"النهار"- وجدي العريضي
إرتفع منسوب تصفية الحسابات السياسية وحركة الإصطفافات مع اقتراب نهاية ولاية العهد الحالي، بحيث تتوالى الرسائل السياسية من كل حدب وصوب.
في السياق، برزت في الساعات الماضية جملة مواقف أطلقها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي #وليد جنبلاط، الذي رسم خريطة طريق لكيفية تعاطيه مع المرحلة المقبلة والإستحقاقات الراهنة، إلى علاقاته مع القوى السياسية، ناهيك عن نظرته وقراءته للأحداث في المنطقة، وللحرب الروسية ـ الأوكرانية، مستشهداً بمحطات تاريخية "للرفاق السوفيات". وعلى طريقته، فإن جنبلاط يحدّد الخيارات راهناً، لكن السياسة في المفهوم الجنبلاطي ليست جامدة ومتحرّكة، وقد تتبدّل وفق التطورات الداخلية والخارجية، وعندئذ يبني على الشيء مقتضاه، وهذا الأسلوب تنتهجه المختارة ربطاً بلعبة الأمم التي لطالما أحرقت الكثيرين، ومن هنا، يسبر جنبلاط أغوار ما يجري اليوم من استحقاقات بالجملة والمفرّق.
توازياً، كان البارز في الحركة الجنبلاطية والمواقف أكثر من معطى يبنى عليه، خصوصاً عندما أشار سيد المختارة إلى أن تشكيل حكومة مع نهاية العهد قد يكون "غلطة"، أي أنه غير متحمّس و"ملهوف" لتشكيل حكومة جديدة على مسافة أيام معدودة من نهاية ولاية الرئيس ميشال عون. ووفق المتابعين والقارئين في "الفنجان الجنبلاطي"، فإنه يدرك أنه في ظل فشل هذا العهد والصراع الذي دار بينه وبين المختارة وأفرقاء آخرين من الحلفاء والأصدقاء، لا يجوز أن يحصل رئيس الجمهورية على جائزة ترضية أو هدية مجانية من خلال حكومة جديدة لن تكون قادرة على "أن تشيل الزير من البير"، وتنقذ البلد من أزماته وإفلاسه. هذا ما يراه جنبلاط، أي أن تشكيل حكومة "لزوم ما لا يلزم" ربطاً بأن صهر العهد رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي يشعر بأن نهاية عهد عمه قد دنت، يسعى لترتيب أوضاع "التيار الحر" وتحقيق بعض المكاسب من خلال وزراء جدد محسوبين عليه ويدينون له بالولاء الكامل، ما يعطيه دفعاً للإمساك بمفاصل الوضع بعد نهاية العهد، لا سيما أن الشغور الرئاسي قد يطول، مع إدراك باسيل أيضاً أن بقاء الحكومة الحالية كما هي لن يكون في مصلحته، وهذا ما ينطبق أيضاً على رئيس الجمهورية الذي ردّد أمام أكثر من زائر أنه لن يسلّم البلد لحكومة غير شرعية وفاقدة لدستوريتها، أي الحكومة الحالية.
وتضيف المصادر أن رئيس الحزب التقدمي، بعدم حماسته لحكومة جديدة، أضاء على الواقع الحكومي الدرزي على خلفية التعديل الذي سيحصل مع تبديل وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين، فأكد عدم تدخله. وهنا يُنقل أنه خلال زيارته الأخيرة للرئيس المكلف نجيب ميقاتي، أبلغه أنه لن يدخل في أي تسمية، على أن يتولى ميقاتي هذه المسألة، ومن الطبيعي ألا يكون الوزير الجديد مستفزّاً لأي مكوّن درزي، على اعتبار أن جنبلاط لا يرغب في أي صراع مع هذا المكوّن الدرزي وذاك، وتحديداً مع النائب السابق طلال إرسلان أو الوزير السابق وئام وهاب، مع رفض جنبلاط، وفق المتابعين، أي تدخل أو تسمية تأتي من قِبل رئيس الجمهورية أو صهره النائب باسيل، بعدما نمي إلى المختارة أن عون يرغب في تسمية الوزير السابق صالح الغريب، والأخير أكد أنه ليس في وارد المشاركة في الحكومة الحالية كما نُقل عنه في مجلس خاص. وبالتالي، فإن الزعيم الجنبلاطي نفسه، لا يرغب في تسمية أي شخصية درزية لتحلّ مكان الوزير شرف الدين، وهذا ما تم إبلاغه أيضاً لميقاتي من خلال وزير التربية عباس الحلبي، وعضو "اللقاء الديموقراطي" النائب وائل أبو فاعور.
أما الأبرز الذي أثاره جنبلاط للمرة الأولى، فهو تساؤله عن توزير الساقطين في الإنتخابات النيابية، بمعنى أن الميثاقية الشرعية إنتخابياً هي في المختارة، على اعتبار أن الأكثرية الساحقة من النواب الدروز الذين فازوا في الإنتخابات الأخيرة، هم من مرشحي الحزب التقدمي الإشتراكي و"اللقاء الديموقراطي"، في حين أن الطرف الآخر كالحزب "الديموقراطي اللبناني" يشدّد على أن هناك تاريخا للبيت الإرسلاني، وليس أن يكون مرتبطاً باستحقاق إنتخابي، والأمر عينه لتيار "التوحيد العربي" الذي يرى بدوره أن رئيسه حاز رقما إنتخابيا كبيرا، وله حضوره ودوره على مستوى الجبل والإقليم ومناطق أخرى.
من هنا، وبعدما أكد جنبلاط على غلطة تشكيل الحكومة مع نهاية عهد عون، وغمزه ولمزه للعهد وتياره "البرتقالي"، وعدم رغبته في تسمية أي وزير ليخلف شرف الدين، أو أن يسمي خصومه الوزير العتيد، فالسؤال المطروح: كيف سيكون الواقع الدرزي مع هذه اللاءات التي أعلنها رئيس الحزب التقدمي؟ هل هناك من عودة للصراع السياسي أو المناكفات أو الإنقسامات بين المكوّنات الدرزية، أم سيبقى تنظيم الخلاف داخل هذا البيت مستمراً، بمنأى عن هذه الخلافات والتباينات؟