عجاقة: كل صاحب ثروة هو صاحب سلطة لأن المال هو بحدّ ذاته سلطة
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
مع أن النّقاش حول الفقر والثّراء ليس جديداً، إلا أنه لا بدّ من التوقُّف ولو قليلاً، أمام ما صدر عن منظمة "أوكسفام" غير الحكومية في تقريرها الذي نُشر بالتزامن مع افتتاح "منتدى دافوس الاقتصادي"، والذي أشارت فيه الى أن كل ملياردير يمثل فشلاً للسياسات العامة.
1 في المئة
ودعت المنظّمة الى خفض عدد هؤلاء الى النصف بحلول عام 2030، والى فرض ضرائب عليهم تصل الى 5 في المئة، لأن ذلك قد ينتج أرباحاً تصل الى نحو 1.7 تريليون دولار سنوياً، أو ما يكفي لانتشال مليارَي فقير من فقره.
كما لفتت المنظّمة الى أن أغنى أغنياء العالم البالغة نسبتهم 1 في المئة من سكان الأرض، حصلوا على نحو ضعف ما يمتلكه باقي سكان العالم خلال العامَيْن الماضيَيْن، والى أن ثروات المليارديرات تزداد بمقدار 2.7 مليار دولار يومياً، حتى مع زيادة التضخم على أجور 1.7 مليار عامل حول العالم، على الأقلّ.
لبنان؟
فكيف يمكن النظر الى هذا التقرير، على وقع الأزمة الاقتصادية العالمية التي تسبّبت بها الحرب الروسيّة على أوكرانيا، والتي تزيد ثروات أغنى أغنياء الأرض، وتُدخل أفقر الفقراء في مزيد من دهاليز الفقر، والمرض، والجوع؟
وماذا عن لبنان، حيث يزيد الانهيار المُتصاعد الفقر فقراً، والمرض مرضاً، والجوع جوعاً، فيما تزداد أرباح وثروات التجار، ورجال المال والأعمال؟ ولماذا لا يحرّك بعض هؤلاء ملايينهم أو ملياراتهم التي باتت موجودة في مصارف خارجية، من هناك الى لبنان مجدداً، لاستثمارها في الداخل اللبناني بما يساهم في تقليص أيام المحنة في البلد، وبزيادة ثرواتهم في وقت واحد، وذلك بدلاً من الاستفادة منها كلّها وزيادة الأرباح من خلالها هناك فقط؟
هروب رؤوس الأموال
أشار الأستاذ والباحث في علم الاقتصاد، البروفسور جاسم عجاقة، الى أن "كثيرة هي الصرخات العالمية التي تُنادي بضرورة ترشيد أرباح رؤساء كبار الشركات وأصحاب الثروات. وهذا توجّه يساري في العادة. وأما في المجتمعات الرأسمالية، فيتمّ الانطلاق من فرضيّة أن لا مشكلة في الثروات، وأن لا ذريعة لتعيير أصحابها إذا كانوا جمعوها من جراء أنشطة أو ظروف شرعيّة، مع ترك التدقيق في الشّكوك للقانون، من مستوى البحث عن تهرّب ضريبي مثلاً، وغيره من التجاوزات".
وأوضح في حديث لوكالة "أخبار اليوم" أن "معظم دول العالم الغربي تستعمل الضرائب، والضريبة التصاعُدية، أي تلك التي ترتفع مع زيادة الأموال والأرباح، كوسيلة شرعية للاقتطاع من ثروات الأغنياء. ولكن ذلك قد يتسبّب بمشاكل لواضعي السياسات في الدول الغربية، وهي أن فرض الكثير أو المزيد من الضرائب، قد يتسبّب بهروب رؤوس الأموال من تلك الدول الى أخرى، وهو ما قد يضرب الاقتصادات الغربية إذا وصل الى مستويات قياسية".
وأضاف:"وصل استعمال الضرائب على المبالغ الكبرى الى حدّ مطالبة البعض بفرض ضرائب على الشركات التي تعمل خارج حدود بلدانها، لا سيما أن رأسمال بعضها في السوق يفوق التريليون دولار، وهو ما سيساهم بمشاريع إنمائية في الدول التي تنشط فيها، ويجبر تلك الدول على أن تشغّل تلك الضريبة باستثمارات توفّر فرص العمل لشعوبها".
الرأي العام
ولفت عجاقة الى أنه "من حيث المبدأ، كل صاحب ثروة هو صاحب سلطة، لأن المال هو بحدّ ذاته سلطة. ولا يمكن التجنّي على أحد، إذ ليس بالضّرورة أن تكون لديه أنشطة غير شرعيّة مكّنته من جمع ثروته. ولكن الرقابة والقوانين قادرة على أن تكشف مصادر الثروات، وما إذا كانت نتيجة أنشطة شرعية أو لا، من مستوى الإتجار بالبشر، والأعضاء، والفساد، والتجارة بالسلاح... وغيرها من الأمور الغير قانونيّة".
وتابع:"هناك معطيات بالأرقام، تُفيد بأن الفساد في الدول المتقدّمة يشكل من 2 الى 3 في المئة من حَجْم النّاتج المحلّي الإجمالي. ولكن بدولة مثل لبنان، الأكيد أن هذا الرقم أكبر بكثير، وأنه زاد بعد الأزمة الاقتصادية لأسباب عدّة، من بينها الدّعم الذي استفاد منه التجار. ولكن الكلمة الفصل في كل تلك الأمور، تبقى للقضاء طبعاً، كما في كل الدول. هذا مع العلم أن تأثير الثروات والسياسات المرتبطة بها على الرأي العام في البلدان المتحضّرة، يتّضح في الانتخابات، إذ يُترجَم بالاقتراع للأحزاب أو الحركات اليسارية بدلاً من اليمينيّة، في كل مرّة يشعر فيها الناس بقلّة عدالة اجتماعية، ويطالبون بزيادة الضرائب على الأغنياء".
إثباتات
وردّاً على سؤال حول ما إذا كانت توجد معوقات أميركية أو غير أميركية تمنع أصحاب الثروات في لبنان، الذين حوّلوا ويحوّلون ملايينهم وملياراتهم الى الخارج، (معوقات تمنعهم) من إرجاع قسم منها الى البلد، لتحريكه فيه من جديد، وبما يتوافق مع مصالحهم ومصلحة البلد، أجاب عجاقة:"عندما يقرّرون تحريك أي مبلغ لهم من الخارج الى الداخل من جديد مستقبلاً، سيُطلب منهم أن يبرّروا مصدره، ولماذا تمّ تحويله من لبنان الى الخارج، والإثبات أنه مبلغ شرعي، بالمستندات والوثائق والإثباتات كافّة. وإذا أخفقوا في ذلك، ستقع المشكلة، لأن أموالهم ستكون جُمِّدَت في الخارج نظراً للاشتباه بمصادر فاسدة لها".
وختم:"هذه المشكلة لا تعترض اللبنانيين الذين حوّلوا أموالهم الى خارج لبنان فقط، بل كل صاحب ثروة حول العالم، إذ يتوجّب عليه تقديم التبريرات القانونيّة اللازمة، التي تسمح له باستعمال أمواله".