فاتيكان روسيا... أصبح للأرثوذكس الروس "بابا" من دون الحاجة لتحوُّلهم الى كاثوليك! | أخبار اليوم

فاتيكان روسيا... أصبح للأرثوذكس الروس "بابا" من دون الحاجة لتحوُّلهم الى كاثوليك!

انطون الفتى | الجمعة 13 يناير 2023

بعيداً من أَسْر التاريخ والجغرافيا والموروث الديني والاجتماعي

 

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

 

بعيداً من اللّحم والدم، ومن التاريخ والجغرافيا، ومن الموروث الثقافي والديني والاجتماعي، وممّا تشتهيه النّفس أو العقل، يهبّ الروح القدس حيث يشاء، فنسمع صوته من دون أن نتمكّن من تحديد مكان هبوبه، ولا الموضع الذي يذهب إليه.

 

الحرب

يمرّ في حياتنا اليومية الكثير الكثير، والأكثر منه، والروح يدلّنا على العُلويِّين والسُفليّين في زمننا. وهو يرشدنا الى فحص الأشياء، والى التمييز في ما بينها. فمن الثّمرة تُعرَف الشجرة، ومن ثمارهم تعرفونهم كما يعلّمنا مسيح الرب.

أكثر ما يؤثّر في عالمنا اليوم، هو أشرس أنواع حروب العصر الحديث، وهي الحرب الروسية على أوكرانيا. الحرب التي تنعكس على البشر أجمعين، والتي تقسّم الآراء بين داعم ورافض لها.

ولكن أخطر ما فيها، الصّبغة الإيديولوجيّة التي أعطاها الروس وبعض الأصوات المسيحية "المفتونة" بهم، لتلك الحرب، على أساس أن روسيا هي المُدافع عن القِيَم المسيحية، والوحيدة القادرة على إعادة الغرب الى جذوره المسيحية.

 

تغسل الخطايا

ولكن الروح هو الروح، أي العُلى، حيث يصمت كل شيء بشري ومادّي أمامه. وكلام الروح هو الذي لا كلام ممكناً من بعده، وهو الذي يكشف، ويفحص، ويميّز.

فبتدقيق قليل، نستعيد ما قاله من يظهر بمظهر "رجل الله" الروسي (خلال عظة له قبل أشهر)، وهو أن الأشخاص الذين قُتلوا خلال تلبيتهم الواجب العسكري الروسي في أوكرانيا، قدّموا تضحية تغسل كل الخطايا.

تضحية تغسل كل الخطايا؟ فهل هذا يعني مثلاً أن ارتكاب جريمة قتل، أو سرقة أموال الآخرين، أو ارتكاب الزّنى، والتجديف على الروح القدس... وغيرها من الخطايا، تُغفَر كلّها، ومن دون أي توبة وتكفير وتعويض... لمجرّد القتال الى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا؟

 

هل نفهم؟

وهل نفهم من كلام البطريرك الروسي كيريل مثلاً، أن الشيشانيين، والإيرانيين، والسوريين، والعرب، أو أي عنصر من المُرتزَقة الذين يقاتلون الى جانب الروس في أوكرانيا، والذين يموتون في تلك الحرب منذ شباط 2022، يتنعّمون الآن بالسّماء، حتى ولو كانوا حطّموا الصّلبان، وهتكوا الأقداس في الكنائس الأوكرانية، وأحرقوها، واعتدوا على الأوكرانيين، واغتصبوا الأوكرانيات، وجدّفوا على ألوهيّة المسيح، وعلى الثالوث الأقدس، وماتوا وهم في تلك الحالة، وبرفض تامّ للمسيح؟

وهل نفهم من كلام البطريرك الروسي مثلاً، أن الروس الذين اغتصبوا الأوكرانيات، وقتلوا أزواجهنّ وأولادهنّ، والذين عاجلتهم الصواريخ الأوكرانية فيما كانوا يتعاطون ويتبادلون المخدرات قبل بَدْء المعارك على الجبهات، والذين مارسوا الشّذوذ الجنسي مع بعضهم البعض (وهي حالة معظم العناصر في الجيوش خلال الحروب)، (هؤلاء كلّهم) يتنعّمون الآن برؤية وجه المسيح في السماء، حتى ولو كانوا ماتوا في أوكرانيا وهم يرفضون التوبة عن تلك الأعمال؟

 

الرّفض

وهل نفهم من كلام البطريرك الروسي أن القتال في أوكرانيا، والموت فيها الى جانب الجيش الروسي، هو مُعادِل لسرّ المعمودية مثلاً؟

وهل ان جحافل "ما هبّ ودبّ"، الذين يساعدون الروس في أوكرانيا، سواء بالأسلحة، أو بالالتفاف على العقوبات، أو بإنتاج النّفط المناسب لمصالح روسيا ولتمويل حربها (بمعزل عمّا في الأسواق النّفطية حالياً، فنحن نتحدّث من حيث المبدأ)، يتنعّمون أو سيتنعّمون بالسماء في النهاية، حتى ولو رقدوا على رجاء رفض المسيح، ورفض تجسّده، وصلبه، وموته، وقيامته، وألوهيّته؟

 

في الميزان

من ثمارهم تعرفونهم، كما يعلّمنا مسيح الرب. والحكم في ما سبق وذكرناه، منه وفيه، وهو راسب في ميزان القياس المسيحي.

أما إذا تركنا الروح يقودنا الى حيث النّعمة، فإننا نستمع الى ثمار المسيح على لسان "الحبر الأعظم" البابا فرنسيس الذي تحدّث (في كلمته السنوية الى الدّيبلوماسيين المُعتمدين في الفاتيكان) عن أن حروباً كتلك التي تدور رحاها في أوكرانيا، وما تخلّفه من موت ودمار وهجمات على البنية التحتية المدنية، ومن فقدان للأرواح ليس فقط بالرصاص وأعمال العنف، بل بالجوع والبرد القارس أيضاً، تمثّل "جريمة ضدّ الرب والإنسانية".

 

صبغة مسيحية

وفيما ينغمس البعض بـ "مباركة" الرّدع النووي الروسي، نستمع الى مناشدة البابا فرنسيس حول ضرورة فرض حظر شامل على الأسلحة النووية، والى وصفه امتلاكها بغرض الرّدع بأنه "غير أخلاقي".

ما كنّا لنعلّق على الطابع الإيديولوجي المُعطى للحرب الروسيّة على أوكرانيا، لولا الصّبغة المسيحية التي أعطاها الروس لتلك الحرب.

فالحديث عن المسيح ليس لعبة، ولا تسلية، ولا هو خاضع لمشيئة بلاط، ولا لسياساته، ومصالحه. وليس مسموحاً التعاطي مع المسيح كإله من آلهة الحرب الوثنيّين.

 

الإعدام

ويُكمل الروح طريقه، ويأخذنا معه الى إيران، حيث الإعدامات بحقّ متظاهرين، وحيث تُفتَح السّجون لإيرانيات يُغتصبن عقاباً لهنّ على مشاركتهنّ بالاحتجاجات، ولمنعهنّ من "دخول الجنّة"، لأن إعدام الفتاة بعد اغتصابها في فكر النّظام الإيراني (والأنظمة المُشابهة له) يحرمها من "الجنّة"، لأنها تموت بحال عَدَم الطهارة.

فهذا ما يفعله النّظام الإيراني، والكثير من أنظمة دول منطقتنا التي تصوّر نفسها بمظهر "إلهي"، فيما هي تُبيد الناس. بينما يعلّمنا المسيح أن الرب يريد أن يخلّص البشر، لا إهلاكهم.

وخلال مخاطبته الديبلوماسيّين في الفاتيكان أيضاً، أدان البابا فرنسيس استخدام عقوبة الإعدام ضدّ المتظاهرين الذين يطالبون باحترام أكبر لكرامة المرأة في إيران.

وأشار (البابا) الى أن الحقّ المعنوي في الحياة مُهدَّد في الأماكن التي يستمرّ فيها فرض عقوبة الإعدام، كما هو الحال في إيران هذه الأيام، داعياً البلدان التي لا تزال تطبّق تلك العقوبة الى إلغائها من تشريعاتها.

 

بابا

الروح يهبّ، ويعرّفنا على ما في الجميع من ثمارهم. فمن فيض الكوامن والقلوب تتكلّم الألسُن، ويخرج ما يخرج من سلوكيات.

وها هي الصّورة واضحة تماماً للمسيحيّين الحقيقيّين في روسيا. وما على هؤلاء سوى الاختيار بين المسيح، وبين مسيحيّة "كرملينية" مُركَّبَة بشراكة مع إكليروس "كرمليني"، يقدّس الفتوحات، ويُبارك الصواريخ والصداقات مع أنظمة إرهابية. فلا مانع عملياً من القول إنه بات للمسيحيّين الروس المحبّين للمسيح بصدق "بابا" بالرّوح يرشدهم الى المسيح، بعيداً من أَسْر التاريخ والموروث. بابا الشرق وعموم روسيا، حتى ولو كان موجوداً في مكان بعيد، وهو روما.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار