"خلايا حياة" تبني الإنسان في المدارس
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
اشتقنا كثيراً الى اليوم الذي نستمع فيه من جديد، الى من يخبرنا عن راهبة تجلس بالقرب من ولد يبكي في مدرسة، وتسأله عن سبب حزنه، وأن تخصّص الوقت الكافي لتستمع إليه.
الخبز
واشتقنا كثيراً الى اليوم الذي نشاهد فيه راهبة، تحدّث الأولاد عن ضرورة تناول "السندويش" بطريقة مُحترمة، وبالتعامُل مع الخبز والطعام كنعمة إلهيّة، وعطيّة إلهيّة، وضرورة عَدَم رمي الطعام.
واشتقنا كثيراً الى راهب أو الى كاهن في مدرسة، يعلّم الأولاد عن وجوب أن يتذكّروا دائماً، أن هناك أطفالاً لا يأكلون حول العالم، وأن ما يتناولونه هم خلال أوقات الراحة في المدرسة، قد يكون طعاماً لأولاد آخرين، على مدى ثلاثة أو أربعة أيام.
تخزين أموال
فالمدارس تغيّرت، والناس تغيّروا. والمؤسف هو أن "خشونة" هذا العالم، غيّرت كثيراً في قلوب الكثير ممّن يُفتَرَض أنهم "سراج" في هذه الدّنيا، وأسقطتهم في ملكوت الأرض، ملكوت حَصْر الاهتمامات اليوميّة بالمال، والشؤون الإدارية، والمالية، وحساباتهم المصرفيّة، في الوقت الذي لا مرجعيّة فعليّة بَعْد للإيمان القويم، سوى رهبانيات العقود والقرون الماضية (والتي لا يزال القليل منها موجوداً حتى اليوم)، وهي تلك التي يعيش رهبانها وراهباتها على العطايا فقط، وباتّكال كلّي على الله، ومن دون "تخزين" أموال، لا في مصارف، ولا في أمكنة أخرى.
شرح الحقيقة
في أي حال، هناك الكثير من العمل، لإيصال خلاص السيّد المسيح الى البشر. وحتى إن ظُلمَة معظم ما في هذا العالم، يُمكنها أن تشكّل فرصة لتسهيل العمل على تحقيق هذا الهدف.
فحبّذا لو نستمع الى ما يخرج عن حَصْر اهتمام إدارات بعض المدارس "الرهبانية"، بتأمين "المستقبل المالي" للمؤسّسة التربوية، وذلك لصالح تخصيص مجهود أكبر لشرح حقيقة ما يراه الطلاب من حولهم، في هذا العالم.
تباري
فحبّذا مثلاً لو تُخصَّص ساعات التعليم الدّيني المسيحي لما هو أبْعَد من "الكزّ"، و"التلوين"، والاستماع الى بعض الأغاني الروحية، أو مشاهدة بعض الأفلام الدّينية.
وحبّذا لو يُخصَّص المجهود الكافي، لتكريس أسبوع كامل، أو شهر كامل مثلاً، لحثّ الطلاب على التباري في التدرُّب على إماتة الحواس (مثلاً)، والتحرُّر ممّا في هذا العالم، أو في بعض أعمال الرّحمة، ومساعدة الفقراء، والصلاة لأنفُس الأموات، وخصوصاً أولئك الذين لا يوجد من يصلّي من أجلهم، وغيرها من الأمور التي تربّي الفضيلة في الأجساد والنّفوس.
تركوا المدرسة
وحبّذا لو تتحوّل ساعات التعليم الدّيني المسيحي، الى حصص تشرح للطلاب أن كل ما يرونه من حولهم حالياً، في البلد، من "تشبيح"، هو مُدمِّر للنّفوس، ومُهلِك للإنسان.
من يعلّم الطلاب اليوم، أن المجهود الذي يتحمّلونه في التحصيل العلمي، وفي الدّرس اليومي، هو ضروري، وأنهم لا يضيّعون وقتهم بذلك، حتى ولو رأوا أن "اللّي عايشين بهالإيام"، و"بالفريش دولار"، هم أولئك الذين يقومون بأعمال تعلّموها بعدما تركوا المدرسة في سنّ مبكرة (كالبلّاط، والدهّان، والحدّاد...)؟
"شبّيح"
ومن يعلّمهم أن تلك الأعمال السابق ذكرها، وصولاً الى "الزبّال"، متوافقة تماماً مع الكرامة البشرية، وأن لا عمل مُعيباً على هذه الأرض، بل ان هناك إنساناً مُعيباً؟
فالمشكلة ليست بمن أكمل تحصيله العلمي المدرسي، والجامعي، أو لا، بل بما في الإنسان من فساد، سواء كان "مُتعلّماً" أو لا.
فـ "الشبّيح" هو المشكلة، بأعماله "التشبيحية". ولكن "تشبيحاته" لن تكون "فلتانة" الى الأبد، وهو سيدفع أثمانها عاجلاً، أو آجلاً.
"خلايا حياة"
اشتقنا كثيراً الى اليوم الذي نستمع فيه الى راهبة، أو الى راهب، أو الى مُكرَّس، يدخلون الصّفوف ليتحدّثوا عن غير مُطالَبَة الأولاد بالقسط المدرسي، وبأموال القرطاسيّة، والزيّ المدرسي، لصالح تخصيص الوقت الكافي للحديث عن العدالة، عدالة المسيح.
واشتقنا كثيراً الى اليوم الذي نستمع فيه الى أن الصّفوف المدرسيّة، في المدارس الدّينيّة المسيحية، تحوّلت الى "خلايا حياة"، تبني الإنسان بالملموس، لا بالشعارات، ولا بالكلام، وتعلّم إنسان المستقبل (أي الطالب)، أنه حرّ في اختيار الطريق الذي يريده في هذه الحياة، حتى على مستوى أن يكون "آدمياً" أو لا. ولكن يتوجّب عليه أن يتذكّر دائماً أن هناك عدالة إلهيّة تنظر إليه، وتراقبه، وتراه، وهي تسير جنباً الى جنب رحمة الله له.
وتذكّره أيضاً بأنه إذا كان لا يشعر إلا بالرّحمة الإلهيّة اليوم، أو غداً، أو بعد غد، إلا أن هذا لا يُعفيه من العدالة الإلهية، وأن من المُفيد له أن يعمل على أن لا يخجل بأعماله، وأفكاره، ونواياه... عندما يمثل أمام عدالة الله، ولو بعد 100 عام.