همسات "يسوعيّة" تطوي "الوداع الملكي" وتُعيدنا الى جيوش رؤساء الملائكة... | أخبار اليوم

همسات "يسوعيّة" تطوي "الوداع الملكي" وتُعيدنا الى جيوش رؤساء الملائكة...

انطون الفتى | الثلاثاء 20 سبتمبر 2022

البروتوكول الذي يُظهر طبيعة التّنظيم الإنكليزي الصّارم

 

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

 

بمشاهد مهيبة، وتنظيم رهيب عالي الدقّة، وبموسيقى ليتورجيّة رائعة، طُوِيَت صفحة تاريخية مهمّة، بدفن ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية.

 

لَمْس اليد

وبمعزل عن البروتوكول الذي طبع الوداع، والذي أظهر طبيعة التنظيم الإنكليزي الصّارم في كل شيء، شكّلت المدّة الزمنية التي تراوحت ما بين إعلان وفاة الملكة الراحلة، ودفنها، صورة سمحت لنا بتلمُّس الكثير ممّا قاله السيّد المسيح، وممّا فعله على الأرض، لَمْس اليد، ومن عمق زحمة أيامنا، وضغوطها الكثيرة.

فإذا أردنا أن نذكر بعض ما ذكّرتنا به الأيام القليلة الماضية، من كلام الرب يسوع، نعود الى ما قاله لتلاميذه على مائدة العشاء الفصحي عشيّة صلبه، وهو أن "ملوك الأمم يسودونها، وأصحاب السلطة فيها يُدعَون مُحسنين، وأما أنتم فلا يكون الأمر فيكم كذلك، بل ليَكُن الأكبر فيكم كأنه الأصغر، والمترئّس كأنه الخادم". وشدّد لهم يسوع على أن "أنا بينكم كالذي يخدم".

 

كخادم لا كملك

فهذا هو يسوع، الكائن الأعظم، والأصدق بالمُطلَق، الذي عمّد صدقه بدمه، وبحريّة كاملة ترفض التراجُع، حتى ولو أُتيحَ لها (حتى ولو كان الآب السماوي سمح بأن تعبر كأس الآلام عن طبيعة يسوع الإنسانية في يوم الصّلب، فإن يسوع ما كان ليقبل بذلك في بستان الزّيتون، وذلك رغم أنه طلبه، ولا مجال للتوسّع في الحديث عن تلك النّقطة هنا).

فيما لا نجد ملكاً، أو رئيساً، أو زعيماً، أو قائداً... على الأرض (أو أتباعه من بعده)، يُظهر من التواضع، أو يتباهى بدماء، إلا تلك التي تكون فرضتها عليه الظّروف، بينما لو كانت تلك (الظّروف) التي أدّت الى كسره، أو الى نزف دمه، أو دم أحد أفراد عائلته... قادرة على أن تكون بعيدة منه، فلما كان ليقبلها.

نعم، يسوع قال "أنا بينكم كالذي يخدم"، ونفّذ كلامه. فرغم أنه إله، سمح لنفسه بميتة خادم، ودُفِنَ في قبر محفور في الصّخر، بسرعة، ومن دون بروتوكولات، أو ترتيبات تمتدّ لأيام، أو دعوات...، ومن دون أي ضجيج، أو مواكب. فعامل جسده على الأرض، كجسد خادم، وليس كجسد ملك.

 

الأصوات نفسها

وفي الإطار عينه، نتذكّر أنه عندما كان يسوع يصعد الى أورشليم، كان يؤمن باسمه الكثير من الناس، نظراً للآيات الكثيرة التي يرونه يقوم بها. لكن الكتاب المقدّس يؤكد لنا أنه ما كان يطمئنّ لهم، لأنه كان يعلم ما في الإنسان.

نعم، كان يسوع يعلم ما في الإنسان، أي La Psychologie de l’Homme، المُعادِيَة لله (بعد سقطة الإنسان الأولى)، والتي لا تقبل مسيحه (أي سَكَن الله في جسد)، إلا إذا حصلت منه على الآيات والأعاجيب، وليس بحثاً عن الخلاص به.

