هل أصبح لبنان عاجزاً عن النموّ؟ | أخبار اليوم

هل أصبح لبنان عاجزاً عن النموّ؟

| الجمعة 09 ديسمبر 2022

الحل موجود شرط تنامي الاحساس الضميري

 "النهار"- مروان اسكندر

التصاريح الدولية سواء من قبل صندوق النقد الدولي منذ عامين أو بنك الإنماء الاوروبي الذي يشارك في ملكية عدد من البنوك اللبنانية أو صندوق النقد الدولي أو ممثلي الدول الغنية أو البنك الدولي الذين اختاروا منذ انفجار المرفأ الانخراط في إنقاذ لبنان...

جميع هذه الهيئات البالغة الاهمية نبهت لبنان الى ضرورة إقرار مشاريع تضبط الادارة وتركز على مفاصل المنشآت العامة، كالطرقات والمطارات والمرافئ والنظام التعليمي والكفاية الغذائية والخدمات الطبية سواء منها في زمن وباء موجة كورونا التي انحسرت أو تفشي الكوليرا من جديد في لبنان علماً بأن انحسار موجة الكورونا تحقق على نطاق دولي مع استمرار اجراءات الاحتراس الشديد في الصين البلد الاكثر سكاناً في العالم والبلد المتمتع بطاقات انتاج هائلة لأدوات اقرار برامج التجهيزات الالكترونية وتنفيذها. المشكلة الاكبر كانت الكهرباء وتوفيرها على افضل وجه وقد طالب البنك الدولي وبنك الانماء الفرنسي، وصندوق النقد، بتأسيس هيئة ناظمة للطاقة ولم تلق المطالبات اي نتيجة.

بداية اغراق لبنان بالمشاكل الاقتصادية والصحية بدأت مع قرار حكومة حسان دياب التمنع عن تسديد قسط فوائد دين اليوروبوند الذي اطلق قبل سنوات وأدى الى تجميع 32 مليار دولار تضاف إليها الفوائد.

تمنّع لبنان عن تسديد فوائد قرض اليوروبوند في آذار 2020 ادى الى تدهور سعر صرف الليرة تجاه الدولار من 1517 ل.ل للدولار الى ما يزيد على 40 الف ليرة لبنانية للدولار سنة 2022. وتعاظمت مخاوف المودعين من خسارة ودائعهم بعد إغلاق المصارف ثلاث فترات تفارقت بين الإغلاق لفترة 15 يوماً والإغلاق لفترتي 10 ايام كل مرة، والبنوك اقرت برامج للسحوبات لاصحاب الودائع تضيق عليهم مجالات كفاية حاجاتهم وحاجات اولادهم للتعليم وتدفئتهم نتيجة برد الطقس في الشتاء وتوسعت حلقات المحتاجين ومظاهر الاعتداءات على البنوك من اجل تحصيل مبالغ مستحقة لأصحابها، وشملت هذه الاعتداءات مرشحة للانتخابات فازت بمقعد في البرلمان وحصّلت مبلغاً رئيسياً لتغطية نفقات شقيقتها في المستشفى. وقد تعددت الاعتداءات على البنوك ويمكن ان تصبح موجة عاتية.

اضافة للمؤسسات الدولية وتلكؤ الدول العربية النفطية عن مساعدة لبنان ما لم تقر اجراءات اصلاحية تبدأ بإقرار انجاز تشكيل هيئة تشرف على شؤون الطاقة تؤلف من خبراء فنيين منزهين عن القضية وكان هذا الطلب الشرط الرئيسي لتوفير المساعدات التي حصل على الوعود حولها لمبلغ 11.2 مليار دولار الرئيس سعد الحريري عام 2018 في مؤتمر سيدر، لكن اجراءات التنفيذ في الادارة، وتحديد الاستهدافات امر لم يتحقق سواء من قبل حكومة حسان دياب الذي ادعى ان حكومته التي تألفت بعد استقالة الحريري انجزت 97% من الاصلاحات وهذا الكلام كان بعيداً عن الصحة وعن التوقعات واسهم في تأجيج اعتراضات المتظاهرين في شهر تشرين الثاني من عام 2020 وكانت ميزانيات البنوك تحتوي على الارقام التالية في شهر تشرين الاول 2019، ما يوازي 155 مليار دولار منها نسبة 75% بالدولار واصبحت ميزانيات البنوك في ايلول 2021 توازي 109 مليارات دولار وانخفضت بنسبة 46% خلال عامين سواء لتغطية حاجات المودعين التي توافرت بتقنين من المصارف حماية لاستمرارهم دون اعلان الافلاس وكانت 7 مصارف تحتوي على 75% من مجمل الودائع، والمصارف، ما عدا التقنين والاغلاق، لم توفر برنامجاً مقنعاً للمودعين.

النتيجة كانت ولا تزال ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض احتياطي مصرف لبنان من العملات الاجنبية والغاء برنامج دعم المستوردات وكان الدعم الاكبر لمستوردات مشتقات النفط لتوليد الكهرباء التي كان يتسرب منها نسبة 30-40% الى سوريا دون تحقيق لبنان منافع من برامج الدعم، وبعد كل ذلك هل من قدرة على تخطي المصاعب واستعادة النمو وتوافر الغذاء للمواطنين؟

ان إمكانات استعادة النمو تستند الى مؤشرات اساسية رغم ان مشكلة الهجرة لأصحاب المواهب والخبرات اسهمت في افقار لبنان من جزء من طاقاته البشرية المميزة، ويقدر عدد المهاجرين خلال عامين بـ200 الف لبناني ولبنانية، فلماذا هنالك امل في استعادة النمو وجاذبية لبنان للاستثمار والزيارات السياحية والفنية والثقافية؟ وقبل البحث في المؤشرات الايجابية يجب القول ان المهجرين قسراً بسبب انحسار الفرص كان من بينهم عدد ملحوظ من المهندسين، وخبراء المعلوماتية، والاطباء والاساتذة على مستويات التعليم الثانوي والجامعي.

المؤشرات الايجابية

استطاع لبنان الحصول على وعد بتقديم 3.5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي مقابل شروط قاسية منها اقرار برنامج ضبط التحويلات من لبنان واليه، علماً بأن الممارسة جارية على هذا الصعيد دون اقرار تشريع يبين بوضوح حقوق الاكتساب من الخارج والتحويلات الى الخارج وحتى تاريخه لم يتحصل اتفاق مع صندوق النقد، ووزارة تسيير شؤون الادارة العامة لا سلطة لديها لاتمام الاتفاق، وبالتالي علينا تفحص مؤشرات نجاح محاولات تمكين لبنان من تجاوز الازمة التي يعاني منها اللبنانيون عموماً والتي تصيب الفئات الكادحة بتحديات شديدة، وتصفيات اصحاب الدخل المتوسط، رغم الزيادات الاخيرة للمعاشات بنسبة 3 اضعاف، بتحديات لا يستطيعون تحملها لفترة طويلة وبالتالي يجب تفحص بعض المؤشرات الايجابية التي تحققت والتي يجري تحقيقها تدريجاً من الهيئات الدولية.

الانجازات

- لقد حقق لبنان انجازاً متأخراً بتوقيع اتفاق مع اسرائيل على تحديد الخط 23 للمياه الاقليمية اللبنانية وكان هذا الامر تحقق منذ عام 2010 لكن كشفه تأخر لحاجة عهد ميشال عون لانجاز، وبعد الاعلان عن الاتفاق ومباركته من "حزب الله" انحسر خطر المواجهة الحربية، و"حزب الله" كان عبر ممثليه في حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2008 قد اعلن عبر اعضائه في الوزارة موافقته على الخط 23 الامر الذي جرى تبليغه لهيئة الامم عام 2010، وبعد انحسار مخاطر المواجهة اصبح مناخ التطوير مناسباً. وقد اعلن عن بدء التنفيذ في ربيع عام 2023 وبإحلال شركة قطرية محل الشركة الروسية التي انسحبت من دور كان يقل 30% من رسملة الشركة المنجزة من توتال، وإيني والشركة الروسية.

- حصل لبنان على قرض ميسر بلغ 1.3 مليار دولار من قسم تسهيل التمويل للبلدان التي تعاني من مصاعب مؤقتة واموال هذا الصندوق متوافرة في ما يسمى حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي علماً بأن ادارة هذا الصندوق Special Drawing Rights محصورة بالدول التي أسهمت بإنشائه ومنها لبنان، ويستطيع لبنان ان يحصل على مبلغ مماثل للقرض الاول عام 2023 اي ما يوفر للبنان 2.6 مليار دولار بالنتيجة مقابل 3.5 مليارات دولار على اربع سنوات من صندوق النقد.

- ابلغت سلطات هيئة الامم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ان مساعدات هيئة الامم للنازحين السوريين وللبنان ستبلغ على مدى ثلاث سنوات 5.4 مليارات دولار اي ان المبلغ الذي ينقسم بالتساوي بين لبنان والنازحين السوريين سيوازي 900 مليون دولار سنوياً. وفي الوقت ذاته اعلن ان عدد النازحين السوريين بلغ بنهاية عام 2022 حوالى مليوني نازح.

- المساعدات الاميركية المقدرة تبلغ 500 مليون دولار منها 300 مليون دولار للجيش و150 مليون دولار للجامعة الاميركية و50 مليون دولار للجامعة اللبنانية الاميركية وجامعة الـNDU وقد اضيفت للمساعدات الحكومية الاميركية 100 مليون دولار لمساندة المشاريع الصغيرة، وخدمات التعليم في المناطق الجبلية ومساعدة تطوير الزراعة.

يضاف الى هذه المساعدات البالغة 2.8 مليار دولار في سنة مقابل توقع مساعدة صندوق النقد الدولي بما يساوي 900 مليون دولار سنوياً على 4 سنوات، وبالتالي ما تحصل افضل مما نسعى إلى تحقيقه بكل جهد دون التوصل الى نتائج حتى تاريخه.

يضاف الى الارقام المدرجة ان كثافة زيارة اللبنانيين من البلدان الغربية والعربية في الصيف المنصرم وفرت 4.5 مليارات دولار تم تحويلها وبالتالي يمكن توقع ان تبلغ ارقام التحويلات من الخارج عام 2022 اكثر من 8 مليارات دولار وهذا رقم جيد.

توافرت مساعدات غذائية من مصر والسعودية وقطر وتوافرت من قطر مساعدة على مستوى 60 مليون دولار قد ترتفع الى 100 مليون دولار لتأمين تغذية الجيش وقوى الامن.

اصبح لبنان بحاجة الى تأسيس صندوق وطني للإسهام في التغلب على الازمة ويمكن تخصيص الصندوق بموجودات مؤسسات عامة أو هي مملوكة بنسبة ملحوظة من القطاع العام، ومن ثم ادخال حقوق لنسبة من الودائع الى هذا الصندوق الذي يسير بإشراف مجلس ادارة مقتدر وربما تشمل موجودات الصندوق الوطني اسهماً في مؤسسة الريجي التي تحقق في تأمين مداخيل لـ25 الف مزارع يمكن ان تستقطب مساهمة ملحوظة من شركات التبغ العالمية خاصة أن المانيا وولاية كاليفورنيا سمحتا باستهلاك حشيشة الكيف التي كانت خلال حقبة السيطرة السورية على البقاع من اسباب ازدهار المنطقة وتكاثر عدد الفيلات الفخمة.

ويجب ان يحتوي الصندوق اسهم شركة انترا للاستثمار التي يملك القطاع العام غالبية اسهمها وعدد من المساهمين البقية تنتج وهي تملك اكثر من 900 الف متر من الاراضي الصالحة للبناء في مواقع جميلة كما تملك اسهم كازينو لبنان.

والمجال مفتوح لتمليك أو تولي ادارة مرفأ طرابلس لمساهمين في الصندوق الوطني، ومطار رينه معوض الذي يحتاج الى ترميم بسيط ومن بعدها يمكن البحث في اشراك الصندوق في ملكية طيران الشرق الاوسط التي يملكها مصرف لبنان، ولا ننسى ربما تخصيص اعادة اعمار وادارة مرفأ بيروت التي قد تحول الى الصندوق الوطني. ويجب ان لا ننسى امكانية تخصيص قطاع الاتصالات الذي بإمكانه ان يدر على لبنان اكثر من 5 مليارات دولار واستعداد شركات عالمية لدخول السوق اللبناني وبالتالي تحديث الخدمات لمستويات عالمية. وبالامكان زيادة مداخيل الاتصالات بمليار دولار سنوياً في حال تسريح 500 موظف حازوا وظائفهم لانتسابهم الحزبي.

اضافة إلى كل ذلك يمكن خلال سنة زيادة انتاج الطاقة بواسطة الالواح الحرارية بما يساوي 300 ميغاواط وحتى يمكن في حال تحسين ادارة مصلحة كهرباء لبنان الاعتماد على تجهيز لبنان بما يمكن من انتاج الف ميغاواط بواسطة الالواح الحرارية، وفي حال انشاء الصندوق الوطني بسرعة يمكن تشجيع شركات لبنانية على الاشتراك في انجاز وتشغيل محطة كهرباء كما حدث في زحلة، ونشير الى ان شركة BUTEC اللبنانية تملكت ثلاث محطات كهربائية في بلدان افريقية من شركة فرنسية وانجزت أخيراً في شمال افريقيا محطة بطاقة 30 ميغاواط حازت جائزة افضل محطة حديثة على مستوى خفض التلوث.

يضاف الى الامكانات المذكورة فرصة اعادة انجاز المصفاتين في طرابلس والزهراني بطاقة 8 ملايين طن سنوياً. ومعلوم ان العالم بحاجة الى مصافٍ وان امكانات استقطاب الاستثمار في المصافي متوافرة من الشركات المشاركة في التنقيب ومن مساهمين لبنانيين، وحينئذٍ وبعد سنتين نحقق فورات في اكلاف استيراد المشتقات النفطية توازي مليار دولار سنوياً وبالتالي مع حصيلة تخصيص الاتصالات ووفوراتها ومساعدات هيئة الامم على مدى 3 سنوات واستقطاب استثمارات للمصفاتين يحقق لبنان دخلاً يفوق بكثير عائدات قرض صندوق النقد الدولي ونستعيد الثقة المفقودة وبالتالي نتجاوز اقرار الـCapital Control.

لبنان لم يفقد القدرة على النمو شرط تنامي الاحساس الضميري لدى ممثلي الشعب اللبناني والسفيرة الاميركية في زيارتها الاخيرة لرئيس الوزراء صرحت بأن فرص انقاذ لبنان من اوضاعه السيئة ما زالت ممكنة اذا لعب النواب الجدد دور التجديد وحثوا زملاءهم على مجاراتهم.

انجاز توسيع نشاطات مؤسسات ناجحة وتحسين ادارة مؤسسات اما مهملة مثل مصافي النفط في طرابلس والزهراني أو هي تدار دون كفاءة امر ضروري للإسهام في اخراج لبنان من مناخ الاستسلام للفشل. وبالفعل سيبدأ برنامج بتحويل صورة لبنان الى صورة جاذبة للاستثمار والتمتع بمزايا لبنان الطبيعية لانقضاء ثلاث سنوات يتابع بعدها لبنان النمو ويتجاوز المستويات المحققة سابقاً.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار