الموازنة: أرقام غير قابلة للتحقّق وعجز حتمي لا سقف له تموّله الحكومة من المركزي بإجراءات "تضخمية" | أخبار اليوم

الموازنة: أرقام غير قابلة للتحقّق وعجز حتمي لا سقف له تموّله الحكومة من المركزي بإجراءات "تضخمية"

| الأربعاء 14 سبتمبر 2022

مجلس النوّاب يناقش المشروع اليوم: غموض في الإيرادات وسعر الصرف المعتمد...

"النهار"- موريس متى

يبدأ اليوم الأربعاء المجلس النيابي درس مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2022 وقد خصّص الرئيس نبيه بري ثلاث جلسات لدرس ومناقشة وإقرار هذه الموازنة التي يعتبر صندوق النقد الدولي أنها شرط أساسي من الشروط "التشريعية" المطلوبة من لبنان للسير قدماً في توقيع اتفاق على برنامج تمويلي مع المؤسسة الدولية.

يناقش المجلس بنود الموازنة الـ120 كلاً على حدة بعد درسها في لجنة المال والموازنة على مدار عدة جلسات، فيما لا يختلف اثنان على أن أرقام هذه الموازنة بعيدة عن الواقع، أما إصرار البعض على إقرارها فهو لتسهيل مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

مشروع الموازنة الذي يناقشه مجلس النواب لم يأت مرفقا بأي خطّة إنقاذية أو خطّة إقتصادية أو إجراءات إصلاحية للمرحلة المقبلة بل أبعد من ذلك فهي تعتبر موازنة تجميع أرقام، وردت خارج المهلة الدستوريّة وتتألف من أربعة فصول ثلاثة منها مجرّد نصوص حُشرت فيها فيما عدم واقعيّة الايرادات المقدّرة في ضوء حالة الانكماش الاقتصادي تبقى أخطر ما فيها.

أدخلت لجنة المال والموازنة النيابية العديد من التعديلات على بنود مشروع موازنة 2022 بعدما استخدمت الحكومة هذه الموازنة لرمي أكثر من 100 مادة مخالفة من قبيل فرسان الموازنة وتخلت عن واجباتها في معالجة موضوع سعر الصرف بحسب رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان الذي أكد مراراً خلال اجتماعات اللجنة الحرص على حقوق القطاع العام ولكن ما تضمّنه مشروع الحكومة ينتهي بتحميلهم واللبنانيين فاتورة حقوقهم من خلال الضرائب والرسوم على سعر صيرفة، وهو ما سعت اللجنة لمعالجته بالتوازن مع الإيرادات. أدخلت اللجنة النيابية العديد من التعديلات على مشروع الموازنة المحال من الحكومة، وقد طالت عدة أجزاء من هذه الموازنة وعلّقت بعض مواد الموازنة ومنها المادة 14 لغياب الاتفاق السياسي عليها. وبالارقام، بلغت اعتمادات الموازنة 37,858,866,143,000 ليرة لبنانية مُقابل إيرادات بنفس القيمة مُموّلة بمداخيل عادية بقيمة 24,312,142,000,000 ليرة لبنانية ومداخيل "استثنائية" بقيمة 13,546,734,143,000 ليرة لبنانية. لكن السؤال الجوهري يبقى: ما سعر الصرف الذي وُضعت على أساسه هذه الموازنة؟ وهل هو سعر مُوحّد؟ حتى اللحظة لا معلومات واضحة عن سعر الصرف المعتمد في مشروع موازنة عام 2022. وفي قراءة تفصيلية في أرقام هذه الموازنة، فمن جهة بين اعتبار أن إقرارها أمر حيوي وأساسي سواء على صعيد انتظام المالية العامة أو من جهة ثانية وضع إقرارها في خانة "إرضاء" صندوق النقد الدولي بغضّ النظر عمّا تتضمنه هذه الموازنة، فما هو واضح يصب في الاحتمال الثاني حيث إن إقرار موازنة 2022 ما هو إلا لإرضاء الصندوق. فسعر الصرف المُعتمد في مشروع موازنة 2022 جاء بشكل غير واضح حيث إن سعر الصرف بالنسبة لتحصيل الإيرادات هو 20 ألف ليرة، أما سعر صرف الدولار الجمركي فهو 12 ألف ليرة. أما في ما يخصّ الإنفاق وخصوصاً الأجور والرواتب في القطاع العام، فقد وُضعت على أساس 1500 ليرة لبنانية إذا ما وضعنا جانباً المُساعدات الاجتماعية التي تقرّرت مراراً للعاملين في القطاع العام.
هذه العشوائية في اعتماد سعر صرف الليرة مُقابل الدولار الأميركي مردّها بحسب مصادر مالية إلى عدم إمكانية توحيد سعر الصرف الذي يفرض العديد من الإجراءات التي لا توافق سياسياً عليها حتى الساعة. من هنا، أتى تقرير لجنة المال والموازنة معدلاً بعض أرقام المشروع الذي أحالته الحكومة، والتي لا يُمكن أن تُطبّق في وضعها الحالي من دون تسجيل عجز مُفرط فيها. فلجنة المال والموازنة علّقت مثلاً المادة 32 التي تنصّ على تعديل الفقرة الأولى من المادة 63 من المرسوم الاشتراعي 144/59: قانون ضريبة الدخل، والمادة 57: تعديل معدلات رسوم الانتقال على الحصص والشطور، والمواد 61 و62 و63: ضريبة الأملاك المبنية، والمادة 64: إلغاء نص المادة 4 من المرسوم الاشتراعي 20/39، والمادة 76: رسم على كل مسافر عبر المطار، وغيرها ...

المُشكلة الظاهرة في هذه الموازنة هي مُشكلة الإيرادات التي يلفها الغموض سواء لناحية تعليق المواد أو لناحية قدرة الدولة على تحقيق هذه الإيرادات. فالتعليق يعني أن لا توافق سياسياً عليها، ما يعني أنه عرضة للسقوط في الهيئة العام في مجلس النواب من دون اعتبارات اقتصادية. أما قدرة الدولة على تحقيق الإيرادات، فهي تُطرح من باب التهريب خصوصاً مع رفع الدولار الجمركي الذي من المتوقّع دفترياً أن يرفع الإيرادات الجمركية 8 أضعاف، إلا أن الحساب لن يُطابق الواقع خصوصاً بعدما استورد العديد من التجّار كمّيات كبيرة من المواد والأثاث والمعدات لتخزينها حيث تشير الأرقام الرسمية الى ارتفاع فاتورة الاستيراد 10 مليارات دولار خلال أول 7 أشهر من العام الحالي، فيما التهريب إلى الداخل قائم على قدمٍ وساق. أما إضراب القطاع العام وشلل المؤسسات فيحرم بدوره خزينة الدولة إيرادات، وهذا ما سيحمل تداعيات على العجز في الموازنة. كل هذا يطرح العديد من التساؤلات حول الايرادات التي يمكن تحقيقها فعلياً في العام المالي 2022 وكيف ينعكس هذا الامر على العجز المحقق نهاية العام. الأمر ذاته يطال الإنفاق العام. فمع ارتفاع سعر دولار السوق السوداء واستطراداً سعر منصة صيرفة الذي يرتفع حكماً بالتوازي مع دولار السوق تجد الحكومة نفسها أمام سيناريوهين: الأول الالتزام بالاعتمادات وهو ما يعني شلّ القطاع العام ومعه الإضرابات، والثاني تسجيل عجز في الموازنة نتيجة تخطّي الاعتمادات نتيجةً لارتفاع الدولار مُقابل الليرة اللبنانية.

العجز في هذه الموازنة حتمي ولا سقف له، فمن سيموّله؟ الجواب طبعاً: مصرف لبنان! فالحكومة اللبنانية التي توقفت عن تسديد مستحقات دينها العام، لا يُمكنها أن تلجأ للأسواق للاقتراض، أما المؤسسات الدولية ومنها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما، فلا تُموّل إلا مشاريع مع شروط إصلاحية، ما يعني حتماً صعوبة إيجاد مصادر تمويلية للدولة باستثناء مصرف لبنان الذي سيكون على عاتقه تأمين الأموال لتغطية العجز. ولكن هل للبنك المركزي القدرة المالية الكافية لإقراض دولة "متعثرة" بالتوازي مع الاستمرار في تمويل الاقتصاد وتأمين الدولارات للسوق والمصارف؟ الجواب طبعاً: كلا، والسبب يعود إلى أن مصرف لبنان بحكم وقف دفع مستحقات الدين العام من قبل الحكومة، أصبح بنفسه عاجزاً عن الاقتراض فيما شلل القطاع المصرفي يحرم الدولة من إمكانية الاستدانة من القطاع المصرفي. وبغياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي، تتخوّف المصادر المالية من أن تُجبر الحكومة مصرف لبنان على إقراضها عملاً بالمادة 91 من قانون النقد والتسليف، وبالتالي هذا الأمر ستكون له تداعيات على ما بقي من الاحتياطي الإلزامي أو في أحسن الأحوال على الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية. بمعنى آخر، إن الحكومة ستموّل هذا العجز بإجراءات لا تؤدّي إلا الى دفع التضخم للارتفاع أكثر.

بالعودة الى جلسات مجلس النواب التشريعية التي تبدأ غداً الاربعاء، تؤكد مصادر الرئيس نبيه بري إصراره على الإسراع في إقرار الموازنة، فيما لم تستبعد مصادر مالية أن تقر هذه الموازنة كما هي ومن دون إدخال أي تعديلات جوهرية عليها. وبعد إقرار موازنة 2022، من المتوقع أن تتجه الأنظار الى إقرار المجلس النيابي قانون الكابيتال كونترول وقانون السرّية المصرفية بانتظار أن يصل قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي وصلت نسخة منه الى رئاسة الحكومة من مصرف لبنان الذي كُلّف وضع مسوّدة أساسية لهذا القانون.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار