"فاعل خير" على شاشات التلفزيون... "شيطان أنيق" ولو وهب أمواله كلّها... | أخبار اليوم

"فاعل خير" على شاشات التلفزيون... "شيطان أنيق" ولو وهب أمواله كلّها...

انطون الفتى | الجمعة 23 ديسمبر 2022

البابا فرنسيس حذّر ونبّه

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

في الليالي التحضيرية للميلاد، لا يسعنا إلا التوقُّف أمام وجه المسيح، إله الآلهة، ورب الأرباب.

ميلاد المسيح ليس "ميلاد النّور". ونور المسيح لا بَدْء له، ولا نهاية له، حتى وإن حلّ متجسِّداً في زمننا الحسّي. وهو نور يرتفع ويزداد رِفعةً وإشراقاً، مهما حاول كثيرون سجنه في أساطير، أو في نتاج عقل بشري. وما الأساطير والحضارات القديمة التي بنَت إيديولوجيّاتها على النّور، سوى نتاج لاوعي بشري خائف، ينشد نور مسيح الرب، منذ ما قبل تجسُّده في الزّمن.

 

النّور

فنور المسيح ليس دورة شمسيّة سنوية نحتفل لها، بل هو ذاك القادر على تغيير الأجساد، وتطهيرها، وتحويلها الى كيانات لامعة وقادرة على أن تسبح بحريّة في كل مكان. كيانات أشدّ إشراقاً من إشراقات الأجسام التي تسير في الفضاء، وأكثر لمعاناً من أجساد الملائكة الأحرار.

نور المسيح إبادة للّعنة في النّفوس والأرواح والأجساد، وهو "استحمام" بالنّعمة، وعطر لا يزول، وانعتاق، ونهوض من الخطيئة، وقيامة. وهذه خبرات تُعاش، ولا تُعَلَّب في كتب، أو أبحاث، ولا يُمكن تعليمها في مدارس، ومعاهد، وجامعات.

 

تحذير

نتذكّر في تلك الليالي التي نستعيد فيها مفاعيل ميلاد المسيح، كلّ أولئك الذين أذلّتهم وتذلّهم خطاياهم في أجسادهم. ولكن لا يسعنا سوى أن نتوقّف أمام التحذير الذي أطلقه "الحبر الأعظم" البابا فرنسيس، خلال تحيّة عيد الميلاد السنوية التي وجّهها الى الكوريا الرومانية.

فالبابا حذّر العاملين في الفاتيكان من "شيطان أنيق" يكمن بينهم، وهو يركّز على الأشخاص أصحاب الأسلوب الصّارم، والأكثر قداسة.

وأشار البابا الى أن هؤلاء ليسوا بعيدين من اللّوم، إذ يمكنهم الوقوع بسهولة في إغراء التفكير بأنهم أفضل من الآخرين. وأكد البابا أن هذا هو "الشيطان الأنيق"، الذي لا يدخل بصوت عالٍ، بل يأتي والأزهار في يده.

 

"أنْجَلَة جديدة"

نذكّر في هذا الإطار، بأن مجهوداً كبيراً تبذله الكنيسة منذ أيام حبرية البابا الفخري بينيدكتوس السادس عشر، لتحقيق "الأَنْجَلَة الجديدة". وهو هدف يُعنى بالمسيحيّين، لا بسواهم من شعوب الأرض، وذلك بعدما بات عدداً كبيراً منهم بحاجة الى تبشيره بالسيّد المسيح من جديد، وبمجهود يفوق ذاك الذي يُبذَل لتبشير الشعوب غير المسيحية.

فـ "الأَنْجَلَة الجديدة" هي تذكير بضرورة إعادة قراءة الإنجيل المقدّس، والبحث عن سُبُل تقوية الإيمان بالمسيح، والامتناع عن الخطيئة، وذلك من خلال العودة الى المسيح. وهو مسار اضمحلّ كثيراً بسبب غرق المسيحيّين في أشواك هذا العالم.

 

عبادة

يلفتنا في زمن ميلاد المسيح، كيف يشارك بعض المسيحيّين بأعمال الظلام، لا سيّما من مستوى الرّكون الى ذواتهم، وتقديسها، وتمجيدها، الى حدّ عبادتها، ومن دون أي شعور فعلي بعبادتهم لذواتهم، بدلاً من عبادة المسيح.

وبأمثلة من يومياتنا وليالينا اللبنانية، يستوقفنا كيف أن بعض من يجهدون بالكذب منذ ثلاث سنوات، عبر تأكيدهم أنهم فقدوا أموالهم في المصارف بعد أزمة عام 2019 كسائر الناس، (بعضهم) يُعلنون عن رغبتهم بمساعدة هذا الفقير، أو المريض، أو... ذاك، أمام الناس أجمعين، على الشاشات، وبمبالغ لا بأس بها تصل الى آلاف الدولارات.

 

طقوسيّات

فهؤلاء لم ينتبهوا الى كذبهم السابق حول خسارة كامل أموالهم في المصارف، والى أن ذاكرة بعض اللبنانيين قد تكون مقبولة، وذلك بسبب عُجب آخر فتك بهم، وهو مظهر "فاعل الخير". وفعل الخير لديهم هو نوع من أنواع "الشياطين الأنيقة" التي حذّر منها "الحبر الأعظم"، حتى ولو وهبوا أموالهم كلّها.

وتزداد التحذيرات المختلفة، بالنّسبة الى المسيحيّين الغارقين بالسلطة، والمال، وبالطقوسيات الدّينيّة على حدّ سواء، لا بحثاً عن جوهرها وعن النّعمة الإلهيّة التي فيها، بل عمّا يُرضي نظرتهم لذواتهم، وذلك مثل من يجمع قشور الفواكه، بدلاً من الاستفادة من لبّها.

 

هيرودس الظُّلمات

فالطقوس الإيمانية ضرورية، لأنها تعبير من مخلوق (الإنسان) تجاه خالقه (الله). ولا قيمة لحبّ خالٍ من تبادل الورود، أو الهدايا، أو الدّعوات الى العشاء... وهذه كلّها تعبير من حبيب لحبيبه، ومثلها مواظبة المؤمن على القدّاس الإلهي، والصلاة... كفعل محبّة، واحترام، وعبادة... لله. ولكن كم من حبيب يفعل كل ما سبق ذكره لإخفاء خيانته، أو انطلاقاً من شعور بذنب خيانة الشريك.

وبالتالي، كم من مسيحي مُعجَب بتعصّبه لطقوسيّته الدينية، تحت ستار الحرص على الإيمان، فيما تنبع طقوسيّته وتعصّبه في الأساس من عنف، أو من سرقات، أو جرائم، أو ممارسات جنسيّة... ومن خطايا لا نيّة بالتوبة عنها، وذلك بدلاً من أن تكون اندفاعاً لنشر روح المسيح في هذا العالم المُظلِم؟

البابا فرنسيس حذّر، ونبّه. والقرار الأسهل والأصعب في آنٍ معاً، هو السّير في طريق المجوس مع نجم المشرق، وصولاً الى المسيح اللّامع بنوره في عتمة المغارة، وهرباً من هيرودس الظُّلمات اللامع بالأنوار الحسيّة في قصره.

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار