يكتفي البعض "بالتجارة" مع إيران؟!
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
تتحمّس بعض المنصّات الإعلاميّة في المنطقة، لنقل صور ومشاهد الاحتجاجات الإيرانية على مقتل مهسا أميني، والمواجهات "البطوليّة" التي يخوضها الإيرانيون والإيرانيات ضدّ عناصر الأمن الإيرانية. وهذا ممتاز.
خلافات
ولكن المُضحِك في الموضوع، هو هذه الحماسة الكبيرة، في دول من المُفتَرَض أنها تُعاني من خلافات شديدة مع إيران، الى درجة دفعتها الى تغيير سياساتها في دول عربية عدّة. وهي تكتفي بنقل المشاهد وردّات الفعل الغاضبة حول العالم، على ما يفعله النّظام الإيراني في الدّاخل الإيراني، فيما العالم العربي يتفرّج.
صحيح أن الإيرانيّين "يسرحون ويمرحون" في عدد من المدن العربية. وصحيح أنهم يشكّلون "شريان حياة" للعلاقات التجارية والاقتصادية الإيرانية "غير المُعلَنَة" مع بعض أغنى دول المنطقة. ولكن، أليست تلك الدول والمدن العربية مستقلّة بالفعل؟ وألا يتوجّب عليها أن تُرسِل رسائل واضحة الى النّظام الإيراني، ولو عبر "التفاتة" بسيطة، أو موقف، يدعم حقّ الشعب الإيراني بالحرّية، وبعَدَم تعرُّضه للقمع، والقتل، والضّرب؟
مُعيب
لا تخافوا. فهذا لن يكون تدخُّلاً في الشؤون الإيرانية. فأن نستنكر التعامُل بعنف مع شعب، وأن نُطالب بالحرّية له، هو واجب موازٍ للسّعي الى لَمْلَمَة أوراق التفاوُض مع إيران في أكثر من مكان، والى تعميق علاقات البعض مع روسيا بحثاً عن الحدّ من النّفوذ الإيراني في سوريا، والى إبعاد شبح طهران عن حكومات لبنان، وقراره السياسي.
فمن المُعيب حقّاً، أن نشاهد مسيرات التضامُن مع الإيرانيّين في نحو 150 مدينة حول العالم، بدءاً من الغرب وصولاً الى الشرق، في الوقت الذي تغيب فيه العواصم العربية عمّا يجري في الداخل الإيراني.
حداثة
لا تخافوا من الصواريخ الإيرانية. فهي لن "تطير" إليكم، لمجرّد تنظيم مسيرات دعم للشعب الإيراني. وقد يكون آن الأوان لمعالجة مشكلة بعض المجتمعات العربيّة التي لا تتحرّك إلا لتناول الطعام، وممارسة الرياضة، والذّهاب الى المدارس والجامعات، ومراكز العمل... وذلك من دون أي سعي ولو لإظهار موقف ذاتي، ممّا يحصل في أي مكان حول العالم.
مهسا أميني فضحت ما في داخل المجتمع الإيراني من "هريان". ولكنّها فضحت ما في داخل المجتمعات العربية أيضاً، من خوف، وتداخُل وتصارُع، بين حداثة "الزّعيم المُظفَّر"، والحداثة الحقيقيّة التي يتوجّب أن تدخل الى العالم العربي.
تحرُّر
يتداخل في مقتل مهسا أميني، الدّيني بالدّنيوي، أي القمع والفساد الذي ينخر الحُكم الإيراني، بالجدل حول رغبة النّساء الإيرانيات بالتحرُّر ممّا تفرضه المؤسّسة الدينية الإيرانية عليهنّ. وهي المشكلة نفسها الموجودة في معظم بلدان منطقتنا أيضاً. مع فارق وحيد، وهو أن إيران تُعاني من عقوبات، ومن عزلة دوليّة (ولو نظرياً في مضامين عدّة منها)، أدخلت شعبها في فقر شديد، وضيقة كبرى، فيما باقي دول المنطقة لا، حيث المال الكثير، وإنفاق الأموال الهائلة على مشاريع كثيرة.
"نوم عربي"
نفهم أن يكون البعض مُحرَجاً من الإضاءة على جرائم تُرتَكَب في إيران، لأن هذا قد يفتح الكثير من الجروح في أماكن أخرى. ولكن مهما كانت عليه الأحوال، فمن المُعيب أن تشتعل طوكيو، وسان فرانسيسكو، ولندن، وباريس، وروما... بالمُعارضين الإيرانيين في الخارج، كما بالأجانب، دعماً "لأخواتنا الإيرانيات في إيران"، بينما الشوارع العربية نائمة.
أما لأولئك الذين يبرّرون "النّوم العربي"، الرسمي والشعبي، عن الاحتجاجات الإيرانيّة، بالإحراج المُرتبط بالصّبغة الدّينية لتلك الاحتجاجات (على صعيد ما يرتبط بحرق الإيرانيات أغطية رؤوسهنّ)، فمن المُفيد تذكيرهم بأن الأتراك والأكراد في تركيا، شاركوا في تظاهرات احتجاجية ضد عمليات القمع في إيران، بالآلاف، فيما شهدت احتجاجات تركيا تمزيق جوازات سفر إيرانية، وقصّ بعض النّساء لشعرهنّ احتجاجاً على تقييد الحريات.
فهل من المنطق أن يثور الإيرانيّون في عواصم العالم كلّه، على نظام إيراني، فيما تكتفي بعض المدن والعواصم العربية "بالتجارة" مع هذا النّظام، وكأن شيئاً لم يَكُن، وبينما يشارك بعض العرب بحصار لبنان، بسبب هذا النّظام الموجود في طهران نفسه؟
أسئلة برسم بعض اللبنانيين، الذين نتمنّى أن يقدّموا أجوبة واضحة لنا، عليها.