جريمة ترتكبها شركات الإسمنت في الكورة.. والدولة عمياء | أخبار اليوم

جريمة ترتكبها شركات الإسمنت في الكورة.. والدولة عمياء

| الثلاثاء 11 أكتوبر 2022

نحو إقامة دعوى في الأمم المتحدة ضد وزراء في الدولة اللبنانية

عزة الحاج حسن - المدن
قد يبدو الحديث عن قضايا بيئية اليوم، في ظل الانهيار المالي والنقدي الأخطر بتاريخ لبنان، موضوعاً ثانوياً بالنسبة إلى الكثيرين. لكن حين تصل المخالفات البيئية إلى مستوى الجريمة بحق المواطنين، تهدّد صحتهم وحياتهم، يصبح الحديث بالقضايا البيئية أكثر أهمية من كل ما عداها من أزمات.
كشفت دراسة منذ أيام قليلة عن جريمة تلوث بيئي في بلدتي فيع وكفرحزير شمال لبنان، بفعل المقالع والكسارات وشركات الإسمنت القائمة في المنطقة. لم تلق الدراسة أي اكتراث من المعنيين. لم يلتفت أحد إلى الاثر البيئي المميت الذي تتركه تلك المقالع والكسارات، ليس في الشمال وحسب بل على كامل الاراضي اللبنانية. فكارتيل المقالع لا يقل سطوة عن مثيله في القطاع المصرفي وقطاع النفط والأدوية وغيرها.

تلوث وأمراض مميتة
كشفت الدراسة الجديدة التي قامت بها جامعة البلمند وقسم البحوث العلمية في منظمة غرينبيس الدولية، بطلب من جمعية "وصية الأرض" (وهي جمعية ناشطة في العمل البيئي في منطقة الكورة)، تجاوز مستويات تلوث الهواء في بلدتي فيع وكفرحزير مبادئ منظمة الصحة العالمية، ما يزيد خطر الإصابة بالأمراض السرطانية والتنفسية، وفق شهادة أطباء ومختصين.
تصف منظمة غرينبيس ما تشهده بلدتي فيع وكفرحزير بأنه شكل من أشكال اللاعدالة الإنسانية والبيئية، لما يواجهه أبناء المنطقة من قوى أكبر منهم، من شركات عالمية ضخمة إلى فساد محلي متشعب. فالشركات تجلب الأزمات البيئية والصحية وتجني الأرباح الطائلة في حين يدفع سكان المنطقة الثمن من صحتهم وصحة أولادهم.

وتفضح الأرقام حجم تداعيات الجريمة البيئية التي ترتكبها شركات الإسمنت في منطقة الكورة، فمن بين 15 عائلة هناك 11 عائلة لديهم حالة سرطانية بين أفرادها. منطقة الكورة في الشمال فيها أعلى نسبة مرضى سرطان في لبنان بظل كلفة استشفائية عالية جداً.
وإذ توضح المديرة التنفيذية في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غوى النكت، في حديث لـ"المدن" أن الدراسة اثبتت علمياً ان نسبة التلوث عالية جداً في منطقة فيع وكفرحزير ونسب التلوث فيها تتجاوز كل ما هو مسموح بحسب منظمة الصحة العالمية والقانون اللبناني. تكشف عن العمل على دراسات معمقة أكثر لتأكيد الصلة بين التلوث وشركات الإسمنت في المنطقة. ونظراً لكون طبيعة المنطقة زراعية فليس هناك من مسببات للتلوث، حيث لا يوجد شركات أو معامل وزحمة سير وغيره. لذلك من المرجّح جداً أن يكون التلوث سببه شركات الإسمنت.

المنطقة الصناعية في شكا
وتأسف النكت في حديثها لما يتعرّض له أهالي المنطقة من أمراض مميتة. فعند الحديث عن نسب عالية جداً من جسيمات PM2.5 يرتفع الخوف من تلوث صحي وليس فقط بيئي. فالتعرّض لجسيمات PM2.5 يعتبر من أخطر العوامل البيئية التي تعنى بزيادة عدد الوفيات في العالم.
وهنا لا بد من التذكير بتقرير سابق صدر عن وزارة البيئة تناول الوضع البيئي على مستوى لبنان، جزم بأن المنطقة الصناعية في شكا تساهم بشكل رئيسي بالتلوث في منطقة الشمال، وتحديداً بسبب شركات الإسمنت. من هنا باتت عملية الربط بين شركات الإسمنت والتلوث العالي في المنطقة المصنفة زراعية وسكنية، أمراً محسوماً.
يسود قطاع الإسمنت فساد كبير، ويرتكب القيمون عليه مخالفات كثيرة. فالقانون ينصف أهالي المنطقة لكن ليس هناك من احترام للقانون. فالمقالع والكسارات مخالفة وغير مرخصة، وقد استصدر أهالي المنطقة قراراً من مجلس شورى الدولة لحماية المنطقة لكنه لم يُنفّذ. فما الذي تقوم به وزارة البيئة لتدارك تداعيات التلوث على المنطقة وضبط مخالفات الشركات؟

خطة وزارة البيئة
يحاول وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال، ناصر ياسين، الإضاءة والتذكير بأن موضوع المقالع والكسارات ليس مستجداً، وفوضى القطاع مُزمنة تعود إلى عشرات السنوات. ويؤكد بالوقت عينه في حديث إلى "المدن" بأن الوزارة تدقق بالدراسة المذكورة وتعمل عليها مع خبراء، علماً ان الدراسة تم وضعها بين عامي 2020 و2021، بمعنى أنه حين تم اخذ العينات كانت الشركات متوقفة عن العمل في فترة الحجر خلال انتشار فيروس كورونا. وهذا ما يوضح لنا المستوى العالي للتلوث الموجود حالياً.
ويكشف ياسين آلية الحلول التي تعمل عليها الوزارة قائلاً "لا شك أن الوزارة تعمل على تنظيم هذا القطاع، ونقل المقالع والكسارات والشركات بعيداً عن المناطق السكنية. فمن غير المقبول تواجدها في مناطق مصنفة سكنية. وهذا الأمر يستلزم تشريعاً من مجلس النواب ونحن نعمل فعلياً على مشروع قانون لتنظيم قطاع المقالع والكسارات بشكل نهائي".

والى حين تنظيم القطاع بشكله النهائي لا بد من حلول للمرحلة الراهنة، يوضح ياسين، "نضع معايير مشدّدة ترتبط بالمراقبة البيئية والمراقبة على الانبعاثات وعلى الحفر. وهنا نتحدث بشكل عام، ففي الواقع على المقالع والكسارات أن تنتقل إلى مناطق أخرى غير سكنية. ولكن في الوقت الراهن لا بد من تنظيمها قدر الإمكان لجهة عملية الحفر والتصنيع وغيره".

طروحات الوزارة
ويشرح ياسين الطروحات التي تعمل عليها الوزارة في المرحلة الراهنة وتتوزع على ثلاثة أمور، الأول المراقبة البيئية بشكل مباشر على الأرض، ورصد الانبعاثات التي تخرج عن المعامل "وقد أصدرنا قراراً في شباط الفائت تشددنا خلاله في مسألة الانبعاثات الصادرة عن المصانع الكبرى ومصانع الترابة، وأمهلنا حينها لمدة عام -أي لغاية شباط المقبل- لتطبيقه. وعليه، يجب أن تتوفر فلاتر جديدة ورقابة دقيقة ومباشرة وتقارير دقيقة ودورية لنسبة الانبعاثات والتأثيرات البيئية".
الأمر الثاني هو آليات إعادة التأهيل، بمعنى أنه ريثما يتم تنظيم القطاع لا بد من إعادة تأهيل كل هذه المواقع. فالحفر له تقنيات لا بد من اعتمادها، وقطاع الحفر والمقالع موجود في كل العالم وليس فقط في لبنان. ولكن المشكلة في لبنان غياب الرقابة والتنظيم.
الأمر الثالث هو فتح باب الاستيراد. وهذا أمر يستلزم قراراً من مجلس النواب.

مماطلة وتهجير
طروحات وزارة البيئة لم ترق إلى مستوى الحلول برأي الخبراء البيئيين، وحتى برأي غرينبيس، إذ ترى النكت أن مسألة إعادة التأهيل تأخرت كثيراً، ولم يعد ممكناً اليوم إعادة التأهيل. فهناك تلال برمتها اصبحت بمستوى الأرض. وتأثير التلوث لحق بكل شيء، حتى المواسم الزراعية باتت مهددة بسبب ارتفاع نسب التلوث كثيراً. تقول النكت: ببساطة، هذه منطقة غير مصنفة للمقالع، والأثر كبير جداً وطويل المدى، وأهالي المنطقة يرفعون الصوت، والوزارات لا تكترث.
وتكشف نكت أن الشركات التي تمتد مقالعها وكساراتها على مساحة مليوني متر مربع، تحضر وتضغط على الوزارات للاستحصال على مهل وأذونات لتوسيع المساحات، والتوسع بالكورة وتلالها. وهذا فيما لو حصل يصبح تهجيراً لأبناء المنطقة لصالح الشركات بعد تدمير إمكانيات سبل العيش تدريجياً.

دعاوى قضائية
وإذ تتهم جمعية "وصية الأرض" وزارة البيئة، الحاضرة في ملفات المقالع وشركات الإسمنت، بالتقصير، "فهي من يخالف الدستور والقوانين والمراسيم والقرارات والأحكام القضائية والتي تقوم بمخالفة قرارات شورى الدولة في ما يتعلق بعدم إعطاء الصلاحية للعمل على هذه المقالع والكسارات".. يكشف مصدر متابع للملف أن وزارة البيئة عاجزة عن الوقوف بوجه شركات الإسمنت، ولا تقوى على فرض تطبيق القانون عليها. فالشركات تشكّل قوة احتكارية لها امتداد في مؤسسات الدولة وسلطاتها الرسمية.
من هنا تتوجه جمعية "وصية الأرض" إلى البلدان التي يحمل جنسيتها بعض أصحاب شركات الإسمنت، في سبيل إقامة دعوى في الأمم المتحدة ضد وزراء في الدولة اللبنانية "لأن أعمالهم ساهمت في قتل مواطنين أبرياء وفقدان الاستدامة في تطوير المنطقة، وخسارة أراضيها بأسعار زهيدة بسبب التلوث والمقالع"، حسب رئيس الجمعية فارس ناصيف.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار