عام 2022 أبدع في إرهاق اللبنانيين وإفقارهم | أخبار اليوم

عام 2022 أبدع في إرهاق اللبنانيين وإفقارهم

| الجمعة 30 ديسمبر 2022

ارتفاع سعر صرف الدولار خطف الأضواء وأربك "المركزي"


 "النهار"- سلوى بعلبكي

يودع اللبنانيون عاماً حافلاً بأزمات غير مسبوقة في تاريخهم السياسي والاقتصادي المعاصر، فالبلاد في حالة شلل كلي، ولا رئيس للجمهورية، أو حكومة شرعية، فيما المؤسسات يتهاوى أداؤها واحدة تلو الأخرى، أما الخوف الاكبر فهو أن تنزلق الأمور الى فوضى أمنية بدأت بشائرها بزيادة أعمال السرقة والاعتداءات المسلحة.

عام وُصف بأنه أسوأ الأعوام المثقلة بالخيبات المتتالية... عام لم يكن الأسوأ اقتصادياً ومالياً في تاريخ لبنان فحسب، بل كان من الأعوام التي أبدعت في إرهاقهم وإفقارهم ورميهم في منافي الضياع والخوف والحيرة.

زادت في العام الراحل أعباؤهم، واستمرّ التضخّم بالتهام مدّخراتهم، مع تفاقم أزمة الليرة، وارتفاع سعر صرف #الدولار، وتعزز فيه قلقهم على غد انحسرت الآمال به، وفقدت أدنى مقوّمات العيش الكريم، فضلاً عن تدهور الخدمات الصحية والاستشفائية، في القطاعين العام والخاص.

سنة "لئيمة" جعلت التشرّد في بلاد الله الواسعة، إن تمكن من الاستحصال على جواز سفر، أمنية كل لبناني، والمغامرة في قوارب الموت خلاصاً، مهما غلا ثمنه، وتحوّل الجوع والفقر وفقدان جميع مقوّمات الحياة الكريمة، سمة اللبنانيين، المبتلين بطبقة سياسية تفوح من كراسيها روائح التنكر لأبسط قواعد وأصول السلوك الإنساني والأخلاقي والأدبي.

لا شك في أن عام 2022 هو عام التخبط السياسي والاقتصادي بامتياز، تعمقت فيه الازمة الاقتصادية على مختلف الأصعدة لتتسارع فيه وتيرة الانهيار وتنزلق معه معظم المؤشرات الاقتصادية باتجاه القعر، هو عام الإنكار والتراخي المتعمد من أصحاب الشأن، إنكار الإصلاحات الهيكلية المطلوبة لفرملة الانزلاق وتفكك المؤسسات التي دخلت في مرحلة من الموت السريري لفترات طويلة من عام 2022. هو عام القرارات العشوائية وغير المدروسة لناحية رفع الضرائب وفي مقدمها الدولار الجمركي، فاقمت من نسب التضخم التي قضمت ما بقي من قدرة شرائية لشريحة واسعة من اللبنانيين وفاقمت معها نسب الفقر. هو عام رفع الدعم الكامل أو التدريجي عبر منصة صيرفة، من قبل مصرف لبنان، عن معظم السلع الأساسية من مواد غذائية ومحروقات وأدوية وقمح وصولاً إلى تسعيرة الاتصالات وختامها مع تسعيرة الكهرباء الجديدة مع نهاية عام 2022، وفق الأمين العام المساعد لاتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو.

قانصو: عام التخبّط الاقتصادي
في التفاصيل، طغى مشهد التدهور الكبير في سعر صرف الدولار على عام 2022، وذلك من 27 ألف ليرة في نهاية عام 2021 إلى ما يقارب 48 ألف ليرة قبل أيام قليلة من انتهاء عام 2022، نجم في الدرجة الأولى وفق ما يقول قانصو عن "الطلب الكبير على الدولار وهو ما تجلّى من خلال حجم الاستيراد اللافت الذي بلغ 18 مليار دولار في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام، من 13.4 مليار دولار في عام 2021. يضاف إلى ذلك، عمليات شراء الدولار أكان من بعض المضاربين أم تجار العملة أم المهربين، أم عمليات شراء الدولار من قبل المصرف المركزي الذي عوّدنا منذ ما يقارب العامين على خطوات استباقية، تلخّصت بعمليات شراء منظّمة للدولار الأميركي من السوق السوداء، تنجم عنها ارتفاعات صاروخية في سعر الصرف، ليعاود المركزي ضخها من جديد في محاولة منه للجم سعر الصرف وضخ أحجام كبيرة من الليرات نجم عنه ارتفاع كبير في حجم النقد المتداول بحدود 30 ألف مليار ليرة خلال العام لتمويل هذه العملية. وهو ما أسهم مباشرة في استنزاف احتياطيات مصرف لبنان الأجنبية بقيمة 3.2 مليارلا دولار منذ بداية العام حتى منتصف أيلول، قبل أن يعززها مجدداً بحوالي 700 مليون دولار خلال الفصل الأخير من العام.

ولكن هذه السياسة، برأي قانصو، "عادة ما تسهم في خفض سعر الصرف إلى مستويات أعلى من المستويات التي سجّلها في مراحلة سابقة قبل أن يعاود ارتفاعه إلى مستويات قياسية جديدة بعد فترة زمنية من التأقلم النفسي مع هذه المستويات الجديدة. ولكن لا شك في أن هذا التدخّل من المركزي على 3 مراحل خلال عام 2022 (كانون الثاني وأيار وكانون الأول) أسهم نسبياً في لجم تفلت سعر الصرف الذي كان من الممكن أن يصل إلى مستويات أكثر ارتفاعاً في ظل غياب الحلول الجذرية من قبل الحكومة. وتالياً ينبغي التفريق هنا بين مسار سعر الصرف على "مدى متوسط" وبين تقلبية سعر الصرف على "مدى قصير"، فالمسار تحكمه تقلبات دورية قصير الأمد مثل العوامل السياسية، تشكيل حكومة، فراغ حكومي أو رئاسي، تعاميم وإجراءات من هنا وهناك، ولكنها لا تستطيع أن تغيّر في مساره على المدى المتوسط والطويل، ما يعني أن أي خطوات استباقية سرعان ما ستتبدّد مفاعيلها إن لم تترافق مع خطوات إصلاحية جريئة وجدّية تصحّح الاختلالات البنيوية الاقتصادية المتحكّمة هي وحدها في مسار سعر الصرف واستدامته".

وكان للقرارات العشوائية التي أقرتها الدولة اللبنانية، حيال رفع الرسوم والضرائب وفي مقدمها الدولار الجمركي مروراً باحتساب تعرفة خدمات واشتراكات الاتصالات الخلوية على أساس سعر منصة صيرفة، وقع كبير على رفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وتالياً المزيد من إفقار الناس في ظل حرمانهم من أي شبكة أمان اجتماعي ومن دون الاهتمام بتأمين الاحتياجات الرئيسية اللازمة لأبسط مقومات المعيشة، ولا سيما مع رفع الدعم من "المركزي" الذي انطلق قطاره رسمياً في عام 2022 ليشمل معظم السلع المدعومة، ما أسهم تالياً في ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين بحدود 108% منذ بداية عام 2021 حتى نهاية شهر تشرين الثاني، ليسجل بذلك لبنان إحدى أعلى نسب تضخم مفرط في العالم وصلت إلى حدود 1,600% (أي 17 ضعفاً) خلال السنوات الثلاث المنصرمة".

الى ذلك شكل إقرار الموازنة العامة في شهر تشرين الثاني من عام 2022، تطوراً جيداً ومطلباً اقتصادياً، بدلاً من الإنفاق على القاعدة الاثني عشرية التي أوجدت فوضى مالية ملحوظة منذ عام 2006، حين كان يدار البلد بدون موازنة عامة. ولكنها للأسف، وفق قانصو، موازنة بعيدة من حيث الشكل والمضمون، عن موازنة بلد على شفير الإفلاس، و"كأن من صاغ المشروع تناسى تماماً حدّة الأزمة الاقتصادية وتداعياتها على الواقع المعيشي المؤلم، لا بل تضمّنت الموازنة عدداً كبيراً من البنود الضريبية، وافتقرت تماماً إلى الإصلاحات الهيكلية التي تهدف إلى ترسيخ مناعة الاقتصاد الوطني وقطاعاته المالية على المدى المتوسط والطويل".

والأهم أن عام 2022 شهد مماطلة متعمدة في إقرار القوانين والإصلاحات الضرورية من السلطات المعنيّة بعد مرور 3 سنوات على اندلاع أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ لبنان الحديث، وهو ما تجلى تحديداً من خلال المماطلة في إقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول، نتيجة التجاذبات السياسية الداخلية المستمرة، ما أفقده اليوم فعلياً الدور الأساسي الذي كان يجب أن يؤديه مباشرةً بعد نهاية عام 2019، ألا وهو ضبط حركة الأموال من لبنان إلى الخارج للحفاظ على حقوق المودعين، وبرأي قانصو "كان يجب أن يقر المشروع إجراءات وتدابير استثنائية ومرحلية مباشرة بعد 17 تشرين 2019، تهدف إلى وضع ضوابط موقتة تشكل في الوقت نفسه حمايةً لحقوق المودعين وتعزيزاً لقدرات المصارف على القيام بواجباتها، مع حرية التصرف بالتحويلات الجديدة الواردة من الخارج من دون أية قيود، ما يعيد الثقة تدريجاً بالقطاع المالي اللبناني. إلا أنه اليوم ومع بقاء نحو 10 مليارات دولار لدى المصرف المركزي، فقد بات إقرار مشروع "الكابيتال الكونترول" اليوم حاجة على ما يبدو لضمان معاملة عادلة لجميع الزبائن والحد من المخاطر القانونية تجاه القطاع المصرفي أكثر منه للحفاظ على حقوق المودعين الذين تبخّرت ودائهم بالعملات الأجنبية بما يوازي 90%".

ولعل من الأهمية الإشارة الى أن "إتمام عملية ترسيم الحدود في تشرين الأول حمل في طياته نفحة أمل في ظل المآسي الاقتصادية والاجتماعية التي يشهدها لبنان، ولكن شرط أن يتطلب عدداً من الإجراءات المتمثلة بداية بانتخاب رئيس جمهورية، ما يعني برأي قانصو "تحسناً ملموساً على صعيد المناخ الداخلي العام، يليه تشكيل حكومة سريعاً تفعّل عجلة الإصلاحات الهيكلية الضرورية الكفيلة بتعزيز عامل الثقة عموماً، مع ما يمثل ذلك من حجر أساس لاستعادة إنتاجية المؤسسات اللبنانية من جهة، كما يتطلب انحساراً تدريجاً للعوامل الإقليمية المعاكسة ذات التداعيات السلبية على الساحة المحلية من جهة أخرى، كي يتحقق الانفراج الاقتصادي المنشود، الذي يحتاج باختصار إلى توافر عدد من العناصر المترابطة لضمان نجاحه، تعزيز عامل الثقة من خلال حكومة ذات مصداقية وقادرة على تطبيق ما يلزم من إصلاحات، عامل الوقت لتُترجم هذه الإصلاحات بشكل فعلي ونبدأ بقطف ثمارها، والأهم من كل ذلك صدق النيات بين مختلف الأفرقاء السياسيين لضمان المناخ المؤاتي من الاستقرار السياسي والأمني".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار