اتّفاق "الطائف" انتهى والمؤتمر التأسيسي حاجة ملحّة للمسيحيّين في لبنان قريباً جدّاً!!!... | أخبار اليوم

اتّفاق "الطائف" انتهى والمؤتمر التأسيسي حاجة ملحّة للمسيحيّين في لبنان قريباً جدّاً!!!...

انطون الفتى | الأربعاء 28 سبتمبر 2022

حلّ قد يُعطي رئاسة سوريا لمسيحيّ سوري يكون حكمه مقبولاً من العلويّين والشّيعة والسُنَّة

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

مُؤسف حقاً، أنه بعد مرور 33 عاماً، ورغم المتغيُّرات الإقليمية والدولية الهائلة التي شهدها العالم خلال تلك المدّة الزمنية، إلا أنه لا يزال هناك بعض من يُنادون بـ اتّفاق "الطائف"، وبعض من يربطونه بالقرارات الدولية المطلوب تطبيقها في لبنان، لإخراجه من أزماته، ولفكّ الحصار عنه.

وتزداد المهزلة، عندما نستمع الى بعض السّفراء الحالمين بـ "طائف"، هو اتّفاق أقلّ ما يُقال عنه، إنه انتهى.

 

المسيحي الوحيد

بعيداً من القفّازات السياسية، ومن تبادُل المجاملات اللبنانية - العربية، فإن هذا هو المصير العادل لاتّفاق ما كان همّه إنهاء الحرب الأهليّة في لبنان تماماً، بقدر ما كان يهدف الى تكريس سَحْب الكثير من الامتيازات الواسعة، من يد الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط.

ولكن ماذا نفعل، إذا كان بعض المسيحيّين يحبّون الأَسْر بدلاً من الخروج الى النّور، ورؤية متطلّبات العالم الجديد الذي يتشكّل من حولنا، وهم يصرّون على لغة خشبيّة قديمة، كانت لا تزال صالحة الى ما قبل سنوات.

فالعالم يعيش حالياً في قلب الحرب العالمية الثالثة، التي اندلعت في 24 شباط الفائت، وهي الحرب الروسيّة على أوكرانيا، بمفاعيلها الاقتصادية، والغذائية، و"التضخّميّة"، و"الطاقوية"، و"النووية" العالمية. أما اتّفاقيات وضمانات... العقود الماضية، والتي كانت لا تزال في غرفة الإنعاش حتى الأمس القريب، فهي ماتت وشبعت موتاً، ومن بينها اتّفاق "الطائف".

 

انتهى

حذّر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته يوم الأحد الفائت، من أن أي سعي لتعطيل الاستحقاق الرئاسي يهدف إلى إسقاط الجمهورية، والى إقصاء الدور المسيحي، والماروني تحديداً عن السلطة.

ويؤسفنا أن نقول إن المسيحيين عموماً، والموارنة خصوصاً، سيُبعِدون أنفسهم عن السلطة في لبنان، بأنفسهم، إذا لم "يحدّثوا" خطابهم السياسي، وصداقاتهم العربيّة، وإذا لم يعملوا على أساس أنهم باتوا بحِلّ من اتّفاق "الطائف".

هذا الاتّفاق انتهى، فلا تضيّعوا الوقت بمحاولة إنعاشه تحت أي ستار، لأن ذلك لا يحقّق مصلحة لبنانية، بل مصلحة لسياسات بعض الدول العربية في المنطقة. وما نقوله ليس من فراغ، إذ ما عاد يحقّ لمن يرى نفسه "زعيماً" عالمياً، حصره الزّمن في منطقتنا، أن يعلّمنا شروط السيادة، ولا كيفيّة "إصلاح" لبنان، إذا بقيَ هو يأخذ "دور الأسد" ضدّ إيران في لبنان، فيما يلعب "دور الأرنب" تجاهها في كل ما تبقّى من أمكنة، ورغم إعلان السلطة القضائية الإيرانية مؤخّراً إصدار سندات ملكية رسمية خاصة بجزر طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، في مياه الخليج، من دون أي مشروع عربي لـ "المواجهة مع الفرس"، إلا بمُحاصَرَة لبنان، والمساهمة بإفقار شعبه، تحت شعار الإصلاحات، ومنع تهريب مخدرات، هي تسرح وتمرح في الخليج ومياهه، "من دون جميلتنا" أصلاً.

 

"ثورة النّساء"

إيران تقوى، وستزداد قوّتها في المنطقة أكثر، وسيكون لها ذلك بـ "ثورة النّساء" أيضاً، التي لن تُضعفها، بل ستُضاعِف دورها الإقليمي أكثر مستقبلاً.

فثورة النّساء الإيرانيات، بعد مقتل مهسا أميني، هي "تسونامي" العالم الإسلامي، الذي ينطلق من إيران، والذي لا يُمكن لمدن ذكيّة، ولا لناطحات سحاب، ولا لأحدث التكنولوجيات، ولا حتى لبعض "الاستضافات" لأحداث أو لأنشطة دولية كبرى، أن تنافسها، أو أن تُضاهيها. وهي ثورة "تسونامي" انطلقت شرارته من إيران، لا من أي مكان آخر في العالم الإسلامي، وهو سيكسر الكثير من المحرّمات بمفاعيل قد لا تكون قريبة تماماً.

"ثورة النّساء" الإيرانيّات نابعة من داخل المجتمع الإيراني نفسه، وهي ليست ثورة حاكم، يحدّث دولته بطريقة مركّبَة، وبتطوير مُفتَعَل. وتداعيات تلك الثورة ستشمل العالم الإسلامي عموماً، ليس على مستوى النّقاشات المرتبطة بحقوق المرأة، وحقوق الإنسان فقط، بل على مستوى الممارسات والتشريعات الدّينيّة، ودور المؤسّسات الدّينيّة، والمناصب الدّينية... على امتداد العالم الإسلامي،... لا في إيران فقط.

 

مُداورة

اتّفاق "الطائف" انتهى، وما عاد خوف المسيحيّين في لبنان من مؤتمر تأسيسي مسموحاً. حتى إن مسيحيّي لبنان يجب أن يطالبوا بمثل هذا النّوع من المؤتمرات، بأنفسهم، علّهم يستعيدون بعض ما حاول كثيرون إفقادهم إيّاه، خلال عقود ما بعد الحرب الأهليّة، مرّة بإسم "الطائف"، ومرّة أخرى بإسم مشاريع إيديولوجيّة مُلتبِسَة، استعملت الشيعة العرب كوقود لها، فيما ينطلق ما هو مُناقِض لها تماماً، بدءاً من عرينها، وهو إيران.

فلا مشكلة في تخلّي المسيحيّين بلبنان، عن كرسي رئاسة الجمهورية، بموازاة اعتماد مبدأ المُداورة في كل السلطات والرئاسات اللبنانية، بين مختلف الطوائف اللبنانية، في دولة لبنانية علمانية، ديموقراطية، ليبرالية، صديقة لـ "العالم الحرّ" أوّلاً، وللعالم كلّه ثانياً، انطلاقاً من المتغيّرات التي تشهدها المنطقة مؤخّراً. ولا ضرورة للتمسّك "بالكرسي"، بما أن العالم كلّه على أبواب "جديد"، يتوجّب أن نجد فرصنا الكثيرة فيه، بتحرّر تامّ من "لبنان كبير" شاخ بنسبة معيّنة.

 

خائف؟

المؤتمر التأسيسي لن يأخذ من مسيحيّي لبنان، لصالح غيرهم، بل انه سيأخذ من الجميع، لصالح دولة لبنانية جديدة، قادرة على التماشي مع عالم ما بعد الحرب الروسيّة المتوحّشة على أوكرانيا. والأدلّة كثيرة في هذا الإطار. فعلى سبيل المثال، أي شيعي لبناني، لا يزال قادراً على الاستعانة بصبر الأمهات الإيرانيات في مشروع "الثورة" الكبير، وبعشقهنّ للثّورة الإيرانية، وعلى التمسّك بمكاسب لتلك الثّورة في الدستور اللبناني، بعد مشاهد النّساء الثّائرات في إيران، واللّواتي يحرقن أغطية رؤوسهنّ، وذلك مهما تحدّث عن تضخيم إعلامي، وعن كذب "للأعداء" في ما فعلته نساء إيران منذ مقتل أميني؟

وأي شيعي عربي، في لبنان، أو سوريا، أو العراق، أو اليمن، سيكون قادراً على الاستخفاف طويلاً، بما حضّ عليه حزب "اتحاد شعب إيران الإسلامي" مؤخّراً، (هو حزب شكّله مقرّبون من الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي)، على صعيد دعوته السلطات الإيرانيّة الى إعداد العناصر القانونية التي تمهّد لإلغاء قانون الحجاب الإجباري في إيران. بالإضافة الى مطالبته بإعلان انتهاء عمل شرطة الإرشاد رسمياً، والسماح بالتظاهرات السلمية، في البلاد.

وأي شيعي عربي، يُمكنه أن يزيد كلمة واحدة على ما قاله رجل الدين الإيراني حسين نوري الهمداني، الحليف للمعسكر المتشدّد في إيران، والذي حضّ السلطات الإيرانية على الإصغاء لمطالب الشعب، وعلى أن تُظهر اكتراثاً بحقوقه.

وبالتالي، أي مسيحي لبناني يُمكنه أن يذهب الى مؤتمر تأسيسي، وهو خائف من مكاسب لـ "الثّورة الإسلامية" في إيران، في أي دستور لبناني جديد، بعد اليوم؟

 

"قُمقُم"

وفي سياق متّصل، نجد أن ثورة النّساء الإيرانيات تقلب العالم الإسلامي رأساً على عقب، ولو بمفاعيل بعيدة المدى، قد لا تُترجَم بتغيير النّظام الإيراني بالضّرورة. فإيران تُدرك جيّداً كيفيّة نشر ثمار أشجارها في كل مكان، وكيف ومتى تقطفها، مهما كانت نوعيّتها، وحتى لو كان ذلك على حساب الشيعة العرب أنفسهم.

وبالتالي، أي زعيم عربي قادر على سجن اللبنانيّين في سجون اتّفاق "الطائف" بعد اليوم، أي بشروط عام 1989، في منطقة تغيّرت 360 لا 180 درجة، ووصلها قطار الأقمار الصناعية التابع لمشروع "ستارلينك"، وباتت على أبواب متغيّرات إيديولوجيّة كبيرة؟ وأي زعيم عربي "صديق" للبنان، قادر على حبس لبنان في "قُمقُم" مشيئاته الخاصّة، بـ "الطائف"؟

وهنا، لا بدّ للمسيحيّين في لبنان، من أن يعرفوا المهمّة الكبرى المُلقاة على عاتقهم، وهي الانفتاح على إيران أكثر، وهي إيران التي لا ولن تُعاديها الولايات المتّحدة الأميركية، ولا الغرب، بموازاة عَدَم السّماح لأي "صديق"، حتى ولو بإسم العروبة، بسجن لبنان وسياسته الخارجيّة، في أي "قُمقُم" كان.

 

الحلّ السوري

فنحن نعلم تماماً أن الحصار الاقتصادي للبنان، أتى حلقة من ضمن سلسلة الحرب السورية. وقد يأتي الحلّ اللبناني، مرتبطاً بالسوري، وبعمليّة سياسية شبه واحدة، لا بدّ للمسيحيّين من أن يجدوا فرصتهم فيها، وتعزيز مواقعهم في لبنان وسوريا معاً، وهو ما يحقّ لهم به، نظراً الى حضورهم التاريخي في نسيج تلك المنطقة، ودورهم "الإطفائي" الكبير فيها، الذي يخدمهم، ويُفيد الجميع.

فليتوقّف خوف المسيحيّين في لبنان من أي مؤتمر تأسيسي، ومن أي مسار سياسي جديد، وليجعلوا نظرتهم لإيران وسوريا وتركيا حتى، أكثر نضجاً، وأكثر ابتعاداً عن سياسة المجموعة العربية تجاه طهران، ودمشق، وأنقرة. وليؤكّد المسيحيّون في لبنان للجميع، صداقتهم التاريخية والغير قابلة لأي نقاش، مع منظومة "العالم الحرّ"، من دون أي خجل، ومن خارج أي "طعن" لتلك الصّداقة "بظهرها"، كرمى لأيّ كان، حتى لا يقعوا في ما وقعوا به في الماضي، وهو ما أوصلهم الى اتّفاق "الطائف"، كنتيجة لفقدان الثّقة الغربيّة بهم، وتخلّي الغرب عنهم، وتسليمه بإضعافهم في لبنان، بعدما فقد ثقته بهم، وبزعمائهم.

 

ديموقراطيّة

العالم تغيّر، ويتغيّر، وسيخرج مختلفاً جدّاً عمّا كان عليه قبل مدّة قصيرة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثالثة، والتي هي الحرب الروسيّة على أوكرانيا. وأوّل ضحيّة مُعلَنَة و"مختومة" لهذا التغيير، يجب أن يكون اتّفاق "الطائف"، وبالفم المسيحي الملآن، والمُطالِب بمؤتمر تأسيسي، يكرّس لبنان دولة ديموقراطية، علمانية، ليبرالية. دولة الحاكم اللبناني، لا المسيحي، ولا المُسلِم، ضمن مُداورة. دولة لبنانيّة شرق أوسطيّة بنكهة "العالم الحرّ"، وباقتصاد حرّ، وبعيداً من أي علاقة مع "الاستبداديّين"، ولا حتى على سبيل المصالح، وحتى لو كانوا من "الأشقّاء"، و"الأصدقاء".

ومن يدري، قد تستفيد سوريا من هذا المؤتمر التأسيسي في لبنان، بحلّ سياسي يُعيد إعمارها، و(يُعيد) شعبها النّازح إليها. حلّ سياسي قد يُعطي رئاستها لمسيحيّ سوري ربما، يكون حكمه مقبولاً من العلويّين والشّيعة فيها، في طريق هروبهم الدائم من "الأخونجيّي"، و(مقبولاً) من السُنَّة فيها أيضاً، في طريق هروبهم من "ولاية الفقيه"، ضمن سوريا جديدة، حرّة، وديموقراطيّة.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار