ما هو دور محرقة الجثث المتنقِّلَة التي اصطحبها جيشك معه؟
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
يجلس بعض من في هذا العالم مُستمِعاً الى "فخامة" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو يتحدّث عن تأسيس عالم جديد، متعدّد الأقطاب، وعن "إنجازاته" في مجالات الطاقة، ومحاولات وقف الصادرات الأوكرانية... ويتناقل هذا البعض ما يسمعه، وينقله، وكأنه ينقل "قلب أسد" قُتِلَ بعدما فتك بمدينة وأهلها، في الوقت الذي لا بدّ لمن يستمع "مسروراً" أن يوجّه سؤالاً واحداً ووحيداً للرئيس الروسي، والطّلب منه أن يُجيب عليه، وذلك قبل أن يتحدّث عن أي شيء في هذا العالم.
تافهة
كما يجلس بعض من في "العالم الثالث"، "مُنتشياً"، ومُنتظِراً ما سيحلّ بالشعوب الأوروبية من مآسٍ بسبب مشاكل الطاقة، شامتاً بهم. ولكن لا بدّ لتلك "الفصيلة" التافهة من الناس، والسّخيفة أكثر من السخافة بحدّ ذاتها، الى درجة التقاط "السيلفيات" بالقرب من أفران الغاز المنزلية، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، "احتفالاً" بقطع روسيا إمدادات الغاز عن أوروبا عبر "نورد ستريم"، (لا بدّ لها) من "تشغيل فكرا" بسؤال واحد ووحيد، قبل أي شيء آخر.
"السلسلة الكبرى"
الواقع هو أن شعوب أوروبا ستتعذّب، لا سيّما شعب أوكرانيا، الذي يقترب من شتاء قاسٍ جدّاً، ببرودته، وبنقص التدفئة، ومصادر الطاقة، والأدوية، والمستلزمات الطبية، والأطعمة... فيما سيحتاج (الشعب الأوكراني) خلال الأشهر القادمة الى ميزانيات كاملة من المساعدات الإنسانية، والعسكرية على حدّ سواء.
والواقع هو أن الاقتصاد العالمي سيتعذّب أكثر، وشعوب الأرض كلّها، بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا. ونفوس بريئة كثيرة ستهلك، في مخاض "صفقة القرن" الذي نعيشه حالياً، بفوضى كاملة.
فـ "صفقة القرن"، التي لم يفهم منها معظم أهل منطقتنا سوى مسار السلام الإسرائيلي - الفلسطيني، الذي لا يشكّل في الواقع أكثر من حلقة ضمن "السلسلة الكبرى" التي ستفتح الأبواب للصّفقة في الشرق الأوسط، هي ("صفقة القرن") تقاسُم خرائط النّفوذ على كوكبنا بحسب ثروات الأرض، التي ما عادت محصورة بالمعادن، والنّفط، والغاز، والفحم، والثّروات التقليدية... بل بمدى الغنى بتعرُّض الأراضي والبلدان للشّمس أيضاً، والرياح، وبمدى غناها بالينابيع، والأنهار، والبحيرات، والمياه الجوفيّة، والأمطار، والثّلوج...، مروراً بنقل صناعات واستثمارات من قارة الى أخرى، بحسب الترتيبات العالمية الجديدة (تحت ستار توفير التكاليف، وتأمين موارد الطاقة)، وصولاً الى حدّ تقاسُم مناطق خطوط الطول، وخطوط العرض على الأرض، مع ما يعود إليها من مفاعيل على المناخ، وتحديد الزّمن، ومحاولات السيطرة على الظّروف الطبيعية والجغرافيّة، والتوقيت العالمي في مدى بعيد، من جراء ذلك. وكلّ هذا يُترجَم بتسابُق في ما بين مختلف القوى العالمية، على كل الأماكن، حتى داخل القارة الأفريقيّة، وأكثر المناطق الفقيرة والنائية على الأرض، وصولاً الى الفضاء.
كلّنا سنتعذّب
كلّنا سنتعذّب بسبب مخاض "صفقة القرن" هذا، الذي تجمّع كلّه في أوكرانيا، وبالهجوم الروسي الوحشي والدّموي على الشعب الأوكراني، الذي خرج عن أهدافه، ووصل الى حدّ انشقاق الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التي كانت لا تزال تابعة لموسكو، عن البطريركية الروسية، واعتماد البرلمان اللاتفي تعديلات على قانون الكنيسة الأرثوذكسية، نصّت على استقلال الكنيسة الأرثوذكسية اللاتفية عن بطريركية موسكو.
كلّنا سنتعذّب، في انتظار مصير أوكرانيا، ومستقبل دموية الرئيس الروسي التي قد تصل الى حدّ استعمال السلاح النووي (لا شيء مستبعداً بالكامل). كلّنا سنتعذّب، في الوقت الذي يحقّ لنا فيه، ونحن نموت أو نلامس الموت، أن نحصل على جواب واحد، وواضح، على سؤال واحد. أما المُجيب، فهو فلاديمير بوتين.
محرقة جثث
فالى فلاديمير بوتين... أين تُخفي آلاف النّعوش و"التوابيت"؟ وهنا، لا نسألك عن الجثث الأوكرانية التي تسقط بسببك، بل عن جثث الجنود الروس الذين يموتون في حربك الدموية على أوكرانيا؟ هل تُخفيها في قصور سريّة لك مثلاً؟ هل في غابات روسيا؟ هل في مناطق أوكرانيّة مدمّرة؟ أو هل تُخفيها في بيلاروسيا؟ أو هل تقدّم بعض الدول "الصّديقة" لك خدماتها بإخفاء تلك الجثث؟
هل استعَنْتَ بـ "خبرات" بعض أصدقائك مثلاً، وبـ "تفتيق مخيّلاتهم" في عوالم تذويب الناس بـ "الأسيد"؟ وما هو دور محرقة الجثث المتنقّلة التي شوهِدَت في صفوف قوّاتك، في شباط الفائت، بعد بَدْء هجومك البربري على الأوكرانيّين؟
أين يُخفيها؟
يُجمِع الجميع على أن عَدَم الإعلان عن "تحديثات" روسيّة مستمرّة، لأعداد قتلى وجرحى الجيش الروسي في أوكرانيا، يعني أن تلك الأعداد قادرة على التسبُّب بمشاكل كبيرة لنظام الحُكم في روسيا، وسط معلومات عن خسائر كبيرة في صفوف جنود ينتمون الى مناطق روسيّة نائية، وفقيرة.
ويتذكّر الجميع أن رؤساء الولايات المتحدة الأميركية مثلاً، يتجنّبون خوض الحروب، إلا لضرورات قصوى، وذلك بسبب رفضهم أن "تُصبَغ" عهودهم بمشاهد نعوش الجنود الأميركيين القتلى، التي تُنقَل أمام الكاميرات العالمية، من أراضي المعارك، الى الداخل الأميركي لدفنها.
وحتى إن الجيش الإسرائيلي نفسه، يعرض صوراً لدفن جنوده الذين يسقطون قتلى، في الحروب التي تخوضها إسرائيل.
ولكن أين يُخفي بوتين "توابيت" جنوده، بعد نحو سبعة أشهر من الحرب، والتي يؤكّد أكثر من مصدر غير سياسي، ومُحايِد بنسبة مقبولة، أنها بـ "آلاف الآلاف"؟ وكيف يُخفيها؟
"جنازات"
قد ينجح الرئيس الروسي باستعادة الأراضي التي حرّرتها أوكرانيا مؤخّراً. وقد يُفلح بإقناع الغرب بفكرة التضحية بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في يوم من الأيام، كأحد المخارج التي يريدها (بوتين) لمفاوضات حفظ ماء وجهه، وإنهاء الحرب الروسيّة الفاشِلَة منذ بدايتها.
أو قد ينجح بوتين بكَسْر الغرب وكييف معاً، وكلّ من عارض حربه. وقد لا ينجح الرئيس الروسي بشيء، ولا على أي مستوى.
ولكن ما سيصعُب عليه جدّاً، هو الاستمرار بإخفاء "توابيت" آلاف الجنود الروس، ومشاهد "جنازاتهم"، وبكاء الأمّهات والآباء والأخوة، وشراء الوقت والصّمت، ترغيباً أو ترهيباً، الى الأبد.
فالى فلاديمير بوتين نقول، إن بركان "التوابيت" المكبوت سينفجر، ولو بعد حين. و"الويل لك" من حِمَم نيرانه، التي قد لا تشبع من "لَحْم" مستقبلك السياسي وحده، ولا من إحراق "تجديدات" عقائدك السياسية والعسكرية فقط، لأنها ستُحرق الكرملين أيضاً، بكلّ من وما فيه، وجيشك "الهمّام" نفسه، وكلّ من يبكي "على أطلاله"، هذا إذا بقيَت "الأطلال" للبكاء عليها.