البابا فرنسيس في موسكو وداخل الكرملين... فرصة ذهبيّة لاستعادة الإبن الضالّ | أخبار اليوم

البابا فرنسيس في موسكو وداخل الكرملين... فرصة ذهبيّة لاستعادة الإبن الضالّ

انطون الفتى | الثلاثاء 29 نوفمبر 2022

مصدر: الدّيبلوماسية الفاتيكانية ذكيّة جدّاً وهي لا تخاف من الأميركيين

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

 

طوى العالم في 24 الجاري، صفحة تسعة أشهر من الحرب الروسية على أوكرانيا، التي مهما طال زمنها، فإنه لا بدّ من أن نشهد اليوم الذي سيُعلَن فيه نهايتها. وعندها، ستنقشع الرؤية تماماً، إذ سيزول غبار القذائف والصواريخ.

 

الأحادية

الحرب الروسيّة على أوكرانيا لم تكسر الأحادية الأميركية. وهو أمر تكرّس بعد ثلاثة أسابيع من فشل الجيش الروسي في السيطرة على كييف. فنجاح أوكرانيا كرّس الولايات المتحدة الأميركية كقوّة دولية رقم 1، وحوّل أحاديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن نظام عالمي جديد، وعن نهاية زمن القوّة الأميركية الى "وجهة نظر"، لا أكثر، أقلّه في المدى المنظور.

 

وساطة

وأمام هذا الواقع، باتت التسوية ضرورية لوقف حرب عبثيّة، ما عاد لها أي معنى سوى محاولة الحصول على استسلام أوكراني، عبر قساوة الشتاء، والبرد، وفقدان الكهرباء، والمياه الساخنة... وبالمخارج التي يُمكن للخَصْم الأميركي أو الأوروبي أن يوفّرها في أرض المعركة، في ما لو قرّر (هذا الخَصْم) تقليص أو حتى وقف المساعدات العسكرية والإنسانية عن أوكرانيا، وذلك بعدما تعذّر فرض الاستسلام على كييف بالقوّة العسكرية الروسيّة.

وليست مبالغة إذا قُلنا إن الوساطة الفاتيكانية هي الأكثر فاعلية، مع استعداد "الحبر الأعظم" البابا فرنسيس لفعل كلّ ما يُمكن من أجل وضع حدّ للصراع. وهذا ما يرحّب به الروس في مواقفهم المُعلَنَة.

 

لوائح

ولكن مهما كانت عليه حقيقة النّوايا الروسية، والمخاوف الأوكرانية، فإن البابا فرنسيس أكثر شخصية عالمية تحظى بثقة الجميع، وهو كان أكد الأسبوع الفائت أنه يصلّي من أجل أوكرانيا وحكامها الذين يقع على عاتقهم واجب الحكم في أوقات مأساوية، واتخاذ قرارات بعيدة النّظر من أجل السلام وتطوير الاقتصاد، في ظلّ تدمير الكثير من البنية التحتية الحيوية، مُشيداً (البابا) بقوّة الأوكرانيين في مواجهة الهجوم الروسي، وقائلاً إنهم شعب شجاع، وقوي، ونبيل، وشهيد.

كما يظهر الحرص البابوي على إنهاء الحرب بسرعة، من خلال ما أعلنه السفير الروسي في الفاتيكان ألكسندر أفدييف قبل أسابيع، عن أن تبادل الأسرى الأوكرانيّين مع روسيا، يتمّ اعتماداً على اللوائح التي يرسلها البابا فرنسيس بانتظام.

 

العُمق

وبين الدّعوة البابوية لحكام أوكرانيا بأن يكونوا بعيدي النّظر لتحقيق السلام، وبين رفضه كَسْر أوكرانيا وإذلالها، يبقى البابا فرنسيس أكثر شخصيّة عالمية قادرة على "شفاء" روسيا أيضاً، من عقدة إذلال الغربيّين لها، وعلى تذكيرها بالقِيَم الإيديولوجية والتاريخية المشتركة التي تجمع الشعب الروسي، بالشّعوب الأوروبية.

فالعُمق الإيديولوجي الحقيقي لروسيا هو في أوروبا، لا في آسيا، ولا في الصين، ولا في العالم الإسلامي، وذلك بمعزل عمّا أفرزته الحرب الروسيّة على أوكرانيا من تقارُب نفطي بين موسكو وبعض دول العالم الإسلامي. فالأمور لا تُقاس بالمصالح، ولا بالاقتصادات فقط، بل بالقِيَم أيضاً، ولا بدّ من التذكير بأن عدداً مهمّاً من الروس لا يزال ينظر الى الغرب، لا الى الجنوب الآسيوي، ولا الى الصين، ولا الى العالم الإسلامي.

 

الدّور الأكبر

كما أن لا مجالات واقعيّة لتطوير روسيا إلا بتمكين الشعب الروسي من الوصول الدائم الى التكنولوجيا الغربيّة، والى مصادر العلم والمعرفة في الغرب. ونذكّر في هذا الإطار بأن القيصر بطرس "الأكبر" نجح في تحديث الأمبراطورية الروسيّة، والجيش الروسي، وفي تطوير الإدارة والصناعة والهندسة... في روسيا، بانفتاحه على أوروبا، وعبر إرساله الطلاب الروس الى الجامعات الأوروبية.

هذا فضلاً عن أن روسيا قادرة على تذكير أوروبا بجذورها المسيحية، وبأن الديموقراطية ليست بتشريع "المثليّة الجنسيّة"، وبأن الحرية لا تتأسّس على فقدان القِيَم. فيما يُمكن لأوروبا أن تُقنع روسيا بأن محاربة "المثليّة"، والحفاظ على الهويّة الأرثوذكسية والقِيَم، لا تقوم على إعلان الحروب وإراقة الدماء، لا في أوكرانيا، ولا في سواها، ولا بمنع حريّة الرأي والتعبير داخل المجتمع الروسي، ولا بإقامة أنظمة ديكتاتورية، لا في بيلاروسيا، ولا في أوكرانيا.

فالحرب الروسية في أوكرانيا لن تكون أبدية، ولا بدّ من مصالحة غربيّة - روسيّة، ولا بدّ من الاعتراف بأنه يُمكن للفاتيكان أن يلعب الدّور الأكبر، على هذا المستوى.

 

أدوات تنفيذية

أوضح مصدر واسع الاطلاع أن "الوساطة البابوية في الملف الأوكراني مهمّة جدّاً، ولكنها لا تمتلك الأدوات التنفيذية اللازمة لها حتى الساعة، لأسباب كثيرة، من بينها أن صحة البابا فرنسيس لا تساعده في تحرّكاته الخارجية".

وأكد في حديث لوكالة "أخبار اليوم" أن "الروس يحبّذون وساطة البابا، خصوصاً أن الأوروبيّين يصطفّون في الجانب الأميركي، رغم عدم اقتناعهم بصوابيّة هذا القرار. فالمواطن الأوروبي يُعاني كثيراً من ارتفاع الأسعار، وفي دفع فواتير الغاز تحديداً، التي ارتفعت بمقدار الضّعف عمّا كانت عليه خلال العام الفائت، في دول عدّة، من بينها إيطاليا مثلاً".

 

ديبلوماسية ذكيّة

وشدّد المصدر على أن "الخاسر الأكبر ممّا يحصل هو الشعب الأوكراني، وروسيا أيضاً، بسبب سيطرة الغرب على أرصدتها وأصولها في الخارج. فضَرب روسيا، وإضعاف الصين، هما من ضمن الخطط الأساسيّة للعاملين في مجال الأمن القومي الأميركي".

وأضاف:"الدّيبلوماسية الفاتيكانية ذكيّة جدّاً، وهي لا تخاف من الأميركيين. ولكن مساعي البابا تحتاج الى "قبّة باط" أميركية تجعل الرئيس الأوكراني (فولوديمير زيلينسكي) يقبل بالتوقُّف عن تصعيد المواقف، كطريق لفتح باب النّجاح لأي مسعى حول وقف الحرب".

وختم:"كلّ الأطراف باتت بأمسّ الحاجة الى النّزول عن شجرة الحرب. وكلّما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة (في عام 2024)، كلّما توضّح ذلك أكثر. هذا مع العلم أن المنظومة العامة في الولايات المتحدة الأميركية تقوم على التصارُع مع روسيا، وعلى مساعي تفتيت الإتحاد الروسي".

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار