"الضمان الاجتماعي" كسرته الدولة ولم ينهزم: الأمل بمعاش تقاعدي | أخبار اليوم

"الضمان الاجتماعي" كسرته الدولة ولم ينهزم: الأمل بمعاش تقاعدي

| الخميس 01 سبتمبر 2022

يعاني الصندوق من تبعات تدهور قيمة الليرة وعدم دفع الدولة متوجباتها

خضر حسان - المدن
تنقسم مقاربة واقع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وعلاقته بالمضمونين المستفيدين من خدماته من جهة، وعلاقته بالمستشفيات الحكومية والخاصة المتعاقدة معه من جهة أخرى، بين ضفّتيّ خدمات فرع المرض والأمومة وخدمات فرع تعويضات نهاية الخدمة. والخدمات في الفرعين، يحكمها انهيار سعر صرف الليرة. ما يجعل النظرة إلى واقع تقديمات الضمان، سلبية. والنظرة إلى مستقبل تلك التقديمات، قاتمة. مع أن الصندوق مستمر في تلبية التزاماته تجاه المضمونين والمستشفيات والأطباء. على أن هذا الواقع، لا يلغي محاولات الصندوق للاستجابة للتحديات المطروحة أمامه، الأمر الذي يولّد لدى المضمونين آمالاً بانفراج قريب.

فاتورة بلا قيمة
شكّلت الفواتير التي يقدّمها المرضى المشمولين بتغطية الصندوق، دعماً كبيراً لهم في مواجهة الغلاء المعيشي المستشري منذ ما قبل تسارع الانهيار في العام 2019. فالحد الأدنى للأجور ومتوسّط الأجور، في أحسن الأحوال، لم تكن قادرة على تغطية الحاجات الاستشفائية والدوائية للمرضى، فكانت التغطية التي يقدّمها الصندوق، عوناً واضحاً. وساهَمَ الفساد الممتدّ بين المستشفيات وبعض أروقة الصندوق، في تكبير حجم الفواتير المقدّمة من المرضى والمستشفيات على حدّ سواء. ومع ذلك، لبّى الصندوق ما يتوجّب عليه.
إلاّ أنه وبانهيار قيمة الليرة، تبخّرت قيمة ما يرتجعه المرضى والمستشفيات من الصندوق، ففقدت الفواتير جاذبيّتها، وبات المرضى يبلّغون الأطباء بعد المعاينة، عدم ضرورة تسجيل المعاينة على نفقة الصندوق، لأن تقديم الفواتير يعني دفع كلفة بنزين للذهاب إلى مراكز الصندوق، وانتظار موعد غير معروف للحصول على المبالغ المرتجعة، التي فقدت قيمتها في السوق. علماً أن بعض الفواتير لا يٌبَتّ فيها قبل عام من موعد تقديمها.

بين المستشفيات الحكومية والخاصة
تتفاوت العلاقة مع الصندوق بين المستشفيات الحكومية والخاصة. فالأولى لا تجد مفرّاً من استقبال مرضى الصندوق بغضّ النظر عن القيمة الفعلية التي سيُغطّى بها كل مريض. فيما "المستشفيات الخاصة لم تعد ترحّب بمرضى الضمان الاجتماعي، على عكس ما كانت تفعله سابقاً"، على حد تعبير مصادر طبيّة أشارت في حديث لـ"المدن"، إلى أن "اضطرار بعض المستشفيات الخاصة لقبول بعض المرضى على نفقة الضمان، يستتبعه إجراءات قاسية تصل إلى حدّ احتجاز المرضى ما لم يدفعوا فروقات العلاج بالدولار النقدي، وهو إجراء يستحيل وجوده في المستشفيات الحكومية".

تضيف المصادر أن "بعض موظفي المستشفيات الحكومية هم أيضاً ضحايا وصول الصندوق إلى هذا القعر تحت نظر الدولة ومساهمتها بشكل كبير، إذ لا تدفع مستوجباتها التي كانت لتشكّل رافعة كبيرة للصندوق ولمضمونيه فيما لو سدّدتها قبل الأزمة الراهنة". وتقول المصادر أن "بعض الموظفين قبضوا منذ بضعة أيام، مرتجعات فواتير مقدّمة من العام 2017، وقيمتها لا تتجاوز الـ400 ألف ليرة، والتي كانت قيمتها تساوي نحو 266 دولاراً، وباتت اليوم تساوي 13 دولاراً في أحسن الأحوال. وبهذه الحالة، يمكن القول بأن الدولة ساهمت في كسر الصندوق لأن لديها أكبر عدد من الموظفين المضمونين ولا تدفع عنهم متوجباتها للصندوق".

بالتوازي، يفقد المضمونون اهتمامهم بتغطية الصندوق لأن "كلفة فروقات الضمان التي سيدفعها المريض مقابل بعض الاجراءات الاستشفائية والعمليات الجراحية، أعلى بكثير مما سيغطيه الضمان بعد فترة زمنية غير محدّدة، بفعل واقع إضرابات الموظفين وانقطاع الكهرباء والكثير من المعوّقات، ما يدفع المرضى لتغطية كامل كلفة الاستشفاء من جيبهم الخاص أو ممّا يمكنهم تأمينه من مساعدات".
في المقلب الآخر، قال نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، أن "مرضى الصندوق يدفعون فروقات تغطية الصندوق ليتمكّنوا من دخول المستشفيات". أما بالنسبة لمستحقات المستشفيات على الضمان، فلفت هارون النظر خلال حديث لـ"المدن"، إلى أن المستشفيات "على تواصل دائم مع المدير العام للصندوق محمد كركي، لضمان استمرار دفع المستحقات، مع أننا ندرك أن إمكانيات الصندوق محدودة والدولة لا تدفع له مستحقاته التي كانت تساوي نحو 3 مليار دولار".
أيضاً، أكّد هارون أن "بعض المرضى لا يطلبون موافقات مسبقى من الصندوق لأي عمليات استشفائية، إذ يعتبرون أن قيمة المساهمة ضئيلة جداً. ومع ذلك هناك بعض المرضى يواصلون اعتمادهم على الصندوق بعيداً من حجم المساهمة. وبذلك يمكن القول بأنه لا غنى عن الصندوق رغم كل ما يحصل".
المستشفيات كذلك تنتظر مستحقاتها من الصندوق. لكن "حجم التحويلات تراجع، وقيمة المستحقات كانت تمثّل شهرياً نحو 50 مليار ليرة، أي نحو 33 مليون دولار، وباتت اليوم نحو 40 مليار ليرة، أي فقط حوالى مليون و230 ألف دولار".

آمال بمعاش شهري
النفور من الفاتورة وانعدام قيمة التغطية، لا يعني بالضرورة فكّ الرابط بين المضمونين والصندوق، أو بينه وبين المستشفيات. فالأخيرة تريد مستحقاتها حتى وإن اختلفت قيمتها، على أمل التوصّل إلى صيغة أفضل لها.

أما المضمونين، فينتظرون تعافي مؤسستهم الضامنة، وينظرون إليها بوصفها درعاً واقياً، خصوصاً وأن الصندوق يحاول ما بوسعه تحسين شروط التغطية الصحية، ومنها زيادة التعرفة. وحسب مصادر إدارية في الصندوق، فإن "مجلس إدارة الصندوق اتخذ قرار زيادة تعرفة تغطية فاتورة الاستشفاء بمعدّل يتراوح بين 2.5 و3 مرات، على أن يصبح نافذاً في 15 أيلول المقبل. والمجلس يدرس إمكانية زيادة التغطية على فاتورة الدواء".

وأشارت المصادر في حديث لـ"المدن"، إلى "عدم وجود إحصاءات حول نسبة تراجع تقديم الفواتير، بسبب الإضرابات وانقطاع الكهرباء وعدم انتظام العمل في فروع الصندوق. لكن الكثير من المضمونين يحافظون على انتظام علاقتهم بالصندوق ويحفضون حقّهم بتقديم الفواتير".
والنقطة الأبرز في هذا الملف، هي بحث إمكانية تقديم معاشات شهرية للمتقاعدين بعد 20 سنة من الخدمة، عوضاً عن مبلغ تعويض نهاية الخدمة الذي يُدفَع مرّة واحدة. على أن لا يقل المعاش الشهري عن الحد الأدنى للأجور، فيتحوّل بذلك إلى دعامة طويلة الأمد للمتقاعد. لكن لا توقيت واضح حول بدء تنفيذ هذا الإجراء".
الصورة الحالية ليست مبهرة حيال ما يتعلّق بالصندوق. لكنها ليست قاتمة كلياً، على الأقل بعيون إدارة الضمان. أما المضمونين، فلا بديل أمامهم سوى قبول الواقع وانتظار الآمال بتحسين قيمة ما يدفعه الصندوق، كي تعود المستشفيات للترحيب بمرضى الضمان الاجتماعي.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار