الخَوَنَة حول الموائد الفصحيّة باتوا 12 من 13
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
نفسي حزينة حتى الموت... اسهروا وصلّوا لئلا تقعوا في التجربة... "أنا عطشان"... هذه من بين ما سمعنا يسوع يقوله، قُبَيْل موته على الصّليب. وهي من بين أبرز ما لا يزال يقوله حتى اليوم، من على عرشه في السماوات، في انتظار رفع جسده السري، أي كنيسته، على الصّليب، عندما تقترب ساعة انقضاء الدّهر.
البشارة
ليس سرّاً إذا أشرنا الى أننا نفتقر اليوم، الى الزمن الذي كان فيه الحكام، والرؤساء، والملوك، وأكبر القادة... يدخلون الكنائس برؤوس منخفضة، وبورع شديد، ويعترفون بخطاياهم، ويتوبون عنها.
كما ليس سرّاً إذا قُلنا إن أكثرية مُخيفَة من السلوكيات، والأفكار، والأرواح... التي يراها العالم بأسره، ومختلف أنواع الأمم، داخل المجتمعات المسيحية، المكرَّسَة والعلمانية على حدّ سواء، اليوم، لا تُشبه السيّد المسيح، ولا تمتّ إليه بِصِلَة، ولا تمثّله، ولا تعبّر عن حقيقة الكتاب المقدّس.
أُمنية العذراء
فعلى سبيل المثال، باتت السيّدة العذراء تتمنّى من كل قلبها، أن تدخل الى دير نسائي، وأن تجد من تطلب منها أن تمكث معها، وأن ترافقها بيدَيْها في الأعمال اليوميّة، من كَنْس للأرض، ومَسْحها، وفي مختلف أعمال الغسيل، والتنظيف، و"لمّ الزّيتون"، وقطاف ثمار الأشجار... وتحضير الطعام، والجلوس معها على طاولة مائدة "ديرية" بسيطة، فقيرة، ومرافقتها في الصّلوات المُتّقِدَة، والباحثة عن الخلاص.
ولكن كيف تتحقّق أُمنية العذراء مريم، بعدما صارت نسبة مهمّة من "العذارى المتبتّلات" أشبه بملكات يجلسن على عروشهنّ، ولا يقُمن بأي عمل بأيديهنّ، حيث "الخَدَم والحَشَم"، وفيما تحوّل معظمهنّ الى مديرات مدارس، أو مستشفيات، أو مؤسّسات تُعنى بالعَجَزَة، والأيتام... أو حتى أشبه بـ "تاجرات" في الكثير من الأحيان، يتشاجرن مع الناس بسبب المال، واهتمامات "أهل هذا الدّهر"، بدلاً من التركيز على خلاصهنّ، وخلاص كل من يتعاملن معه، وعلى البشارة التي كانت هي الغاية الأساسية من انخراطهنّ في المؤسّسات والأعمال الاجتماعية، والصحية، والتربوية... (نؤكد أننا لا نعمّم، بل نحذّر من "شواذات" باتت مُتزايِدَة بالفعل، بما ليس أميناً لروح الله، وهذا خطر كبير على الكنيسة).
النّفوس
كما بات السيّد المسيح يتمنّى دخول دير أو إكليريكية، وأن يجد من يسهر من المُكرَّسين معه، ولو لساعة واحدة، مُصلِّياً من أجل نفسه، والبشرية كلّها، والعالم. (لا نعمّم هنا أيضاً، بل نحذّر من "شواذات"، لدى نسبة باتت مرتفعة، وهي تشكّل خطراً على جسد المسيح السرّي).
"اشتهيت شهوة شديدة أن آكُل هذا الفصح معكم قبل أن أتألّم"، قالها يسوع لتلاميذه الأحبّاء خلال "العشاء الفصحي"، قُبَيْل موته على الصّليب. وهي الشّهوة نفسها التي يشتهيها اليوم، على مستوى أن يدخل نفوساً متبتّلة في الأديار والإكليريكيات، تُشعِل عتمة ليالي ضيق هذا العالم بالصّلوات الغزيرة، وتتعرّق بدماء المعذّبين بالحاجات الكثيرة، وتُشاركه في النّزاع الأخير، وتروي عطشه الى النّفوس، وخلاصها.
ولكن كيف تتحقّق أمنية السيّد المسيح، بعدما باتت "الهجعات" مُخصَّصَة للبحث عن سُبُل توفير "الفريش دولار"، وعن كيفيّة زيادة الحسابات المصرفيّة لمؤسّسات، كان الهدف الرئيسي من تأسيسها هو البشارة، وإعلان خلاص المسيح للبشر، والنّجاح في إبعاد النّفوس عن أدناس هذا العالم، بدم المسيح المقدّس.
من أصل 13
طبعاً، نكرّر أننا لا نعمّم، ولا نقول إن الأديار والإكليريكيات خالية من السّاعين نحو القداسة، أو من المتبتّلين، والمتبتّلات. ولكنّنا نذكّر بأن الجالسين على مائدة العشاء الفصحي كانوا 13 شخصاً، فيما الخائن بينهم لم يتجاوز الواحد، فقط (يهوذا). وأما أن يُصبح الخَوَنَة 12، أو 11، أو 10 على الأقلّ، من أصل 13 شخصاً، حول الموائد الفصحية اليوم، فهذا يعني أن الوضع بات خطيراً، وخطيراً جدّاً.
ونقصد بكلامنا هنا، مجموع ما يُشكّل الكنيسة، من مُكرَّسين وعلمانيّين على حدّ سواء. فالعلمانيّون المسيحيّون يتحمّلون أيضاً مسؤولية الانحدار الذي وصلت إليه الأحوال.
فرعيّة "فلتانة"، أي لا كاهن قدّيساً يدبّر أمورها، هي رعيّة غير مُصلِّيَة، تجني ثمار قلّة أو عَدَم صلاتها. وما أكثر هذا النّوع من الرعايا اليوم، حول العالم. رعايا لا تسهر مع معلّمها الإلهي، ولو لساعة واحدة، حتى لا تقع في التجربة. رعايا ما عادت ترى التجربة تجربة أصلاً، وهي فقدت روح التمييز، بشكل مُخيف.
نور المسيح
يحتفل المسيحيّون اللّيلة، بعيد ارتفاع الصّليب المقدّس. ولكن بحسب ما سبق وحذّرنا السيّد المسيح منه، على صعيد أنه قد لا يجد إيماناً على الأرض عند عودته، نسأل نحن، ماذا يُمكن للمسيحيّين بفرعَيْهم العلماني والمُكرَّس، أن يعملوا اليوم، إذا مُنِعَ ذكر صليب المسيح المقدّس في الأرض، وحتى لو كانوا يعرفون من هو المسؤول عن ذلك؟
فهل سيجد السيّد المسيح أكثر من أولئك الذين سيدوّرون زوايا المصلحة، والمنفعة، بحثاً عن الكنوز التي يكنزوها لذواتهم في الأرض، والتي ستُدفَن قلوبهم فيها؟
زمن قداسة الملوك، والرؤساء، والحكام، والرعايا... انتهى، بنسبة كبيرة (لا نعمّم أيضاً، ولا نحكم بالمُطلَق). وزمن القداسة العامة، اضمحلّ على الأرض عموماً. فكم هو عدد الذين سيحملون نور المسيح المقدّس بنفوس وأرواح نقيّة، لا بأيدٍ ترتكب المعاصي، عندما يفيض في ساعة انقضاء الدّهر، والذي سيُشرِق عندما تُظلِم الشّمس، وتتساقط النّجوم من السماوات؟ وكم سيكون عدد الذين سيشعّون بنور المسيح المقدّس، عندما يفيض في تلك الساعة الرهيبة، من دون أن يحترقوا؟؟؟...