والدّليل الأبرز على ذلك، هو أن الأصوات نفسها التي هتفت ليسوع "هوشعنا، مبارك الآتي باسم الرب" في أورشليم، بعد إقامته لعازر من بين الأموات، هي (الأصوات) نفسها التي صرخت لبيلاطس البنطي "اصلبه، اصلبه، ارفعه"، في يوم صلبه (يسوع)، وشاركت بالبُصاق عليه، وبضربه، وبإسماعه التجاديف الكثيرة... بعدما رأته ضعيفاً بخيانه يهوذا، وبتسليمه الى رؤساء الكهنة، والى الرومان.

 

نتعلّم من يسوع

نعم، هذا هو الإنسان، وحالته. وهذه هي الـ Psychologie de l’Homme، التي نلمسها يومياً، وفي كل مكان حول العالم، وفي بريطانيا خلال الأيام الأخيرة، انطلاقاً من أن الأشخاص أنفسهم الذين غضبوا على الملكة الراحلة إليزابيث الثانية قبل 25 عاماً، بسبب "برودتها" تجاه وفاة الأميرة ديانا، ولمّحوا الى أنها تتحمّل مسؤوليّة وفاتها (أو مقتلها، والله أعلم)، هم أنفسهم الذين بكوا على إليزابيث في عام 2022، ورموا الأزهار على نعشها عن بُعْد، وذلك بعدما كانوا توّجوا ديانا ملكة على قلوبهم "الى الأبد"، في عام 1997.

يسوع هو الله، في جسد. ولا نشبّه أي إنسان على الأرض به، ولا أي حدث يحصل على أرضنا، بأحداث حياته، ولا يصحّ ذلك، أصلاً، انطلاقاً من أن لا تشبيه مُمكناً بين المخلوق (الإنسان)، وخالقه. ولكنّنا ذكرنا ما ذكرناه سابقاً، لنتعلّم من يسوع أسباب عَدَم اطمئنانه لكثير ممّن كانوا يُظهرون له الإيمان، ولنتعلّم منه أيضاً ماذا يعني  أنه "كان يعلم ما في الإنسان". فهذا الإنسان هو نفسه، بغضّ النّظر عن الأمكنة، والأزمنة، والتطوّر التكنولوجي، والفوارق الاجتماعية، أو الماليّة...

 

موتى يدفنون موتاهم

أمر آخر أيضاً، بالنّسبة الى الترتيبات الدّقيقة، والتنظيم رفيع المستوى للدّفن الملكي.

فرغم روعة البروتوكول، إلا أنه يذكّرنا بالشاب الذي أتى الى الرب يسوع، طالباً إذنه ليدفن والده (الشاب) أولاً، قبل أن يتبعه (يسوع)، وبجواب يسوع له "دَعْ الموتى يدفنون موتاهم...".

فوفاة إليزابيث الثانية تمّت قبل نحو أسبوعَيْن، من حيث زمننا البشري الحاضر. ولكنّ الملكة الراحلة خرجت من الزّمن، الى الحقيقة، والى الدّينونة، أي الى حالة من خارج الزّمن، لا تخضع لترتيبات أهل هذا الدّهر.

وبتعبير آخر، روعة الدّفن الملكي صحيحة، لزمننا الحاضر، ولحواسنا، وليس للراحلة التي قد تكون دينونتها انتهت، منذ ما قبل دفنها (أمس) بأيام، أو بساعات، أو ربما لا تزال (دينونتها) مستمرّة حتى الساعة، والله وحده يعلم كلّ شيء.

 

رؤساء الملائكة

والمحصّلة، هي أن "موتى هذا العالم"، قاموا بما يُلزمهم البروتوكول الملكي به، تكريماً للملكة الراحلة، وحبّاً بها، واحتراماً للعادات والتقاليد، وراحةً لذواتهم ولضمائرهم، فيما لدى الله عمله، وتوقيته، و"بروتوكوله" الذي لا بروتوكولات مُمكنة أو نافعة، من بعده.

الملكة الراحلة نزعت تاجها عن رأسها، وركعت، وخرجت من بروتوكولها الخاصّ، لأوّل مرّة، قبل نحو أسبوعَيْن.

فحبّذا لو تكون فازت بالخلود في ترتيب جديد، وضمن بروتوكول جديد، حيث الجمال الأسمى، والألحان الأعْذَب، وترنيم المعيّدين للفصح الأبدي، وأناشيد الملائكة، ورؤساء الملائكة، خلال سجودهم ربوات ربوات، أمام عرش "الثالوث المُحيِي".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار