الملكة... من السيادة على البحار الى ظُلمَة القبور فهل خسرت العالم كلّه لتربح نفسها؟؟؟ | أخبار اليوم

الملكة... من السيادة على البحار الى ظُلمَة القبور فهل خسرت العالم كلّه لتربح نفسها؟؟؟

انطون الفتى | الجمعة 09 سبتمبر 2022

 

"جلالتها" لم تَعُد ملكة بل جارية ربما

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

على أبواب الخريف البارد مناخياً، و"القارس البرودة" بالقلق على مصير "الطاقة" في بريطانيا وأوروبا، سقطت الورقة الأخيرة من كتاب الملكة إليزابيث الثانية، وقبل أربعة أعوام من "مئويّتها الأولى".

 

علامات استفهام

وبمعزل عن تولّيها أحد أكثر العروش تحفُّظاً، في واحدة من أدقّ مراحل التاريخ، وهي تلك التي شهدت تقلّبات الانتقال ممّا تبقّى من "العالم القديم"، بإيديولوجياته، وفنونه، وآدابه، وموضته، وسياساته، واقتصاداته، وعسكره... وبين عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، بـ "باقاته" الجديدة على كلّ الصّعد. وبموازاة جوانب مُشرِقَة كثيرة لها، إلا أنه من المستحيل إهمال علامات استفهام كثيرة أيضاً، حول أمور عدّة حصلت خلال ولايتها، والتي من بين أبرزها وفاة أو ربما "مقتل" الأميرة ديانا، الذي يبقى جرحاً نازفاً، يعمّقه تسليمها (الملكة الراحلة) بازدواجيّة ابنها (الملك تشارلز الثالث حالياً)، بين زوجته (ديانا) وعشيقته (كاميلا). فمن "عشيقة سابقة" تسبّبت بتخريب زواج "عشيقها" (الأمير تشارلز آنذاك)، الى "زوجة" له، وبموافقة من الملكة الراحلة، هو مشهد يفتقر الى العدالة بالكامل. ونشير الى ذلك، من دون أن نحكم على نفس أحد.

 

موت الرؤساء

فرغم ذلك، لا يحقّ لأي نفس أن تحكم على أخرى. فالرب وحده يُدرك ما في الكوامن. وحتى إن المجرمين، والزُّناة، والسارقين...، يحوون حضوراً إلهياً معيّناً في عمق أعماقهم، من حيث رحمة الله لهم، التي توقف عملها فيهم، عندما تُخلي مكانها للعدل الإلهي. ومدخل هذا العدل، هو الموت.

أجمل (بالمعنى المجازي) ما في موت الرؤساء، والملوك، هو أنه يتسنّى لكلّ نفس حيّة على الأرض، أن تشاهد جثثهم علناً، التي هي مرآة لجثث نفوسنا.

فعلى عكس أفكار البشر، الأموات ليسوا مُخيفين، ولا جثثهم. ولا شيء مُخيفاً في الوجود، إلا الكائن البشري الحيّ، الذي منه، ومن إرادته الفاسدة، قد يخرج كل روح مُعادٍ لله.

 

"مختبر"

أجمل (بالمعنى المجازي) ما في موت الرؤساء، والملوك، هو القدرة على رؤية جثّة، من قِبَل ملايين البشر في وقت واحد، وبشكل مباشر، بما يضع الذات الإنسانية أمام ذاتها، وكأنها هي الميتة.

فهناك، "مختبر" الأفكار، وفحص الضّمير، وفرصة للعودة الى الذّات. وهناك قياس ما عملناه أو حقّقناه، وكيف، وبأي ثمن، وإذا ما كان صالحاً أو لا.

توفّيت الملكة إليزابيث الثانية، وأغمضت "الغمضة الأخيرة"، بعدما تولّت عرش الأمبراطورية التي لم تَغِب الشمس عن أراضيها في الماضي، والجزيرة التي كانت ملكة الأساطيل البحرية، والتي نشرت سيادتها على بحار ومحيطات العالم. وقبلها بقليل، توفّي آخر رئيس للاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، الذي كان رئيساً لأكبر "كتلة" جغرافية في الأرض. وبوفاتهما، وبعيونهم المُغمَضَة، الكثير من الحقيقة.

 

جارية

فهناك، جلالة الملكة، ما عادت ملكة، و"الرئيس" ما عاد رئيساً، بل دخلا في ترتيب جديد، قد لا تكون (الملكة الراحلة) هي الأولى فيه، ولا حتى الملكة، بل ربما الأخيرة، أو حتى جارية. والرئيس السوفياتي الراحل، مثلها أيضاً.

بروتوكول جديد، باتت الملكة مُلزَمَة بتعلُّمه، وبالتعوُّد عليه، وهو مختلف تماماً عن البروتوكول الإنكليزي الذي تربّت عليه.

هناك، لا أبواب تُفتَح لها، ولا أخرى تُغلَق خلفها، ولا يوجد من يخدمها. كما أن هناك، ليس لديها من يصمت أمام غضبها، بل هي التي تصمت، وتتعلّم السّكوت.

هناك، لا يوجد من يحني رأسه لها، احتراماً أو خوفاً، بل هي التي ستتعوّد على الانحناء، والرّكوع، وخفض الرأس...

 

الحقيقة

نقول الرّكوع، لأن هناك الحقيقة، ونتمنى أن تكون الملكة الراحلة، والرئيس الراحل (ميخائيل غورباتشوف) دخلا الحقيقة العُلوية، حيث سيتعلّمان من ميخائيل الملاك أنه خادم للمسيح، وحارس تاجه، وحامل سراجه. ومن يحمل السّراج، هو حامل النّور، وليس هو النّور. فالسلطة خدمة، والخادم هو الرئيس، وهو دائماً الأخير.

هناك الحقيقة، حيث لا أولاد، لا أحفاد، لا أزواج، لا زوجات، لا أصدقاء، لا أحبّاء، لا أعداء، لا مقتنيات، لا أموال... هناك النّفْس وحدها، مُلزَمَة بتسديد ديونها، ولا يوجد من يُمكنه أن يساعدها على ذلك.

هناك، "جلالتها" لن تُطالب بإيضاحات، ولا بأجوبة، بل سيُطلَب منها أن تُجيب. هناك ليست هي من يُحاكِم، ولا من يحكُم، بل من يستمع الى الحكم. وغورباتشوف مثلها تماماً.

 

صمت

هناك، لا ملكة تمارس سيادتها على البحار (رغم أن حكمها كان شرفياً أكثر ممّا هو فعلي)، أو تبسط سيطرتها على الأرض، ولا يوجد من يتقاتل على موارد وثروات في البحر، أو في البرّ. وهناك لا يوجد من يتسابق الى الفضاء.

هناك، الملكة تصمت، و"الرئيس" مثلها، صمت مكوثهما في قبرَيْهما. هناك، تعلّما الحقيقة، ولا يمكن لأحد أن يطالبهما بفتح أعينهما، لأنهما ما عادا قادرَيْن على فعل ذلك، رغم امتلاكهما الكثير من النّفوذ، خلال حياتهما، في البحر، وعلى الأرض، وصولاً الى ما بعد الجوّ.

 

"تسعينيّة"

لا نحكم على أحد، ولا يحقّ لنا بذلك، مهما كانت أعماله، وأفكاره، وحقيقته. ولكن أعمال كل إنسان، وأفكاره، وكوامنه، تتبعه، وهي وحدها التي تبقى معه، في "الوقت الرّهيب"، حيث أنوار العدالة الدائمة.

وإذ نطلب لجميع من في الأرض أن يرقدوا في سلام الرب، نتمنّى أن تكون "تسعينيّة" إليزابيث أوصلتها الى المهمّ، والأهمّ، والأشدّ أهميّة، وهو أن تخسر العالم كلّه، لتربح نفسها.

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار

الأكثر قراءة