لبنان إلى اقتصاد "الكاش"... بأحكام قضائية! | أخبار اليوم

لبنان إلى اقتصاد "الكاش"... بأحكام قضائية!

| السبت 04 فبراير 2023

"النهار"- سابين عويس

يتجه لبنان بخطوات متسارعة جداً نحو التحول الى اقتصاد "الكاش" في ظل قرارات واجراءات تعزز هذا التوجه من دون ان يكون هدفاً في حد ذاته، بل نتيجة حتمية للسياسات القائمة.

فالتعثر الذي يواجهه القطاع المصرفي والمستمر منذ إقفال +المصارف بالتزامن مع اندلاع انتفاضة 17 تشرين الاول من العام 2019 يتفاقم، مؤدياً الى تراجع غير مسبوق بالثقة المحلية. لم يحظَ القطاع على مدى الاعوام الثلاثة الماضية بالاهتمام الرسمي لإعادة تنظيمه وهيكلته، فيما لم تسعَ المصارف الى اقتناص أيّ فرصة ممكنة لالتقاط الانفاس واستعادة اكتساب سمعة فقدتها بفعل اداء متراجع قلّص الخدمات ووسّع الهوة بين المصرف وعملائه.

عجزت السلطات السياسية والنقدية عن اتخاذ القرارات واصدار التشريعات التي تعالج الازمة المصرفية وتضمن الودائع وأحقية أصحابها باسترجاعها أو امتلاك الحرية بالتصرف بها. فلا قانون "الكابيتال كونترول" أُقِر لتنظيم مشكلة السحوبات والتحويلات، ولا قانون اعادة هيكلة المصارف أو قانون الاطار لاعادة التوازن المالي، ما ادى الى استمرار التخبط والخضوع لاستنسابية التعاميم الصادرة عن المصرف المركزي والتي أوجدت تعددية في اسعار الصرف وعمقت الازمة النقدية، رغم انها وُضعت من اجل تنظيم السحوبات.

وعلى خطورة الازمة النقدية الناجمة عن التدهور المريع لسعر العملة الوطنية امام الدولار الاميركي، واستمرار العجز عن ضبط السوق السوداء حيث يسود التفلت والتلاعب والمضاربات من دون رادع، بقيت الازمة المالية المتصلة بمصير الودائع والقروض المصرفية تلقي بثقلها على العمل المصرفي. وقد جاء قرار "المركزي" رفع السعر الرسمي للصرف الى 15 ألف ليرة ليفتح ازمة القروض على مصراعيها، خصوصاً ان القرار لم يقترن بأيّ آليات أو شروحات لعملية احتساب سداد القروض التجارية منها والسكنية.

وزاد الامور تعقيداً وغموضاً البلبلة التي أثارها الحكم القضائي الصادر عن محكمة التمييز في مطلع شباط الجاري عبر قرارين صدرا عن الغرفة الثانية برئاسة القاضية مادي مطران، قضيا بقبول الطعنين التمييزيين المقدمين من المحامي رامي عليق من "تحالف متحدون" بوكالته عن المودعَين عياد ابرهيم وحنان الحاج ضد مصرف "فرنسبنك" ونقض القرارين المطعون فيهما لدى محكمة الاستئناف المدنية واللذين قضيا بقبول طلب المصرف وقف تنفيذ شيكين مصرفيين صادرين عنه. وهذا يعني ان الحكم القضائي الزم المصرف إياه دفع قيمة الشيكين نقداً وبعملة الايداع، ورفض اعتبار الشيك وسيلة ايفاء.

صحيح ان القرار يصب في مصلحة المودعين الذين لجأوا الى القضاء لاسترداد اموالهم، وسيحفز آخرين على الحذو حذوهم، لكنه لم يأخذ في الاعتبار السابقة التي سيسجلها لجهة اسقاط الشيك المصرفي كوسيلة دفع، مع ما سيرتبه من محاذير على ثلاثة محاور: الاول ان الحكم القضائي في حق مصرف سيصبح مستنداً قانونياً يتم الارتكاز عليه في دعاوى مماثلة مما يجعل الحالة الخاصة تتحول الى حالة عامة مغطاة بالقانون. وسيلزم المحور الثاني اعتماد مبدأ التعامل بالمثل، أي ان المصارف التي ستسدد الاموال المطلوبة منها نقداً ستعمد في المقابل الى رفض قبول اي سداد للقروض بالشيكات بل عبر الدفع النقدي. وفي المحور الثالث الاهم وربما الاخطر، ان التعاملات المالية ستتحول الى "الكاش"، ما سيؤدي الى خروج هذه التعاملات من النظام المصرفي، وسيصعّب عمليات مكافحة تبييض الاموال والتهريب.
يضاف الى هذه النقاط تساؤل بدأت تطرحه ادارات بعض المصارف حيال مصدر تأمين الاموال نقداً لايفائها للعملاء في ظل الشح في السيولة والعجز عن تلبية اي سحوبات كبيرة، وهل المصرف المركزي قادر على تلبية المصارف؟

تستغرب مصادر مصرفية العشوائية التي يتم فيها التعامل مع الازمة المصرفية تحت عنوان استهداف المصارف، وشعار الدفاع عن اموال المودعين، متسائلة كيف سيكون العمل في ظل وقف التداول بالشيكات، خصوصاً ان المصارف لا يمكن ان تلبي طلبات عملائها نقداً، إلا اذا قام العملاء بسداد قروضهم نقداً. ولكن الى اين سيؤدي الامر، وماذا عن التزام لبنان قوانين مكافحة تبييض الاموال؟

الثابت حتى الآن ان البلاد متجهة نحو تفجر مشكلة جديدة تتمثل في مسألة القروض المصرفية، ولا سيما تلك المودعة قيمها لدى كتّاب العدل. وفي حين لم تصدر اي تعاميم توضيحية عن المصرف المركزي في هذا الشأن، ولا سيما بعد بدء التعامل بسعر الصرف الجديد، فإن العمل على الضفة السياسية جارٍ من اجل عقد هيئة عامة للمجلس النيابي تحت عنوان "تشريع الضرورة" من اجل اقرار مشروع قانون "الكابيتال كونترول" الذي سيضع حداً للدعاوى القضائية ويحمي المصارف من اي أحكام قضائية مماثلة. ذلك ان الزام المصارف تغطية الديون المستحقة عليها تجاه زبائنها سيؤدي عملياً الى اعلان افلاسها، في ظل العجز عن التعتيم على هذا الواقع، وهذا الواقع سيكشف حجم الحاجة الملحّة والفورية لإقرار قانونَي اعادة الهيكلة واعادة التوازن المالي، اللذين لا يزالان مدرجَين في صيغ غير متماسكة ويحتاجان الى اعادة صياغة ربما ضمن مسودة واحدة مادام الهدف من كليهما واحدا ويرمي الى معالجة الازمة المصرفية وتحديد الخسائر المالية والجهات المسؤولة عنها.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار