الابتعاد عن كل ما يرتبط بالهبات النّفطيّة حتى ولو توفّرت
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
لقد حان الوقت، وهذه هي الفرصة الذهبيّة التي يتوجّب أن تواكب السّير العالمي الحثيث نحو الطاقات المتجدّدة، وذلك من أجل التحرُّر ليس فقط من النتائج البيئية والمناخية لمصادر الطاقة الأحفورية، بل للتخلُّص من تبعيّة الاقتصاد العالمي للدول النّفطية، وللأثمان الجيوسياسية والعسكرية التي يتوجّب تسديدها لها من أجل الحصول على النّفط، ولجَعْل تلاعبها بكميات الإنتاج بما يحفظ الأسعار عند الأرقام المُفيدة لها حصراً، مرحلة تقترب من النّهاية الفعليّة.
الاقتصادات الصّغيرة
فالسلوكيات النّفطيّة لأكبر الدول المؤثّرة ضمن مجموعة "أوبك بلاس"، في مرحلة ما بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، تهدف الى دعم تلك الحرب عبر توفير المال للمُحارِب الروسي، الى جانب استغلال الأزمة لإضعاف الغرب باقتصاداته، ولزيادة ثروات أغنى دول منطقتنا التي تدرك أن أيام التبعيّة النّفطية لها باتت معدودة.
وهي صورة تكتمل مع واقع مرير، وهو أن مشاركة دول "أوبك بلاس" في حرب "الكبار" التي تدور على الأراضي الأوكرانية، عبر النّفط، تُساهم في إضعاف الاقتصادات الصّغيرة أصلاً، والفقيرة، أكثر فأكثر، وذلك عبر محاولات الإبقاء على أسعار النّفط مرتفعة ولو بأي ثمن، والى درجة تلويح دول تلك المجموعة ("أوبك بلاس") المستمرّ بالاستعداد لمزيد من تخفيض الإنتاج، في كل مرّة ينخفض فيها الطلب على النّفط.
مصلحة
هذه لعبة مصالح، صحيح. ولكن لا يجوز الصّمت عن سرقتنا، تحقيقاً لمصالح الآخرين. ولتعمل بعض الدّول المُترَفَة والكسولة، والتي ما كانت لتعرف كيفيّة استخراج النّفط من أراضيها أصلاً، وحتى الساعة، لولا الظّروف الاستعمارية وغير الاستعمارية، التي قادت الإنكليز قبل الأميركيين الى مناطقها وبلدانها، قبل عقود من الزّمن، (ولتعمل تلك الدول المُترَفَة...) على تمويل مشاريعها السياحية الضّخمة، ومُدُنها "الذكيّة"، واستعداداتها لعالم ما بعد النّفط، من خارج سرقة أضعف وأفقر البشر على الأرض، ومثل من يلهث خلف استغلال آخر نقطة نفط مُمكِنَة، بأسعار مرتفعة جدّاً، وذلك قبل زيادة التراجُع في الحاجة الى النّفط على المستوى العالمي.
فنزويلا وإيران
القصاص لن يتأخّر، ولكنّه سيستغرق عدداً معيّناً من السنوات بَعْد، قد يتجاوز العَقْد الكامل ربما، بقليل، بحسب أكثر من مصدر مُطَّلِع، قبل التمكُّن من تقليص الاعتماد العالمي على الطاقة الأحفورية بنِسَب "ثورية"، وهو ما يعني تراجُع دور وتأثير دول ومناطق عديدة حول العالم. ويكتمل هذا القصاص، مع تحوُّل أكبر دول "أوبك بلاس" النّفطية الى واحدة من أكبر المُتسابقين على تحقيق الحياد الكربوني، وعلى الاتّجاه نحو "الاقتصاد الأخضر".
ولكن من الآن، والى حين اكتمال صورة القصاص هذا، ما هي الحلول المُمكِنَة للاقتصادات الصّغيرة، والمُحاصَرَة، والفقيرة، ولشعوب البلدان التابعة لها؟ وماذا عن ضرورة رفع العقوبات عن بعض الدول النّفطيّة المُعاقَبَة، مثل فنزويلا وإيران، وهو مسار بدأ بالفعل، وبعضه سرّي، إذ تؤكّد بعض الأوساط أنه لولا أن النّفط الفنزويلي والإيراني في السوق العالمي بالفعل، لكان سعر برميل النّفط أكثر من 100 دولار، بطريقة مُستدامَة، ومنذ أشهر طويلة.
سجالات
وبمعزل عن تعدُّد وجهات النّظر حول خطورة رفع العقوبات عن بعض الدّول، بطريقة غير محسوبة، وتحت تأثيرات الضّغط الاقتصادي العالمي، فإن الأبرز هو ضرورة فعل كل ما يلزم لوقف سرقة شعوب أصغر وأضعف الاقتصادات (ونحن في لبنان من ضمنها)، بذرائع خبيثة كثيرة، فيما الواقع هو أن بعض الدّول (النّفطية) تُميتنا بحجّة تحقيق مصالحها، وتمويل مشاريعها التي تحتاج الى أن لا ينخفض سعر برميل النّفط كثيراً.
لا يمكن تحقيق الكثير على هذا الصّعيد، حتى الساعة. ولكن ما على شعوب العالم كافّة، الراغبة بالتحرُّر من التَبِعَات السياسية للطاقة الأحفورية، ولأسعارها، سوى الإسراع في التوغُّل بالتحوُّل نحو الطاقات النّظيفة، مع تقليص استهلاك النّفط بالحدّ الأقصى، ولو تطلّب ذلك تحمُّل الأفراد (أكثر من الدّول، لأن ذلك أسهل على الشعوب ممّا هو الحال بالنّسبة الى الاقتصادات، والصّناعات) بعض الألم. وإذا كان من حقّ بعض الدول أن تلجم خسائرها عبر تقليص إنتاج النّفط، لزيادة أسعاره، فإنه من حقّنا نحن أيضاً، (وحتى في لبنان صاحب الثروة النّفطية التي ما عاد لديها الكثير من الآفاق مستقبلاً، بحسب أكثر من مُطَّلِع، ورغم "الاحتفالات" الداخلية المستمرّة بالترسيم البحري الجنوبي) أن نسرّع خطواتنا نحو ما يحقّق مصالحنا عبر الطاقات المتجدّدة، وتأمين الاستثمارات اللازمة في شأنها، مع الابتعاد عن كل ما يرتبط بالهبات النّفطيّة، حتى ولو توفّرت، وذلك بما يحافظ على مبدأ السرعة في الانتقال من "عالم طاقوي"، الى آخر. وهو تحوُّل من المستحيل أن يحصل بحسب أكثر المُعطيات تداوُلاً، إلا تحت أثقال الضّغط. وما ارتفاع الأسعار الذي تُعاني منه الشعوب الغربية، على صعيد توفير النّفط، والغاز، سوى المحفّز الأبرز لرميها في عوالم الإسراع نحو الطاقات النّظيفة، والسيارات الكهربائية، من دون سجالات، أو نقاش كبير.