طفلٌ... أصعب ما يُمكنك أن تكونه في بلد مثل لبنان... | أخبار اليوم

طفلٌ... أصعب ما يُمكنك أن تكونه في بلد مثل لبنان...

انطون الفتى | الأربعاء 07 سبتمبر 2022

قد لا يجدون من يدفنهم إلا إذا تحلّلت جثثهم وأصبحت روائحها كريهة جدّاً

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

في ليلة ميلاد السيّدة العذراء، التي حملتها القدّيسة حنّة طفلة، قبل أن تحمل هي بدورها الطّفل الإلهي على يدَيْها، نتذكّر بعض أطفال وأولاد لبنان، الذين لم "تدنّس" الأزمة اللبنانية نفوسهم وأرواحهم، لا بـ "الممنوعات"، ولا بالانحرافات، وذلك بعيداً من التقارير، والأرقام، والإحصاءات، التي تصدر عن بعض الهيئات والمنظّمات الدولية، التي رغم أهميّتها، إلا أنها تبقى عاجزة عن نقل الواقع بصورته الكارثيّة الحقيقيّة. فالفقر، والعَوَز، والحاجة... لا تُقاس بأرقام، ولا تُعالَج بالخطط وحدها، بل انها تحتاج الى "نَفَس حياة"، قبل أي شيء آخر.

 

الضّيق

نتذكر بعض أطفال وأولاد لبنان، الذين يعيشون بالقليل جدّاً، وبالأقلّ منه حالياً، والذين ستنخفض نسبة طعامهم، وشرابهم، وطبابتهم، وتعليمهم... أكثر فأكثر، في القادم من المراحل، التي ستشهد مزيداً من أزمنة الضّيق وظروفه.

فهؤلاء يعيشون بـ "القلّة الطعاميّة"، لأن "بغددة البطن" توازي فقدان قدرة الأهل على تأمين قسط المدرسة، التي مهما كان مستواها، إلا أنها تبقى أفضل من "لا شيء".

أما "تحليتهم"، فقد تكون حلماً، أو ترفاً غير يومي، وعلى قدر ما يتيسّر، وممّا قد "يقرف" أولاد وأطفال العائلات الميسورة من النّظر إليه، على رفوف "الدكاكين" و"السوبرماركات"، أو انه قد لا يشدّ انتباههم أصلاً.

 

"صيانة صحيّة"

هؤلاء الأولاد والأطفال، يعيشون عملياً من دون طبابة إذا مرضوا. فهم إما يُشفَون "عا الطبيعة"، أو "يُصبّج" أهلهم ما يتيسّر توفيره لهم من مسكّنات أو أدوية، قد لا تُناسب حالتهم الصحية أحياناً كثيرة، من هنا أو هناك، وعلى قدر الإمكان. وبالتالي، هم يفتقرون الى "الصيانة الصحيّة"، منذ الصِّغَر، ما قد يجعل أجسادهم عندما يصبحوا في "عشرينيّاتهم"، كما لو كانت لمن هم في الأربعين، أو الخمسين من العُمر، أي بنسبة الترهُّل المُوازِيَة لأجساد تلك الفئات، وقبل الأوان بكثير.

هؤلاء، رياضتهم ليست أكثر من "غمّيضة" و"لقّيطة" قرب المنزل، أو اللّعب بالـ "الطابة" المتوفّرة لديهم منذ "أيام الـ 1500 ليرة"، وذلك مع مجموعة من أترابهم الذين يتشاطرون وإيّاهم الظّروف المعيشية والحياتية نفسها.

 

"مونديال"

هؤلاء، قد يحبّون مشاهدة مباريات كرة السلّة، أو كرة القدم، و"المونديال" ربما، ولكنّهم ما عادوا يمتلكون "ترف الكهرباء" لمتابعة كل تلك الأنشطة، التي تحوّلت الى جزء من التاريخ بالنّسبة إليهم. ولا هم يمتلكون من يحقّق لهم حلم السّفر لمشاهدة مباريات "مونديال 2022"، وللتنعُّم ببعض أنواع "الاستضافة" في أفخم الأماكن، لأنهم ببساطة "لا أحد"، و"لا شيء"، بمفهوم أهل هذا الدّهر، الذين لا يفهمون من "أعمال الخير"، إلا ما يمكن الحصول من خلاله على سمعة سياسية، أو على نفوذ إقليمي ودولي، أو على مردود انتخابي، مع تصوير كثير، و"بكاء تمثيلي"، يُستثمَر في الشأن العام، كمقابل لها (أعمال الخير).

لهؤلاء هواياتهم، وما يحبّونه، وما لا يفضّلونه. ولكن لا قدرات مادية لدى أهلهم، تساعدهم على اكتشاف مواهبهم، وشخصيّتهم، و"حقائقهم المدفونة"، سواء بالفكر، والموسيقى، والمسرح، ومختلف أنواع الفنون، والرياضة...

 

"أوبئة"

أظافر بعض هؤلاء الأطفال والأولاد قد تكون "سوداء" أحياناً، نظراً الى الضّغط الكبير الذي يعيشه أهلهم لتأمين الحاجات اليوميّة، بشكل يشتّت انتباههم (الأهل) اليومي عن تفقُّد أظافر أولادهم، وعن تقليمها بالسرعة اللازمة.

ومن هذا المُنطلق، قد يُعامَلون وكأنهم "أوبئة" متنقّلة، أو "قذارة" يتوجّب الهرب منها، ومن دون أدنى شفقة، أو احترام مُوافِق لحقوقهم كبشر، مع إطلاق الكثير من الأحكام عليهم، وذلك بالاستناد الى بعض المظاهر الخارجية.

 

وجبة الطعام

أقصى حلم لدى بعضهم، هو مُلاقاة "البابا" في طريق العودة الى المنزل، وهو مُتعَب جدّاً، ويحمل كيساً من بعض حبّات الخضار، وربطة خبز، وعبوة من المياه. فضلاً عن "التخفّي" على "الماما" خلف الكرسي، لدى دخولها المنزل عائدةً من عملها، لإيهامها بأن المكان فارغ، وذلك قبل الكشف عن الذّات بالكثير من الضّحك.

وعندما يجتمع الجميع، تبدأ "رحلة" تحضير الطعام، الذي قد لا يتجاوز أحياناً كثيرة السلطة، التي "جُمِّعَت" أوراق "حشائشها" تجميعاً، من دكان "خضرجي الحيّ"، مع بعض الأرزّ، أو البرغل "النّاشف"... كوجبة أساسيّة.

 

استزلام

نعم، هذا ما نتلمّسه في بعض مناطق بلادنا، بمعزل عن الإحصاءات، والأرقام، والتقارير "المشكورة"، التي تتحدّث عن الفقر في بلادنا، بكثير من القفّازات السياسية، والاقتصادية.

وهذا ما نتلمّسه في بعض مناطق وأزقّة بلادنا، بعيداً من بعض المنافقين، الذين لا همّ لديهم سوى "الأبراج العاجيّة"، من تاريخ، وجغرافيا، وهوية، وكيان، وعائلات، و"بيوتات"، وأنساب... "ميتة"، وخالية من أي "نَفَس حياة"، فيما هم لا يعرفون من الفقر والفقراء، إلا أولئك الذين "استزلموهم"، وسخّروهم لخدمتهم، والذين حوّلوهم الى آلات سياسية، أو حزبية، أو إيديولوجية، أو حتى "مُنحرِفَة" وخارِجَة عن القانون،... في أيديهم، "يرمون" لهم بعض "الخيرات" من حين لآخر، كثمن مقابل الاستزلام، وفقدان الكرامة الذاتيّة، والرأي الحرّ.

 

أضعف الضّعفاء

هؤلاء الأطفال والأولاد، هم الحقيقة الوحيدة، وليسوا وهماً. هؤلاء هم "الحقيقة" في هذا البلد، وفي كل مكان. ومن يرغب باستعادة لبنان، والدولة فيه، والهويّة، والكيان... ما عليه إلا الالتفات لأضعف ضعفاء، ولأفقر فقراء البلد، الذين "لا ظهر" لهم، والذين لا أحد يسأل عنهم، ولا أحد يلاحظ حضورهم أو غيابهم، ولا حتى موتهم ربما، والذين قد لا يجدون من يدفنهم، إلا إذا تحلّلت جثثهم، وأصبحت روائحها كريهة، وكريهة جدّاً.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار