التخبط القضائي يهدد القطاع المصرفي وسمعة لبنان المالية... والسلطة غائبة | أخبار اليوم

التخبط القضائي يهدد القطاع المصرفي وسمعة لبنان المالية... والسلطة غائبة

| الخميس 16 فبراير 2023

القاضية عون ليست صاحبة اختصاص مقابل استبعاد المدعي العام المالي عن الملف

"النهار"- سابين عويس

عادت المواجهة بين القضاء والقطاع المصرفي لتبلغ ذروتها في الايام القليلة الماضية بعدهدنة لم تدم طويلاً حتى عادت النائب العام القاضية غادة عون لتفتح النار على مصرف"عودة" بتهمة تبييض الاموال.

لم يكن توقيت الاتهام بعيداً من سياق قضائي تصعيدي، بدأ مع صدور حكمين قضائيين في حق مصرف "فرنسبنك" عن محكمة التمييز في مطلع شباط الجاري عبر قرارين صدرا عن الغرفة الثانية برئاسة القاضية مادي مطران قضيا بقبول الطعنين التمييزيين المقدمينمن المحامي رامي عليق من "تحالف متحدون" بوكالته عن المودعين عياد ابرهيم وحنان الحاج ضد مصرف "فرنسبنك" ونقض القرارين المطعون فيهما لدى محكمة الاستئناف المدنية واللذين قضيا بقبول طلب المصرف وقف تنفيذ شيكين مصرفيين صادرين عن المصرف. أي ان الحكم القضائي الزم المصرف دفع قيمة الشيكين نقداً وبعملة الايداع،ورفض اعتبار الشيك وسيلة ايفاء، في حين هناك عشرات الايداعات لاصحاب قروض تجارية لدى كتاب العدل لشيكات بالليرة على اساس سعر الصرف الرسمي السابق اي١٥٠٠ ليرة لالزام المصارف القبول بها.
هذه المسألة اثارت استياء المصارف بسبب استنسابية التعامل مع الشيكات من جهةوبسبب تحول عمليات التبادل المالي الى "الكاش"، ما يشكل تهديداً واضحاً للعمل المصرفي، ولو في حده الادنى كما هي حاله اليوم.

لجأت المصارف الى التعبير عن استيائها الى الاضراب المفتوح. لم يلق الاضراب اي آذان مصغية لدى السلطات الغائبة كلياً عن السمع، ان لجهة مقاربتها الازمة المصرفية، او حتى لجهة تعاطيها مع التفلت المجنون لسعر الدولار في السوق السوداء. التطور الوحيد الذي برز في هذا السياق، جاء على يد ادعاء القاضية عون الذي شكل النقطة التي فاضت بهاكأس الانفجار.

لا يغيب في مقابل هذه التطورات، تطور بارز آخر لا يقل اهمية وتأثيراً، تمثل بتحديد موعد لجلسة عامة لاقرار قانون الكابيتال كونترول. طارت الجلسة على خلفية عدم ميثاقيتها في غياب المكونات المسيحية الكبرى عنها، فطار الامل لدى المصارف بالحصول على الحصانةالقانونية التي تبعد عنها كأس الدعاوى، فيما تأكدت المعلومات عن وجود عدد من المصرفيين في الخارج.

جاء بيان جمعية المصارف عالي اللهجة حيال الاتهامات التي ساقتها عون ضد بنك عودة، اذ وضعها في اطار اجراءات لا تتسم بأي جدية ومسؤولية ولا تأخذ في الاعتبار المخاطرالتي سترتبها على القطاع المصرفي بمجمله.

مصدر في مجلس ادارة الجمعية ابدى استغرابه للطريقة التي تتعامل بها القاضية عون مع الموضوع، اولاً لجهة عدم الاختصاص، مقابل استبعاد المدعي العام المالي عن الملف، فضلًا عن الاستخفاف في التحقيقات التي تجريها والتي تبين انها لا تحصل على خلفية انتقامية. فاللائحة التي طلبتها لا تتضمن اسماء بل مناصب في شكل استنسابي لا يمكن المصارف تلبيتها ما لم تكن محددة، كما كانت الحال مثلًا مع الممثلة ستيفاني صليبا. كماان ادعاء عون بتهمة تبييض الاموال لا يصح لانها تسأل عن مصدر اموال الهندسات المالية، وهي معروفة لانها اتت من مصرف لبنان. وبحسب المصدر، فإن لجوء عون الى تهمة تبييض الاموال تعود الى ادراكها انه لا يمكنها الولوج الى الحسابات الا عبر هذا المدخل، كاشفًا ان المصارف ذهبت ابعد في الطلب من السلطات الرسمية رفع السرية المصرفية عن كل التحويلات الحاصلة منذ ما بعد ١٧ تشرين الاول ٢٠١٩ وفقاً لسقوف محددة تتيح تحديد الاشخاص الذي حولوا بدافع تهريب اموالهم الى الخارج.

وسأل المصدر باستغراب لماذا الاستنسابية في اختيار مصارف واتهامها بتبييض الأموال ولا تأتي القاضية عون على ذكر القرض الحسن على نحو يرفع الخلفيات السياسية من وراء التحرك القضائي. ويسأل ماذا عن سرية التحقيق ومن يحمي من التسريب او يضمنعدم حصوله، بما يعرض العملاء للتشهير؟

لا يخفي المصدر قلقه من تبعات الأجراء القضائي على القطاع ككل، فالادعاء اذا لم يستكمل باظهار الحقيقة سينعكس في شكل سلبي على كل القطاع، وستكون له ارتدادات سلبيةعلى تعامل المصارف اللبنانية مع المصارف المراسلة التي بدأت تطرح الاسئلة حيال مآل هذا المسار، وما اذا كان سيتمدد الى مصارف اخرى سيما وان هناك مصارف عدة استفادت من الهندسات المالية وبأرقام كبيرة جداً ولم يتم استهدافها بعد. كما ان هذا المسار يهددالمودعين أيضاً وقدرة المصارف على اعادة الهيكلة المطلوب ان تحصل في اقرب وقت ممكن ليتبين من هي المصارف المؤهلة للاستمرار واستعادة الثقة المحلية والدولية وتلك المتعثرةوالعاجزة عن الاستمرار. ذلك ان اي قرار قضائي في حق مصرف اليوم سيؤدي الى ضرب القطاع برمته.
يتخوف المصدر في شكل كبير من ان يؤدي هذا المسار اذا لم يتسم بالوضوح والشفافية وعدم التسريب الاستنسابي الى لجوء المصارف المراسلة الى التوقف عن التعامل مع المصارف اللبنانية خصوصًا وان التهمة تتصل بعمليات تبييض اموال، في حين ان القطاع المصرفي اللبناني كإن رائدًا في مكافحة التبييض وقد حاز على التنويه الدولي اكثر من مرة وشكل نموذجًا لدول اخرى استفادت وتعلمت من الخبرات اللبنانية. وهكذانوع من التوقف سيعني عمليًا خروج المصارف اللبنانية من النظام المالي العالمي، وبكلام اخر، سيعني توقف كل علاقة للبنان مع الخارج عبر القطاع المصرفي. هذا سيؤدي الى تنشيط اقتصاد الكاش والتهرب وتبييض الاموال في شكل اكبر واوسع. كما سيعرض سمعة لبنان المالية والمصرفية للخطر، ويشمل كل القطاع وليس فقط المصرف المستهدف.

وعليه، يختم المصدر بالتأكيد على ضرورة مقاربة هذا الموضوع الحساس والدقيق بكثير من الوعي والمسؤولية ، من دون ان يغفل الاشارة الى ان القطاع بات متروكًا ولا يحظى بأي اهتمام او معالجة من السلطات الرسمية التي تتنصل من مسؤوليتها في ما آلت اليه اوضاعه، تمامًا كما هو حاصل مع التفلت العشوائي والخطير لسوق القطع حيث يسجل الدولار الاميركي مستويات خيالية لايبررها اي عامل اقتصادي.

في الانتظار، تستمر المصارف في اضرابها في انتظار ما سيسفر عنه تحرك القاضية عون التي ارجأت النظر في شكواها ضد المصارف الى يوم غد الجمعة من اجل ابلاغ المصارف غير المتجاوبة مع طلب رفع السرية المصرفية عن حسابات لديها غير محددة اسماء اصحابها عن طريق اللصق. ما يعني عمليًا ان الازمة الى مزيد من التصعيد والمواجهة والى معركة كسر عظم ما لم تتدخل السلطات المعنية لاحتواء الازمة وتداعياتها، بما يمهد لاخراج القطاع من لعبة التسييس التي يتعرض لها والتي تجعله كبش محرقة التجاذبات وتضعه في الواجهة، على نحو يضيع البوصلة عن الازمة الحقيقية في البلاد والمتمثلة في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة قادرة على تحمل مسؤوليةالانهيار النقدي والمالي والاقتصادي.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار