"الإصلاحات" ليست لعبة ولها أسيادها فلا تتطفّلوا عليها وكافحوا فسادكم الخاصّ!... | أخبار اليوم

"الإصلاحات" ليست لعبة ولها أسيادها فلا تتطفّلوا عليها وكافحوا فسادكم الخاصّ!...

انطون الفتى | الخميس 26 يناير 2023

هذا هو الزّمن المُناسِب لتفرض تلك الدول شروطها تحت ستار "إصلاحات"

 

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

 

ممتازٌ أن بعض الدول "فاحشة الثّراء" في منطقتنا باتت تقفل "مزاريب" تدفّق أموالها، حتى على سبيل المساعدات، خصوصاً في الدول "المُعادِيَة" لها سياسياً، حتى ولو كانت عربيّة، والى درجة أنها باتت تعيّر (في إعلامها) تلك الدول بـ "المتسوِّلَة".

 

"تبيّض الطناجر"

ولكن هذا كان يجب أن يحصل منذ زمن بعيد، لا سيّما في لبنان، حيث أُنفِقَ الكثير من المال "يا حرام" وعلى مدى عقود، ليس فقط على مساعدات، و"مكرمات"... بل على تمويل حرب أهليّة أيضاً، وتعويم احتلال سوري، وإنشاء طبقة سياسية - اقتصادية - مالية "تبيّض الطناجر" لبعض "المُظفَّرين"، وتنال رضاهم، وتدعو من أجلهم.

ولكن ما قد يثير السّخرية بعض الشيء، هو أنه كيف باتت بعض الدول "فاحشة الثّراء" في منطقتنا "مصدّقا حالا كثير"، وعلى طريقة من يكذب الكذبة ويصدّقها، في إطار أنها دول الشّرف الإصلاحي، والعفّة من الفساد.

 

إصلاحات

كَثُرَ جدّاً في الآونة الأخيرة الحديث عن أن بعض تلك الدول غيّرت طريقة تقديمها المساعدات لحلفائها، من مِنَح وودائع... من دون شروط، وذلك مقابل اشتراطها القيام بـ "إصلاحات" اقتصادية للحصول على المال.

ولكن هنا نسأل، عن أي إصلاحات اقتصادية تتحدّث تلك الدول، في دول أخرى؟ وهل هي بمستوى أن تطالب بأي نوع من الإصلاحات في أي مكان حول العالم، في الوقت الذي يتوجّب عليها فيه أن تُصلِح نفسها هي أوّلاً؟

وهل ان "الثّراء الفاحش" يمنحها وزناً بمستوى ذاك الذي تتمتّع به الولايات المتحدة الأميركية مثلاً، أو أكبر الدول الأوروبيّة التي تطالب بالإصلاحات في العادة، والتي يحقّ لها بذلك لأسباب عدّة (لا مجال للتوسُّع في شأنها هنا)؟

 

شروط

الجواب هو بالطبع، لا. فـ "الإصلاحات" الاقتصادية بمفهوم الدّول "فاحشة الثّراء" في منطقتنا، هي تطبيق شروطها السياسية وغير السياسية هي، وتوسيع حضور أتباعها في الحُكم، في الدول التي تطلب منها المال. وهذا ليس إصلاحاً، بل عبودية مُقنَّعَة بعبارة رائجة كثيراً حول العالم، وهي "إصلاحات"، وذلك بالاستفادة من أنه (العالم) يمرّ بوقت صعب جدّاً، يضع الاقتصاد العالمي والاقتصادات المحليّة في معظم الدول تحت نير ضغوط شديدة. وبالتالي، هذا هو الوقت المُناسِب لدى الدول "فاحشة الثّراء" في منطقتنا لتتوسّع، ولتفرض شروطها، تحت ستار "إصلاحات".

 

شعوبها

في أي حال، "الحقّ مش عا" هذه الدول، بل على تلك اللاهثة خلف أموالها، ولو بأي ثمن، ومنها لبنان حيث الحكام الذين جعلوا من البلد وشعبه أضحوكة لدى كل من في هذا العالم.

كما أن "الحقّ مش عا" هذه الدول "فاحشة الثّراء"، بل على شعوبها التي تسخر حالياً من أزمات غيرها، والتي لا تفهم، حتى ولو نظرت ورأت.

فلو كانت شعوب تلك الدول بالمستوى المطلوب، لما كانت تردّد عبارة "إصلاحات" في إعلامها، ويومياتها... كالببّغاء. فللإصلاحات وظيفة محدّدة، غير موجودة في دولها "فاحشة الثّراء".

 

مكافحة الفساد

الإصلاحات هي الخطوات التي تؤدّي الى تحقيق مصلحة الشعوب أوّلاً وأخيراً، والتي لا تُحصَر وظيفتها بزيادة البنى التحتية، والخدمات المدنيّة، والثروات...

وبالتالي، هل سألت شعوب الدول "فاحشة الثّراء" حكامها يوماً، عن مصلحتها المباشرة هي في هذا المشروع أو ذاك، وفي هذا التحوُّل أو ذاك، وذلك بعيداً من مصلحة الحاكم في تلميع صورته، وتوفير التمويل اللازم لعقود طويلة من الحكم له؟

وهل سألت شعوب الدول "فاحشة الثّراء" حكامها يوماً، عن المليارات التي أنفقوها على مشاريع عدّة من دون جدوى، خلال العقود الماضية، والتي لم يصل بعضها الى خواتيم "سعيدة"، والتي لم تَكُن أكثر من تغطية على فساد في كثير من الأحيان؟ وهل سألت تلك الشعوب حكامها عن النِّسَب الحقيقية لتراكُم ثروات حكامها، وعمّا إذا كانت الخدمات التي تنعم بها (تلك الشّعوب) حالياً، متوافِقَة تماماً مع ما لدى حكامها من موارد؟ وعمّا إذا كانت حملات مكافحة الفساد في بلدانها تكافح الفساد، أم (تكافح) المنافسة السياسية لصالح بعض الطامحين الى أعلى أعالي العروش؟

 

انتقادات

طبعاً، شعوب تلك الدول لن تسأل، لأنها اعتادت على "الببّغائية". ولكنّها شعوب مُضحِكَة ومُثيرة للشّفقة، خصوصاً عندما ننظر إليها وهي تسخر من الأوكرانيّين، وتنتقد الفساد في بلادهم.

فبعد الاستقالات والإقالات الأخيرة في أوكرانيا، على خلفيّة شبهات فساد، كثُرَت الانتقادات التي تظهر في بعض وسائل الإعلام العربية، أو على مواقع التواصُل الاجتماعي، لأوكرانيا، وذلك على صعيد التّصويب على أن المساعدات الغربية لكييف تنتهي بالنّهب والسرقة.

"راس الكسلان دكان الشيطان"، بحسب المثل الشائع. وبما أن الكَسَل "ضارب طنابو" بين حكام وشعوب بعض الدول "فاحشة الثّراء" والمُترَفَة في منطقتنا، فإنه من الطبيعي أن يتشاغلوا بكل شيء، إلا بما لديهم من كوارث، و"شواذات".

 

الحرية

فحبّذا لو يتعلّم شعوب وحكام تلك الدول حرية الإعلان عن الفساد، وعن شبهات الفساد، وعن الاستقالات في شأنها بحضارة، وبالاعتماد على سلطة القانون، بدلاً من أساليب الاحتجاز، و"التشليح" بالقوّة.

وحبّذا لو يتعلّم شعوب وحكام تلك الدول أن يكافحوا فسادهم الخاص، قبل أن يتنمّروا على الفساد في أي بلد آخر حول العالم. فمن يرتضي أن يكون بلده "مُكَوْدَرَاً" على إسم عائلة، أو شخص، يفقد هويّته، و(يفقد) حقّه بالتنمّر على أحد، أو بانتقاد أحد، أو بالحديث عن إصلاحات ومكافحة فساد لدى أحد، وذلك الى أن يُصبح حرّاً بالفعل. فلا يحسن لمن لم يتعرّف الى الحرية بَعْد، أن ينظّر في شأنها، ولا أن يطبع المجلّدات لشرحها.

 

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار