وضَعَ الإصبع على الجرح الذي أدى الى اشتعال "الربيع العربي"
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
بحريّته المعهودة، وببساطة تواضعه، وبتحرّره من الاعتبارات السياسية، ومن المجاملات التي اعتاد عليها حكام دول منطقتنا، دعا "الحبر الأعظم" البابا فرنسيس من البحرين، السلطات، الى ضمان عدم انتهاك حقوق الإنسان الأساسية، والى العمل على تعزيزها، لافتاً الى قضايا الاحترام والتسامح والحرية الدينية التي أقرّها الدستور البحريني.
وشدّد البابا على أنها التزامات يجب ترجمتها باستمرار الى عمل، حتى تصبح الحرية الدينية كاملة، وحتى يتمّ الاعتراف لكلّ جماعة ولكل شخص بكرامة متساوية، من دون أي تمييز، وبعيداً من انتهاك حقوق الإنسان الأساسية.
عبودية
كما ركّز البابا فرنسيس في حديثه أيضاً على الحقّ بالحياة، كضرورة وضمانه دائمة، وفي أوان فرض العقوبات على البعض. فحتى هؤلاء لا يمكن القضاء على حياتهم. وهو من أقوى الكلام الذي قيل في رفض عقوبة الإعدام، تحدّث عنه "الحبر الأعظم" من قلب منطقة الخليج، حيث التجاوزات الكبيرة على هذا الصّعيد.
ودعا البابا من البحرين الى ضمان ظروف عمل آمنة ولائقة بالإنسان في كل مكان، مندّداً بـ"العمل اللاإنساني"، وذلك على وقع الكثير من الانتقادات لدول خليجية في مجال حقوق العمال المهاجرين (وهي انتقادات قديمة في الأساس، ومُعمَّمَة في دول خليجية عدّة، ولكنّها زادت كثيراً خلال السنوات الأخيرة بسبب ظروف العمال الذين عملوا على إنشاء الملاعب والبنى التحتيّة المتعلّقة بمونديال 2022) .
وأكد البابا أن العمل اللاإنساني يشكّل انتهاكاً لكرامة الإنسان، وهو خبز مسموم لأن فيه عبودية.
"مُختَصَر مُفيد"
وهكذا، وبـ "بالمُختصَر المُفيد" كما نسمّيه بالعاميّة اللبنانية، اختصر البابا فرنسيس مشكلة العالم العربي، وأمراضه الكثيرة التي لا تشفيها قمّة عربية من هنا، أو أخرى من هناك، ولا تبادُل زيارات عربية، ولا استثمارات أغنى الدول العربية في أخرى أفقر منها، بحثاً عن أدوار جيوسياسية جديدة في الأساس، وليس عن تحسين ظروف حياة الإنسان في تلك الدول.
فكما أن للغرب وحشيّته، ورأسماليّته القاسية، وتغاضيه المقصود عن أضعف وأفقر الشرائح الاجتماعية، فإن لبلدان العالم العربي "فحشها" أيضاً، وتوحّشها، وتجاهلها المقصود لأفقر شعوب البلدان التي تنتمي الى جلدها الإيديولوجي نفسه، إذ تتفرّج عليهم يموتون في البحار هرباً الى الغرب، وذلك من دون أن تتحرّك بجديّة لتحسين ظروف حياتهم، وتركهم في بلدانهم. وهي (بعض بلدان العالم العربي) تدعم جماعات مسلّحة، وتموّل جماعات إرهابية، وبعض الحروب والسياسات داخل دول عربية، بدلاً من تسخير ثرواتها لصالح إحياء الإنسان العربي.
شتاء
كما أن البابا فرنسيس، وبتحرّره من الأهداف التي قد يبحث عنها أي زعيم أرضي في الخليج، على صعيد المال، والنّفط، والاستثمارات...، وضع الإصبع على الجرح العربي العميق والمُلتهب، الذي أدى الى اشتعال "الربيع العربي" في عام 2011، من قلب منطقة الخليج.
فهذا الربيع الذي تحوّل الى شتاء، والى إرهاب كرّس بعض الزعامات العربية، والديكتاتوريات العربية السياسية، والعسكرية، وحتى المالية والاقتصادية، وزادها استشراساً، لم ينطلق فقط من الحاجة الى الطعام، والشراب، والطبابة...، بل من ثورة على حكام يُخفون الذّهب والأموال في جدران قصورهم، بدعم من أغنى وأقوى الدول العربية، ومن دون أي اعتبار لمفاهيم العدالة الاجتماعية.
كما أن أشرس الجماعات الإرهابية والمسلّحة التي خربت حياة الملايين خلال "الربيع العربي" هذا، وتحديداً بين عامَي 2012 و2016، ما كانت لتنجح في "أعمالها" لولا تمويل من بعض أغنى دول المنطقة، وليس فقط بسبب بعض الدول "الثورية" و"المُتعَسْكِرَة" دائماً في الشرق الأوسط.
"حماية الذّات"
أما بالنسبة الى الدول الباحِثَة عن السيطرة على العالم تحت ستار استحداث "قطبية جديدة"، تُنهي الهيمنة الأميركية والغربية، والى تلك (الدول) المُتحالِفَة معها بحثاً عن تسعير الخلاف بين الشرق والغرب في الأساس، وعن "حماية الذات" من المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان الكثيرة فيها، تحت ستار تنويع العلاقات والصداقات والتحالفات... في عالم متغيّر، فقد أتاها الجواب الشافي أيضاً على لسان البابا فرنسيس، من البحرين، أي من قلب الخليج نفسه، وهو انتقاده منطق "الكتل المُتعارِضَة" التي تضع العالم على حافة الهاوية في توازن هشّ.
كنائس
البابا فرنسيس قال الكثير من قلب الخليج، وبذلك يكون عمل ما هو أكثر، أي الإشارة الى أن حقوق الإنسان ليست "فَحْطَة" بانتشار الاحتفال بـ "هالوين" في بعض شوارع دول خليجية، بل هي أدقّ من ذلك بكثير، أي تقبُّل الأقليات التي يحويها العالم العربي في كلّ مناطقه وبلدانه، سواء كانت إسلاميّة غير سُنيّة، أو غير إسلاميّة، وصولاً الى حدّ الخروج من حالة الاكتفاء بالإعلان عن اكتشافات أثرية لكنائس وأديرة في دول الخليج، وكأنها إنجاز، الى التعامُل مع افتتاح الكنائس والأديرة هناك مستقبلاً، بشكل طبيعي، وكخبر عادي، وبما يحترم جميع المكوّنات الموجودة في المنطقة العربية.