"نام" منذ عام 1982 وحتى سنة 2021... 39 عاماً من الأسرار "الغزيرة"! | أخبار اليوم

"نام" منذ عام 1982 وحتى سنة 2021... 39 عاماً من الأسرار "الغزيرة"!

انطون الفتى | الثلاثاء 25 أكتوبر 2022

مساحات خاصّة قبل أن تنضج ساعة "الرّحيل الأخير"

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

 

وسط جدالات ونقاشات تدور داخل المجتمع الفرنسي حول موضوع "الموت الرحيم"، الذي يقوم على مجموعة من الخطوات، منها نزع الأجهزة الطبية عن المرضى الذين يعانون من حالات صحية صعبة، بذريعة تخفيف الألم عنهم، أو لوقف إنفاق المال، وعَدَم إشغال أسرّة المستشفيات بحالات تُعتَبَر مُستعصية... استقبل "الحبر الأعظم" البابا فرنسيس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الفاتيكان أمس، حيث ناقش معه هذا الموضوع، ومجموعة من الملفات الدولية، أيضاً.

وكان البابا عبّر عن معارضته "للموت الرحيم"، خلال خطاب ألقاه أمام نواب فرنسيين قبل أيام، في الوقت الذي تستعدّ فيه باريس لإطلاق اتفاقية مواطنية حول هذه القضية، للتوصُّل إلى احتمال تغيير القانون.

 

لا نحكم

هنا، لا بدّ من بعض الكلام، حتى ولو كان يُنظَر إليه من قِبَل بعض الناس على أنه وهم ربما.

فبعيداً ممّا إذا كان الطبيب مؤمناً أو لا، أو المريض الذي يوصي بتطبيق "الموت الرّحيم" عليه، أو أهله وأقاربه إذا أخذوا القرار عنه... ونحن لا نحكم على إيمان أحد من الناس، ولا دخل لنا بما في الكوامن، إلا أن أبرز ما يتوجّب معرفته هو أن الطبيب إنسان، والمريض أيضاً، وأقاربه وأهله أيضاً، وهم ليسوا الله، ولا يُمكنهم أن يحدّدوا إذا ما كان نزع الأجهزة الطبية أفضل، أو لا.

 

وسيلة

لا يُمكن لأحد أن يتجاهل أن الموت ليس رحلة، ولا هو نزهة. ولا أحد يعلم تماماً إذا ما كان نزع أجهزة طبية عن مريض قبل ساعة من وفاته الطبيعية، أي تلك التي يقرّرها الله بسلطانه الخاصّ، سيوفّر عليه العذاب فعلاً، أو ما إذا كان سيرسله الى عذاب أشدّ، أو سيُدخله في دينونة أقسى، نظراً لإفقاد نفسه فرصة التوبة في أوان تألُّم الجسد على فراش الموت.

فالمرض وسيلة من وسائل التخاطُب الإلهي مع أي نفس، والموت أيضاً، وهما في يد الله. وبالتالي، كم من كيان تخلّصت نفسه من الجحيم، وتطهّرت من خطاياها عبر تواصُلها مع ربها في أوان انحلال الجسد، تدريجياً، وبأقصى الآلام التي لا تُطاق؟

وكم من نفس خلُصَت من الجحيم، في أوان موت الجسد بطُرُق قد يخافها كل البشر على وجه الأرض، مثل سقوط طائرة، أو تدهور سيارة،... إذ كانت لها (النّفس) تلك الثواني الأخيرة حوض معمودية جديدة، عادت بها الى ربها، وقدّمت توبة صادقة وكاملة، على كلّ ما فعلته.

 

في يد الله

لا نعمّم طبعاً، ولا نحكم على أحد من الناس. وهذه أمور لا دخل لنا فيها نحن البشر. فالرب وحده هو الذي يحدّد التوبة الصادقة، من تلك غير الصادقة، والخوف الذي يؤدي ببعض الناس الى الخلاص، أو ذاك (الخوف) الذي يقود بعضهم الآخر الى النّفاق، والتظاهُر بالتوبة.

ولكن خلاصة ما نقصده، هو أن ساعة الموت هي في يد الله. وعذاب الجسد الذي نراه أمامنا، قد يشكّل فرصة للخلاص، وللانعتاق السّليم، ولا يحقّ لنا كبشر، سواء كنّا مرضى، أو أهلهم وأقاربهم، أو أطباء، أو... أن نحدّد ساعة الموت، ولا أن نحكم على ما إذا كنّا نرتاح بذلك أو لا، أو نريح المريض، لأن ربه يعرف مصلحته، ويحدّد ما هو المُناسِب لخلاصه.

 

الحياة

هذا قد يكون أهمّ ما يُمكن تعليمه لطلاب كليات الطب، وهو أنهم أطباء، أي انهم يعملون في حياة الناس، ويتوجّب عليهم أن يُدافعوا عن الحياة. وهذا أسمى ما يُمكن أن يكون في الوجود، لأنه دفاع عن روح الله على الأرض، روح نسمة الحياة.

والدفاع عن الحياة يكون حتى الرّمق الأخير، ومهما كان نزاعها طويلاً، أو معاناتها مستمرّة، حتى لسنوات. والدفاع عن الحياة لا يقتصر على العمليات الجراحية الكبرى، ولا على الحالات المستعصية فقط، بل يشمل الاستشارات الطبية البسيطة أيضاً، والتي من بينها مساعدة المريض على تغيير أسلوب حياته، وطعامه،... نحو الأفضل، أي نحو ما يزيد الحياة فيه.

 

غيبوبة

نذكر في هذا الإطار، أن المدافع الفرنسي جان - بيار آدم توفّي عن 73 عاماً العام الفائت، بعدما أمضى 39 عاماً في غيبوبة دخلها منذ عام 1982، بسبب خطأ ارتكبه طبيب التخدير خلال جراحة روتينية كان يُجريها (آدم) في ركبته، تسبّب له بتلف في الدماغ. وكان عمره آنذاك نحو 34 عاماً (هو من مواليد عام 1948).

وبعدما كان مُتوقَّعاً أن يغادر آدم المستشفى بعد أيام قليلة من تلك الجراحة، بقيَ في الغيبوبة من 1982 الى 2021، وهي مدّة زمنيّة رفضت زوجته خلالها التخلّي عنه، وبقيَت تهتمّ به، رغم تعرّضها للكثير من الانتقادات على "الاحتفاظ به"، خصوصاً أنه كان لن يتعرّف الى أحد، حتى ولو صحا من الغيبوبة.

 

لا يحقّ لنا

ولكن رغم ذلك، احتفظت الزّوجة بزوجها، وكان أمراً جيّداً، خصوصاً أنها لا تعلم أسرار الـ 39 عاماً تلك، وما حملته من مساحات خاصّة بين نفس جان - بيار وربه، الى أن نضجت ساعة "الرّحيل الأخير".

فهناك مرضى ماتوا بعد مدّة زمنية من الغيبوبة لم تتجاوز الأشهر، وبعضهم الآخر سنة، أو أكثر بقليل، فيما قد يموت البعض بعد 50 عاماً من الغيبوبة. وهذا من أقوى الأدلّة على أن حياة الإنسان تستمرّ رغم غيبوبته، وحتى لو كان لا يتواصل مع محيطه.

قد يمنع ضغط العالم اليومي، من الاحتفاظ بالصّمت والهدوء، وسط الضّجيج الكثير. ولكن لا يجوز لشيء أن يشوّه المساحة الخاصّة التي يجب أن تُترَك بين كل نفس وربها، في حالات الوعي، أو الغيبوبة. فهذه حقّ، لا يحقّ للإنسان نفسه أن يفرّط بها، لأنها ليست ملكه، ولا يحقّ لنا التصرُّف بما ليس لنا.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار