وحوش عديمة الإحساس في قلب الكنيسة
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
ما أقبح ما نعيشه يومياً، ولا شيء أشدّ بشاعة من الإعلان عن أن مسؤولاً دينياً استبقى زعيماً سياسياً على مائدة العشاء، في ليلة باردة نام فيها آلاف الناس من دون عشاء، وعن أنه تناول وجبة الغداء في اليوم التالي مع زعيم سياسي آخر، فيما آلاف الناس ما عادوا يأكلون جيّداً، وهم يُعانون من نقص تراكمي في التغذية، بسبب زيادة الفقر في لبنان.
انتهاكات
هذا قبيح جدّاً، وما كان يجب السّماح بتسريبه للإعلام أصلاً، حتى ولو حصل، حفظاً لما تبقّى من ماء وجه بعض المسؤولين الدّينيّين في بلادنا.
فمن أبرز انتهاكات هؤلاء تجاه روح المسيح، هي أنهم لا يُطالبون إلا برئاسات ومناصب بشرية، ولا يتحدّثون إلا عن البشريات. وهم لا يُسمِعون كبار القوم في طوائفهم أي شيء كما يبدو عن وجوب التقليل من التركيز على الرئاسات وروح هذا العالم، وذلك مقابل ضرورة أن يأخذوا مكان الدولة في سدّ الحاجات المعيشيّة والحياتية الكثيرة. وهو دور أساسي في البشارة، يُقرِن الأقوال بالأفعال. فما من إيمان مُجدٍ إلا إذا اقترن بالأعمال، وليس بالمال، والهدايا، والموائد.
وحوش
وبالتالي، لا خطر حقيقياً على الكنيسة والمسيح في لبنان، سوى تلك المؤسّسات "المسيحية"، التربوية، والصحية، والاجتماعية... التي لا تهتمّ إلا بمن يمتلكون المال، مُقدّمةً صورة تخريبيّة ومشوّهة عن الإنجيل المقدّس، تُعادل تدمير الكنيسة بقنابل نووية.
فما أقبح هذا الزّمن الذي وصلنا إليه، وهو زمن الوحوش في قلب الكنيسة. وحوش عديمة الإحساس، تعيش في عوالمها، وترى ما يحلو لها فقط.
مسؤولون دينيّون ينامون على وساداتهم الدافئة، يأكلون ويشربون، ويستشفون، ويستضيفون... ويحصلون على الرعايا التامّة، وهذا حقّ لهم. ولكن الغريب هو أنهم لا يشعرون تماماً بآلام المسيح في آلاف وملايين الأجساد الجائعة، والمريضة.
وحوش عديمة الإحساس، ترتاح لأموالها وأموال مؤسّساتها التي إما هُرِّبَت، أو حُوِّلَت، أو حُجِبَت في الأقبية والسراديب، فيما نفوسها جافّة، وبعيدة من المسيح، وذلك تماماً كما لو كانت من رجالات معابد الأصنام، والسماويات الوثنيّة.
فنحن نفهم أن ينغمس رجالات الفئة الأخيرة بما في هذا العالم، لكونهم لا يعرفون المسيح، أو يرفضونه. ولكن "الله ينجّينا" من فساد الملح، لأن لا مجال للتعويض عنه، في مثل تلك الحالة.
النووي
في أي حال، قبيح جدّاً أيضاً أن عام 2023 قد يشهد أوّل ضربة نووية في العصر الحديث، أي بعد 78 عاماً من تدمير هيروشيما وناغازاكي في اليابان، بالسلاح النووي الأميركي. وقد تكون الضربة النووية الجديدة، "روسيّة الجنسيّة". والأقبح من ذلك، هو أن تلك الضربة النووية قد تحصل بـ "مباركة" من مسؤولين دينيّين.
لسنا "ولاد مبارح" لنعرف أن روسيا تحضّر العالم لضربة نووية، منذ العام الفائت، بعدما استهلكت الحديث عن هذا السلاح كثيراً، بين إعلان التأهُّب النووي، والتهديد باستخدامه (هذا السلاح) مراراً وتكراراً.
اللاوعي العام
وهو ما يستكمله الروس، عبر إعلان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف مؤخّراً، عن أن القوى النووية لا تخسر الصراعات الكبرى التي يتوقف عليها مصيرها، وعن أن هزيمتها في حرب تقليدية قد يُشعل حرباً نووية. فهذا كلام - إشارة الى استعداد روسيّ لإحداث تفجير نووي في أي وقت، وفي أي مكان حول العالم. وهو إشارة استكملها رئيس الوفد الروسي في محادثات فيينا أيضاً، كونستانتين جافريلوف، بقوله إن استخدام أوكرانيا لقذائف اليورانيوم من دبابات "ليوبارد - 2 " سيُعتبر استخداماً للقنابل النووية القذرة.
هذا فضلاً عن بَدْء التداوُل بدراسات عدّة حول العالم مؤخّراً، حول كيفيّة النّجاة من انفجار نووي، وعن الأمكنة الأكثر أماناً للتواجُد فيها، في ما لو حصلت هجمات نووية، سواء في المنزل أو خارجه. بالإضافة الى إجراء اختبارات تُحاكي التعرّض لمثل تلك الهجمات.
وهذه خطوات تحضيرية لشعوب العالم، تزرع السلاح النووي في اللاوعي البشري العام، قبل استعماله.
الخراب الكبير
ولكن الأسوأ من هذا الكلام، هو أن "يطيّب" بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل، للغضب النووي الروسي، عبر تحذيره من أن الرغبة في تدمير روسيا قد تؤدي إلى عواقب مدمّرة للبشرية جمعاء، ومن أن أي رغبة في تدمير روسيا تعني نهاية العالم.
وبكلامه هذا، يكون البطريرك الروسي وقّع صكّ براءة استخدام موسكو للسلاح النووي، وأعطاه الشرعيّة الإيديولوجيّة، بقالَب مسيحي. وهذه هي الكارثة، والخراب الكبير، والخطر الوجودي على الكنيسة، وبما قد يفوق خطر الاضطّهادات، وبصمت تامّ من أي مسؤول ديني أرثوذكسي حول العالم.
ما أقبح ما نعيشه يومياً بالفعل. والأقبح منه هو أولئك الذين يُخمدون روح المسيح وناره في عالمنا، رغم جلوسهم على عرش المسيح.
فلا تتركنا أيها الرب إلهنا، لا تتباعد عنّا، أسرع الى إغاثتنا أيها الرب إله خلاصنا.