"التيار" أمام خيار صعب: إمّا السكوت والرضوخ للأمر الواقع
طوني عيسى - الجمهورية
بالتأكيد، يستعد الرئيس نجيب ميقاتي لعقد جلسة جديدة لحكومة تصريف الأعمال. فالذرائع التي تمَّ استخدامها لعقد الجلسة السابقة جاهزة للاستخدام مجدداً في أي لحظة. ويَتوقع البعض أن يكون الموعد التالي قريباً. ومع الجلسة سيرتفع مستوى التحدّي بين طرفي المواجهة: ميقاتي و»الثنائي الشيعي» من جهة، و»التيار الوطني الحرّ» من جهة أخرى.
لم يتورّع رئيس «التيار» جبران باسيل عن القول، بعد جلسة الإثنين، إنّ دور ميقاتي محدود، وإنّ المشكلة ليست معه تحديداً، بل هي مع الذين «يُشغِّلونه». وربما يكون هذا كلامه الأكثر حدَّة في مخاطبة الحليف «حزب الله»، ولو لم يسمِّه في شكل مباشر.
ولكن، وعلى رغم كل هذا «الصراخ»، ما زال كثيرون يشككون في جدّية المواجهة بين الحليفين الماروني والشيعي. وفي أي حال، هم يعتبرون أنّ خلافهما- وإن كان جدياً- لن يصل إلى القطيعة، لأنّ للطرفين مصالح متبادلة. فـ»الحزب» من دون «التيار» يخسر غطاءه الطوائفي الشامل وينحسر إلى القوقعة الشيعية. وأما «التيار» فلن يجد مكاناً أفضل له، إذا خرج من الاصطفاف إلى جانب «الحزب».
أصحاب هذه الفرضية يعتقدون أنّ الطرفين سيجدان في النهاية سبيلاً للحفاظ على «التفاهم»، مهما اختلفا. بل إنّ البعض ما زال مقتنعاً بفرضية أن باسيل هو ورقة «الحزب» الرئاسية المستورة لا فرنجية، وأن الخلاف الدائر اليوم بين الطرفين يخدم باسيل ويرفع من رصيده لدى الخصوم في الداخل والخارج، إذ يثبت لهم أنه ليس «تابعاً» لـ»الحزب».
ولكن، إلى أن تظهر دلائل إلى صوابية هذه القراءة، فالظاهر هو أنّ العلاقات بين الحليفين يشوبها أقصى التوتر، بل هي تقترب من الانفجار. فلا «حزب الله» راعى «التيار» بتجنّب انعقاد جلسة للحكومة، ولا «التيار» مُستعدّ لمراعاة «الحزب» بقبول رئيس «المردة» سليمان فرنجية مرشحاً رئاسياً.
ويبدو «التيار» في صَدد التحضير للردّ على «الحزب» في شكل تصاعدي. وأول الغيث جاء في الجلسة التاسعة المخصّصة لانتخاب رئيس للجمهورية، إذ تَقصّد النواب «التياريون» دعم النائب ميشال معوّض ليتساوى بالأصوات مع «الورقة البيضاء». ولو صَوَّت بعض نواب «التكتل» لمعوّض، بدلاً من قيامهم بمناورة التصويت بين «ميشال» و»معوّض»، لربما رجحت الكفّة لمصلحة الرجل في الدورة الأولى، ولو أن ذلك لا يحقق له الفوز بالرئاسة.
طبعاً، معوّض نفسه يدرك حدود اللعبة. وهو يعرف أن نواب عون وباسيل لن يستفزّوا «الحزب»، ولن يتجاوزوا حدود «الزكزكة»، حتى الآن على الأقل. وعلى الأرجح، هذا السقف سيلتزمه «التيار» في الاستحقاقات الداهمة كافةً، من جلسات الرقابة والتشريع في المجلس النيابي إلى «جلسات» الحكومة المستقيلة.
عندما يدعو ميقاتي إلى الجلسة المقبلة للحكومة، سيضع «التيار» أمام خيار صعب: إمّا السكوت والرضوخ للأمر الواقع، وإما النزول إلى ساحة المعركة بكامل ثقله، وهذا هو الأرجح، لأنّ السكوت هنا يعني الهزيمة والانكفاء السياسي.
على المستوى السياسي - الدستوري سيطلق «التيار» حرباً شرسة لإسقاط القرارات التي تتخذها الحكومة المستقيلة، باعتبارها غير شرعية، لأنها تخالف النص الدستوري القائل إنّ مجلس الوزراء كاملاً يتولّى صلاحيات رئيس الجمهورية عند خلوّ الموقع. وهذا يعني أن أعضاء المجلس جميعاً يجب أن يوقّعوا أي قرار يصدر عنه.
وفي موازاة هذه الحملة السياسية - الدستورية، يتحدث البعض عن فكرة يتم تداولها في بعض أوساط «التيار»، وتقضي بخوض مواجهة نارية داخل قاعة مجلس الوزراء، في الجلسات المقبلة التي سيدعو إليها ميقاتي، وبعد اكتمال النصاب فيها.
فإذا كان «التيار» قد اعتمد على الوزير هكتور حجار وحده للتجرّؤ ومحاولة تعطيل الجلسة السابقة، والحؤول دون التمادي في الخلل الدستوري والميثاقي، فإنّ الجلسات المقبلة قد تشهد تطورات دراماتيكية، إذ يدخل العديد من الوزراء الرافضين أو يدخلون جميعاً إلى قاعة الجلسة، فـ»يقتحمونها» بالمعنى السياسي، ليكون تأثيرهم أكبر.
إذا حصل هذا السيناريو، فسيعني ذلك أنّ المواجهة بين «التيار» و»الحزب» وحلفائه مفتوحة على المزيد من المفاجآت، مع ما ستتركه من انعكاساتٍ ساخنة على الواقع المشحون في البلد.
فالملامح الأولى لردود باسيل على «حزب الله» انطوَت على رغبة في «الردّ» والرفض «انتحارياً». وأما «الحزب» فللمرة الأولى بَدا عديم الاكتراث باعتراضات حليفه الماروني. فهل هي «غيمة خريف» فعلاً أم انّ البلد يستعدّ لمرحلة جديدة من الصراع السياسي والطائفي؟ وما أفق هذه المواجهة؟