مصدر: للبننة لبنان واستحقاقاته وملفّاته وإعادتها الى الداخل اللبناني ومتطلّباته
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
تختلف النّظرة العالمية تجاه الأحداث التي عصفت بإيران، بعد مقتل الشابة مهسا أميني على يد "شرطة الأخلاق" الإيرانية.
فبين مُدقِّق بحقوق الإنسان، ومُطالِب بحقّ الشعب الإيراني في تقرير مصيره، غرقت معظم دول منطقتنا "المُتصارِعَة" مع طهران في أكثر من ساحة إقليمية، بالنّظر الى المردود السياسي المُمكن لتلك الاحتجاجات في الداخل الإيراني مستقبلاً، والى التركيز على احتمالات سقوط النّظام الإيراني.
ما يعجز عنه الرجال؟
ولكن مهما تعدّدت النّظرة الى الاحتجاجات، فإن لا خلاف على أن النّساء الإيرانيات، فَعَلْنَ ما قد يعجز الرجال عن تحقيقه ربما، على مستوى تحطيم المحرّمات الكثيرة المفروضة من قِبَل النّظام الإيراني على الإيرانيّين، وذلك من خلال قصّ شعورهنّ في العَلَن، وحرق أغطية رؤوسهنّ في الشوارع، وتوجيه أقوى الانتقادات الى المؤسّسة الدينية الإيرانية.
كما أن لا خلاف حول أن ثورة النّساء الإيرانيات قادرة على أن تشكّل فرصة بعيدة المدى، على المستوى الإيراني الداخلي، كما على مستوى المنطقة والعالم.
فرصة حقيقيّة
فالثّورة النّسائية تلك، أسهمت في فَضْح شيخوخة النّظام الإيراني أكثر، وكيف أنه يعوم على مجموعة من المحرّمات الدّقيقة التي يضع قوّته فيها، ويحرص على إظهارها هو بنفسه الى العالم، وكأنها أحد أقوى أسلحته ضدّ "الأعداء"، وذلك في الوقت الذي قد لا تكون فيه تلك المحرّمات موجودة بالفعل، لا في كل منزل إيراني، ولا في كل منطقة إيرانية، ولا في كل محافظة إيرانية، أو حيّ إيراني...
وهذه فرصة حقيقيّة، قد تتضاعف الفرص من خلالها، في ما لو تمّ الحفاظ على هذا النّوع من النّظام في طهران، وعَدَم إسقاطه، مع دفعه الى إدخال إصلاحات كثيرة، وتعديلات كبرى، على المستويات الإيرانية المختلفة، بدلاً من إسقاطه واستبداله بنظام آخر، يشبهه، ويفرض على الإيرانيّين ما قد يكون أسوأ بالنّسبة إليهم، وذلك من باب "فتوّته"، واستلامه السلطة حديثاً، بوعود كثيرة، وكلام كثير.
"إعادة إنتاج"
صحيح أن تغيير النّظام الإيراني، واستبداله بآخر يكون ديموقراطياً، سيُريح الشعب الإيراني أولاً، وسيُوقِف قمعه، وتعذيبه، وقتله، وهذا هو المطلوب في الأساس. وهذا سيغيّر وجه الشرق الأوسط أيضاً.
ولكن بغياب الدّليل الواضح على نُضج نظام ديموقراطي قادر على استلام إيران في وقت قريب، يبقى النّظام الحالي "أسهل الشّرور"، وأفضل من عمليّة "إعادة إنتاجه"، هو نفسه، بشكل جديد ربما، أو ببعض الأسماء الجديدة.
نظام شاخ
ففي تلك الحالة، سيتحوّل الاستبداد الإيراني، و"البَطْش" الإيراني الى "نسخة" أكثر قوّة، والى "متحوّرات" أكثر واسهل انتشاراً، وهو ما سيكون له مفاعيله الكبيرة على دول الانتشار الإيراني في الشرق الأوسط أيضاً، والتي من بينها لبنان.
ومن هذا المُنطَلَق، قد يكون الاحتفاظ بنظام شاخ، وبات متوغّلاً بضعف الثّقة الشعبية والداخلية، قبل الخارجية، مصلحة مرحليّة، تُفسح المجال أمام نضوج "الديموقراطية الإيرانية"، واستلامها الحُكم في طهران، والنّفوذ الفارسي على مستوى المنطقة، وفق مُنطلقات جديدة بالفعل.
لبننة لبنان
رأى مصدر مُطَّلِع أن "لبنان يتأثّر إيجابياً، بأي أجواء توفّر الراحة للمنطقة، أو للدّول المؤثِّرَة فيها وفيه. وإيران من بين أكثر الدّول المؤثِّرَة في الشرق الأوسط عموماً".
وأشار في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أنه "إذا ارتاحت إيران، فإن لبنان سيرتاح أيضاً. ولكن هذا لا يجب أن يبثّ الفوضى في صفوف اللبنانيين، ولا أن يدفعهم الى إهمال ضرورة عملهم على لبننة لبنان، واستحقاقاته، وملفّاته، وإعادتها الى الداخل اللبناني ومتطلّباته، قبل أي شيء آخر".
ديموقراطيّة حقيقيّة
وشدّد المصدر على أنه "رغم أن أجواء الراحة أو الاضطراب الإقليمي، ينعكسان على لبنان بسهولة، إلا أن المطلوب أيضاً هو عَدَم ربطنا بكل أزمات المنطقة، وإلا فلن يكون هناك أي مجال لإصلاح الأوضاع اللبنانية أبداً. فربط أنفسنا بما يحصل في إيران مثلاً، أو في غيرها من الدول العربية، يجعلنا مُجبرين على انتظار التسويات الإقليمية - الإقليمية، أو الإقليمية - الدولية، وهي كارثة بالنّسبة الى بلد (لبنان) لا يحتمل وضعه الداخلي مفاعيل كل تلك الصّعوبات".
وختم:"حتى ولو سقط النّظام الإيراني بعد مقتل الشابة أميني، فإن لا أحد من مرضى لبنان الذين يكافحون من أجل الحصول على أدويتهم سيستفيد من جراء ذلك، ولا أحد من طلاب لبنان الذين يبحثون عن سُبُل إكمال تحصيلهم المدرسي والجامعي سيستفيد، ولا أحد من اللبنانيين الباحثين عن الطحين والخبز، وعن المياه النّظيفة... يومياً، سيستفيد أيضاً، بشكل مباشر. وهذا دليل على حاجة لبنان الى الكثير من العمل الداخلي، قبل أن يستثمر أي ديموقراطية حقيقيّة قادرة على أن تُطيح بالنّظام الإيراني الحالي، في وقت قريب".