طبارة: الغرب والروس يضعان قواعد لعبة المواجهة بينهما بدقّة
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
قد يكون 11 كانون الثاني 2023 ذكّر العالم بيوم 11 أيلول 2001، وبالبلبَلَة التي عاشتها الولايات المتحدة الأميركية في تلك السنة. ولكن ليست مبالغة إذا قُلنا إن العطل الذي شلّ حركة الرحلات الجوية من أميركا وإليها لعدّة ساعات أمس، قد يكون أشدّ خطورة من أحداث "11 أيلول"، وذلك رغم أنه ليس حدثاً دمويّاً.
"هجوم شامل"
فرغم أن لا تأكيدات حتى الساعة حول الأسباب الكاملة لهذا العطل، بموازاة إظهار إصرار أميركي واضح على استبعاد فرضيّة الهجوم الإلكتروني، انطلاقاً من أن ذلك يرتّب نتائج لا أحد جاهزاً لها، ولا حتى حلف "الناتو" نفسه، إلا أن بعض الملموسات الأخرى التي رافقت "العطل الأميركي" أمس، تُظهر وكأن الغرب تعرّض لـ "هجوم شامل"، خلال ساعات قليلة.
كندا وبريطانيا
ففي سياق متّصل، أعلنت كندا أن العطل الذي شلّ حركة الطيران في الولايات المتحدة تكرّر لديها، ولكن من دون أن يؤثّر على حركة الطيران، ولا على إحداث تأخير في الرحلات.
وفي بريطانيا، أعلنت هيئة خدمات البريد الملكي أنها واجهت اضطراباً شديداً في خدمات الإرسال الى الخارج أمس أيضاً، بسبب ما قالت إنه "حدث سيبراني"، وذلك بعد ساعات من تعطُّل حركة الملاحة الجويّة في الولايات المتحدة.
فهل ان ما حصل في أميركا، وكندا، وبريطانيا أمس، هو من باب الصّدفة، أم له علاقة بالحرب الروسيّة على أوكرانيا، وبالمواجهة بين "الناتو" وموسكو فيها؟
الردّ؟
وهل ان هجمات الأمس في الغرب، هي الخطوة الروسيّة "2"، بعد ضربات صاروخيّة روسيّة على أوكرانيا، أصابت بشظاياها بولندا في تشرين الثاني الفائت (وهي أراضي "الناتو")، بما قيل إنه صاروخ من الدّفاعات الجوية الأوكرانية؟ وهل ان عَدَم الإفصاح عن بعض الأمور، هو لتفادي حرب عالمية لا أحد جاهزاً لها، ولا أحد يريدها؟
وماذا عن الردّ الغربي المُحتمَل على "أحداث" أميركا وبريطانيا وكندا بالأمس؟ فبعد "شظايا" بولندا، تكثّفت الاختراقات الأوكرانية لأهداف داخل الأراضي الروسيّة، وصلت الى حدّ القاذفات الاستراتيجيّة الروسيّة، فكيف سيغضب الغرب على الروس هذه المرّة؟
وماذا لو دخل الفضاء مستقبلاً، كمسرح من مسارح التصارُع بين "الناتو" والروس، أو حتى بينه وبين روسيا والصين، عبر تجارب أو ضربات صاروخية في الفضاء، تدمّر بعض الأقمار الاصطناعية مثلاً، أو تؤثّر على أهداف مدنية وعسكرية على الأرض، وذلك على وقع التدرُّج في توسيع رقعة الصّراع من أوكرانيا، مروراً بأوروبا الشرقية (بولندا وحتى مولدوفا عبر انقطاعات في الكهرباء...)، وصولاً الى الغرب (هجمات سيبرانيّة كبرى ومُكثّفة مثلاً)، ومن بعده الفضاء الأوسع ربما؟
قواعد اللّعبة
أشار سفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبارة الى أن "هناك حرباً غير مباشرة بين "الناتو" والروس، تظهر بنوعيّة وكميّة الأسلحة الغربية المُقدّمة لأوكرانيا، وبالمساعدات اللّوجستية، وببعض الضربات الدّقيقة التي ينفّذها الجيش الأوكراني ضدّ الجيش الروسي، والتي هي بقدرات وخبرات وبمساعدة من الجيوش الغربية".
ولفت في حديث لوكالة "أخبار اليوم" الى أن "لا شيء يمنع عملياً دخول الهجمات السيبرانية على خطّ المواجهة. فتلك الخروق تحصل منذ ما قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، وهي وصلت الى حدّ الاتّهام المتكرّر لروسيا بالتدخُّل في الانتخابات الأميركية. وبالتالي، يدخل المجال السيبراني من ضمن قواعد اللّعبة الموضوعة لتلك المواجهة، مع الحرص على إبقائها محدودة، وذلك حتى لا تتسبّب باندلاع حرب عالمية أو نووية، لا أحد يريدها".
تنازلات؟
وردّاً على سؤال حول إمكانيّة الوصول بتلك المواجهة الى الفضاء، وبما سيؤثّر على أهداف معيّنة على الأرض، أجاب طبارة:"يضع الغرب والروس قواعد لعبة المواجهة بينهما بدقّة. وإذا تمّ تدمير قمر اصطناعي في الفضاء مثلاً، سيكون ذلك من ضمن قوانين اللّعبة المُتَّفَق عليها. ففي مثل هذا النوع من الأحداث، تصبح العيون شاخصة الى ردّة الفعل على الفعل، والى أي مدى ستُفسح المجال أمام اندلاع حرب تُستخدم فيها كل أنواع الأسلحة. وبالتالي، لا أعتقد أن ذلك سيحصل، خصوصاً أن الاتصالات دائمة بين الجيشَيْن الأميركي والروسي منعاً لانفلاش الأمور كثيراً".
وأضاف:"لا يُمكن لأحد، ولا حتى للخبراء في المجال العسكري أن يتلمّسوا بدقّة، ومنذ الآن، حدود ما يمكن أن تصل إليه المواجهة في أوكرانيا، ولا تحديد من سيربح. ولكن إذا بقيَت الأمور كما هي عليه الآن، فقد يُبحَث عمّا يحفظ ماء وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لا يستطيع أن يخسر الحرب. فالخسارة تعني انهيار نظام حكم بوتين، وجماعته في السلطة كلّها، وقد يكون ذلك بثورة، أو بانقلاب عسكري، لا سيّما أن الروس لا ينسون الحروب الفاشلة بسهولة. ولكن حتى الساعة، لا مجال لحفظ ماء وجه الرئيس الروسي إلا بتنازلات عن أراضٍ أوكرانيّة، فيما لا أعتقد أن الأوكرانيّين والغربيّين سيقبلون بتلك التنازلات، التي ستشجّع روسيا على القيام بحروب مماثِلَة في المستقبل. وهذا يعني أن حفظ ماء وجه روسيا بتنازلات كبيرة من جانب أوكرانيا والغرب، هما من المستحيلات خلال وقت قريب".
وختم:"الإخراج النّهائي لإنهاء الحرب في أوكرانيا ليس واضحاً بَعْد، لا من جانب الغرب، ولا على صعيد روسيا، ولا حتى على مستوى إمكانيّة تورُّط الصين وبيلاروسيا بهذا الصّراع".