذا الــمــســتــشــفــى الــذي كــان مِــثــلَــهُــم مِــنْ ضــحــايــا إنــفــجــارِ الــرابــع مِــن آب، الــذي خــلَّــفَ مِــئــاتِ الــضــحــايــا، وآلافَ الــجــرحــى والــمــشــرَّديــن، وعــاصِـمَــةً ثــكــلــى مــا زالــتْ تــبــكــي أبــنــاءَهــا، وتــبــكــي نــفــسَــهــا بــســبــبِ الــيُــتْــمِ الــذي تــشــعُــرُ بِــهِ. فــالــمــســؤولــون مــشـغــولــون عــنــهــا بِــألــفِ أمــرٍ وأمــر، والــزعــمــاءُ مــشــغــولــونَ بــأَنــفُــسِــهــم، ومُــعــظَــمُ أبــنــائِــهــا قــد هَــجَــروهــا طَــلَــبــاً لِــسَــقــفٍ يــأويــهــم، أو سَــعْــيًّــا وراءَ عَــمَــلٍ يُــؤمِّــنُ لــهــم حــيــاةً كــريــمــةً فــي بِــلادٍ تــحــتَــضِــنُــهــم.
رَغــمَ هَــوْلِ الــمُــصــاب، كــنّــا ومــا زلــنــا نُــردّدُ مــع الــنــبــي داود: «أســبّــحُ الــربَّ فــي حــيــاتــي، وأرنّــمُ لإلــهــي مــا دمـــتُ مــوجــوداً» (مــزمــور 146: 2)، ونــقــولُ لأبــنــائِــنــا وبــنــاتِــنــا مــا قــالــه داود قــديــمــاً: «ألْــقِ عــلــى الــربِّ هَــمَّــكَ فــهــو يــعــولُــك، ولا يَــدَعُ الــصِــدّيــقَ يــتــزعــزعُ إلــى الأبــد» (مــزمــور 55: 22).
خَــلاصُــنــا، يــا أحــبــة، بــالــربِّ وحــدَه، لأنَّ الــمــســؤولــيــن فــي الــزمــنِ الــبــشــريّ لا يــأبَــهــون لــخــيــرِ الــمواطِــنــيــن، لــذلــك مــجــدَّداً مــع الــنــبــي داود نــدعــو الــجــمــيــعَ أنْ «لا تَــتَّــكِــلــوا عــلــى الــرؤســاءِ ولا عــلــى إبــنِ آدم، حــيــثُ لا خــلاصَ عــنــده، تَــخــرُجُ روحُــه فــيــعــودُ إلــى تُــرابِــه. فــي ذلــك الــيــومِ نــفــسِــه تَــهــلِــكُ أفــكــارُه» (مــزمــور 146: 3-4). لــيــتَ كــلَّ الــمــســؤولـيــن، مِــنْ وزراءَ ونــوابٍ وأمــنــيــيــن وقــضــاة، يَــتَــمَــعّـــنــون بــهــذا الــقــول: «تَــخــرُجُ روحُــه فــيــعــودُ إلــى تــرابِــه، فــي ذلــك الــيــومِ نــفــسِــه تــهــلِــكُ أفــكــارُه».
إنّ الــمــوتَ نــصــيــبُ كــلِّ بَــشَــريٍّ مــهــمــا عــلا شــأنُــه، أو عَــظُــمَ مَــركــزُه، أو كَــبُــرَتْ ثــروتُــه، ومــهــمــا تــكــبَّــرَ وتَــجَــبَّــرَ واســتــغــلَّ وبَــطَــش. حــيــاتُــه الآتــيــة تُــحــدِّدُهــا أعــمــالُــه عــلــى هــذه الأرض. تُــرى كــيــف ســيــقــفُ مَــنْ كــانــوا مــســؤولــيــن عــن كــارثــةِ بــيــروت أمــام مِــنــبـرِ اللهِ الــمــرهــوب؟ وبــمــاذا ســيُــجــيــبــون؟ وكــيــف يُــواجــهــون أولادَهــم وأحــفــادَهــم عــنــدمــا يــســألــونَــهــم مَــنْ فــجّــر بــيــروت؟ ولــمــاذا؟ بــل كــيــف يُــواجــهــون ضــمــائــرَهــم؟
ســنــتــان انــقــضــتــا عــلــى جــريــمــةٍ لــم يــكــنْ أحــدٌ لِــيَــقــبَــلَــهــا لــبــيــروت، عــاصــمــةِ الــعــلــمِ والــنــورِ والــحــرّيــةِ والإبــداع. ســنــتــان مَــرَّتــا عــلــى آلامِ أهــلِ بــيـروت ولــم تــلــتَــئِــمْ الــجــراحُ بــعــد، لأنّ مُــقْــتَــرِفــي الــجــريــمــة مــا زالــوا يــتــمــتَّــعــون بــحــرّيــتِــهــم، فــيــمــا أهــلُ بــيــروت، وهــذا الــمــســتــشــفــى، وكــلُّ الــمــؤســســاتِ الــتــي كــانــت فــخــرَ الــمــنــطــقــة، مــا زالــت تُــعــانــي، ولــم تــنــهــضْ مِــنْ جــراحِــهــا بــعــد. ســنــتــان ولــم يَــتَــوصّـــلْ الــقــضــاءُ إلــى كَــشْــفِ الــحــقــيــقــةِ لــيــس لأنّ الــقــضــاءَ يــتــقــاعــسُ، بــل لأنّ الــسَــطــوةَ الــســيــاســيــةَ تُــعــيــقُ عَــمَــلَ الــقــضــاء وتَـمـنـعُ الـعـدالـة. نــحــن، مــع أهــالــي بــيــروت الــمــنــكــوبــة، وذوي الــضــحــايــا، وكــلِّ مَــن أصــابَــه الــتــفــجــيـرُ فــي جــســدِه أو نــفــسِــه أو مــمــتــلــكــاتِــه، لا نــبــتــغــي ســوى أمــرٍ واحــدٍ هــو مــعــرفــةُ حــقــيــقــةِ مــا جــرى فــي مــرفــأ بــيــروت، ومــعــاقــبــةُ كــلِّ مَــن خــطَّـــطَ عــن قــصــدٍ، أو ســاهــمَ عَــنْ غــيــرِ قــصــد، ومَــنْ غــضَّ الــنــظــرَ رغــم عِــلْــمِــه بــخــطــورةِ الــمــوادِ الــمــوجــودةِ هــنــاك. مــعــرفــةُ الــحــقــيــقــةِ لــن تُــرجِــعَ أيَّ ضــحــيــةٍ إلــى الــحــيــاة، ولــن تَــشــفــي جِــراحَ الــمُــصــابــيــن، ولــن تُــهَــدِّئَ الــنــفــوسَ الــمــكــســورةَ، ولــن تَــبــنــي الــبــيــوتَ الــمُــدَمَّــرة، إلاّ أنّــهــا بــالــتــأكــيــدِ ســوف تُــطَــمْــئِــنُ قــلــوبَ أهــالــي الــضــحــايــا والــمُــصــابــيــن لأنَّ الــمـجــرمَ قد كُــشــف، والـعــدالةَ تــحــقّــقــتْ، وســوفَ يــكــونُ الــعِــقــابُ رادعــاً لــكـلِّ مَــنْ تُــسَــوِّلُ لــه نَــفْــسُــه الــقــيــامَ بــعــمـلٍ مُــدَمِّــرٍ فــي الــمــســتــقــبــل.
فــي هــذه الــذكــرى الــثــانــيــة لــلإغــتــيــالِ الــوحــشــيّ لـمــديــنــةِ بــيــروت، مــع مــا رافَــقــه مِــنْ ضــحــايــا وأضــرارٍ وآلام، نــرفــعُ الــصــلاةَ إلــى الــربِّ الــغــالــبِ الــمــوت لــكــي يَــرفــعَ الــضــيــقَ عــن هــذا الــبــلــدِ الــجــريــح، ويــنــيــرَ عــقــولَ الــمــســؤولــيــن لــكــي يـَـخــرُجــوا مــن أنــانــيــاتِــهــم، ويَــتــجــاوزوا كــبــريــاءَهــم، ويــتــخــطّــوا مــصــالــحَــهــم، ويُــفْــرِجــوا عــن الــتــحــقــيــقِ عِــوَضَ تــعــطــيــلِــه، لــكــي تَــظــهــرَ الــحــقــيــقــةُ، ويُــعــاقَــبَ الــفــاعــلُ. كــمــا نــســألُــه أن يُــنــعِــمَ بــالــصــبــرِ والــقــوّةِ والإيــمــانِ الــثــابــتِ عــلــى كــلِّ مــواطــنٍ يـُـحــبُّ هــذا الــبــلــدَ الــحــبــيــب.
كــذلــك، لا نَــكِــلُّ مــن الــصــلاةِ لأجــلِ مَــنْ لا يــزالــون يُــعــانــون فــي أجــســادِهــم وأرواحِــهــم مِــنْ هــذا الإنــفــجــارِ الــمــشــؤوم، وقــد سَــمِــعْــنــا مُــؤَخَـراً عــن إنــتــقــالِ بــعــضِــهــم إلــى الأخــدارِ الــســمــاويــةِ بــعــد ســنــتَــيْــنِ مِــنَ الــعــذابِ بــســبــبِ إصـــابــاتِــهــم الــبـلــيــغــة. كــمــا نــصــلّــي مــن أجــلِ كُــلِّ مَــنْ لا يــزالــون خــارجَ مــنــازلِــهــم الــمُــدمَّــرَة، يُــفــتِّــشـون عــن ســقــفٍ وحــيــاةٍ كــريــمــة.
أمّــا أحــبّــاؤُنــا الــذيــن ســقــطــوا فـي هــذا الـصـرح، وجــمــيــعُ ضــحـايــا هــذا الـتــفــجــيــرِ الآثِــــم، فــصــلاتُــنــا مُــتـواصِـلـةٌ مِــن أجــلِ أن يــكــونــوا فــي مَــقَــرِّ راحــةٍ، حــيــثُ لا وجــعَ ولا حــزنَ ولا تــنــهُّــدَ بــل حــيــاةٌ لا تَــفــنــى.
ومِــن أجــلِ تــخــلــيــدِ ذكـــرى مــمـــرّضـــاتِـــنــا والــضــحــايـــا الــذيـــن ســقــطــوا مــعـــهُـــنَّ فــي هــذه الــمــؤســـســة، شــئْــنــا أن تُـــحـــفَـــرَ أســمــاؤهـم عـلـى هــذا الـجــدارِ الــمُــقــابِــلِ لــلــبــابِ الــرئــيــســيّ لــلــمــســتــشــفى لــكــي يــراها كــلُّ داخِــلٍ إلــى هــذا الــصــرح، ويــطــلــبَ لــهــم الـرحــمـة، فــيــما دولــتُــنــا، وعِــوضَ الــمــحــافــظــةِ عــلــى الأهراءاتِ كــشــاهِــدٍ عــلــى جــريــمــةِ الــعــصــر، قــد تــكــونُ مــزمِــعَــةً عــلــى هَــدْمِــهــا لــمــحــِو ذكــرى الــمــآســي الــتي عــاشــتْــهــا بــيــروتُ وأهــلِــهــا، أو لِــمَــحْــوِ الأدِلَّة وتَــجْــهــيــلِ الــجُــنــاة.
حــفِــظَــكــم اللهُ وحَــفِــظَ بــيــروتَ ولــبــنــانَ مِــن كــلِّ شــرٍّ وأســكــنَ ضــحــايــانــا فــي فــردوسِــه السماوي. آمــيــن.»

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار