الاصفار المحزوفة ستظهر مجددا بعد فترة وجيزة... وهذه التداعيات | أخبار اليوم

الاصفار المحزوفة ستظهر مجددا بعد فترة وجيزة... وهذه التداعيات

| الخميس 16 مارس 2023

الاصفار المحزوفة ستظهر مجددا بعد فترة وجيزة... وهذه التداعيات
عجاقة يحذر من خطأ جديد يضاف الى اللائحة المرتبكة منذ 2019
عملية حذف الأصفار مصيرها الفشل وسيئاتها أكثر من حسناتها... اليكم كل التفاصيل

خاص- "أخبار اليوم"

مع كل قفزة للدولار في السوق السوداء، تعود الى الواجهة مسألة حزف الاصفار من العملة اللبنانية، خصوصا وان الناس باتت مضطرة لحمل كميات كبيرة من الاوراق النقدية من اجل تسديد قيمة بعض مشتريات السوبرماركت على سبيل المثال.
فهل حان وقت اتخاذ مثل هذا القرار، وما هي التداعيات؟
يعتبر الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة ان التضخّم وصل إلى مستويات أصبحت معها تداعياته تُشبه إلى حدٍ بعيد المجازر الجماعية التي تُقترف ضد الشعوب، ويرى ان احد اسباب الانهيار الكبير الذي وصلنا اليه هو الإنجاز «التاريخي» الذي قامت به حكومة الرئيس حسان دياب بوقف دفع سندات اليوروبوندز ولاحقًا وقف دفع سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، الامر الذي شكل الشرارة الأولى لإطلاق العنان للتضخّم، حيث مُجرّد الإعلان عن وقف تسديد سندات اليوروبوندز دفع بالأسعار إلى مستويات هائلة ليصبح هذا الإعلان الصاعق الذي فجّر الأزمة وكسر التوازن المالي – النقدي الذي كان قائمًا.
يأسف عجاقة الى ان ترجمة التضخم تمّت من خلال ارتفاع غير منطقي ولا عقلاني لأسعار السلع والبضائع حيث للعصابات والمافيات كلمتها الفصل في تسعير السلع والبضائع بالتكافل والتواطؤ مع أصحاب النفوذ، ويعتبر ان الاحتكار والتهريب والتسعير العشوائي… كلها ممارسات قامت بها المافيات على حساب الشعب اللبناني .
واذ يرى ان سياسات الحكومات منذ بدء الازمة ساهمت بضرب العملة اللبنانية، يلفت عجاقة الى ان حذف أصفار من العملة، إذا حصل سيكون سابقة في تاريخ الدولة اللبنانية، ولن يخلق اي صدمة نفسية إيجابية في الأسواق، معتبرا ان مثل هذه الصدمة لا تتوافر إلا بشروط مُحدّدة، ولكنها تبقى تحت خطر إضافة خطأ جديدة إلى لائحة الأخطاء التراكمية التي قامت بها السلطة اللبنانية منذ 2019.
ويشرح عجاقة في هذا السياق ان العملة الوطنية هي أكثر من وسيلة تبادل في الاقتصاد. فدورها لا يقتصر على التبادل التجاري فقط، بل تتمتّع أيضًا بأبعاد استراتيجية كتعزيز الهوية الوطنية وإعطاء اللون السياسي للحكومات. ويتأثر الرأي العام بمستوى قوّة العملة الوطنية حيث إن توقعات دائمة بانخفاض العملة تثير الرأي العام تجاه السلطة السياسية وتؤدّي – عادة ومنطقياً - إلى خسارتها في الانتخابات.
ويتابع عجاقة: الانخفاض في قيمة العملة له تداعيات نفسية على المواطن من ناحية شعوره بالإذلال، وكردّة فعل، يعمد إلى شراء العملة الأجنبية عبر التخلّص من العملة الوطنية، مما يخلق ضغطًا مضاعفاً على هذه العملة وتصبح السلطة السياسية رهينة الأسواق المالية.
لذا يشير عجاقة الى ان حذف الأصفار من العملة الوطنية (هو عمل سياسي بامتياز) كإحدى الوسائل المتاحة أمام الحكومة لمنع اختراق العملات الأجنبية، وتهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي ودعم السياسة النقدية. ويسمح حذف الأصفار من العملة، إذا ما تمّ بظروف ملائمة، بكسب مصداقية دولية، وجذب الاستثمارات الخارجية، والسيطرة على سوق القطع، وخفض الضغوطات التضخّمية، وزيادة الثقة بالنظام السياسي الحاكم، وتعزيز الهوية الوطنية.
لكّن، في المقابل، فان فعّالية حذف الأصفار بحسب عجاقة، تبقى رهينة عدد من العوامل مثل الاستقرار الماكرو اقتصادي، وخفض التضخّم ثم ضبط الأسعار، واستقرار سعر صرف العملة الوطنية، ولجم الإنفاق الحكومي، والدعم الشعبي للحكومة في سياستها، والأهمّ الاندماج السلِس في الاقتصاد العالمي. وبالنتيجة فإن الدوّل التي قامت بحذف أصفار من عملتها من دون تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة ومفهومة من قبل الشعب والأسواق، لم تُعط المفعول المرتقب فحسب، بل أدّت إلى تدهور العملة من جديد بعد فترة وجيزة وبشكل دراماتيكي.
ويذكر عجاقة انه على سبيل المثال تم حذف الأصفار من العملات الوطنية 4 مرات في الأرجنتين، 5 مرات في يوغوسلافيا السابقة، 6 مرات في البرازيل، مرتين في بوليفيا، 3 مرات في أوكرانيا، روسيا، بولندا وبلجيكا، ومرة في تركيا، كوريا، وغانا. وأخر هذه العمليات هو حذف فنزويلا ستة أصفار من عملتها. ويتضح من هذه التجارب إن سلبيات حذف الأصفار قد تكون كارثية كتأثير التضخم الناتج عن تدوير الأسعار، تكلفة القائمة (Menu cost)، التأثير النفسي للنقص في الأجور، عودة الأصفار المحذوفة بعد فترة وجيزة، تكاليف إعادة إصدار العملة الجديدة، مشاكل في تحديد الأسعار على الأمد القصير، تدهور العملة وظهور التضخم، فشل المشروع في حالة عدم دعمه من قبل الناس، انخفاض الصادرات نتيجة لارتفاع قيمة العملة الوطنية…
من هذا المُنطلق، يلفت عجاقة الى أن حذف أصفار من العملة اللبنانية (مثلا عشرة آلاف ليرة لبنانية قديمة = ليرة جديدة) لن يكون فعالًا إلا إذا اقترن بخطّة اقتصادية واضحة وسياسات مكافحة التضخم وإجراءات تقشفية في الإنفاق العام والانتظام المالي للدولة كما ومحاولة التخلّص من العجز الطويل الأمد في الميزانية، ضمان استقلالية المصرف المركزي، إعادة رسملة البنوك، إقفال المصارف التي تعاني من مشاكل حادّة، إعادة هيكلة المؤسسات العامة… خطوات تأتي في سياق خطّة إصلاحية ضمن إطار التفاوض مع صندوق النقد الدولي وفي ظل إطار سياسي ثابت وواضح المعالم.

في الواقع اللبناني، رأى عجاقة أن عملية حذف الأصفار مصيرها الفشل، وسيئاتها أكثر من حسناتها، نظرًا إلى وجود عقوبات أميركية مرجّحة للازدياد، إضافة إلى مشكلة لبنان مع الخليج، وأيضًا في ظل وجود استحقاق مالي ضخم وهو ما يجعل من شبه المستحيل على لبنان تنفيذ عملية حذف أصفار بنجاح أو حتّى لجم تدهور الليرة اللبنانية، مما يعني أن الحلّ الوحيد الباقي أمام السلّطة السياسية هو تنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي، والتي ما زالت إلى حينه لم تخط خطوة عملية واحدة إلى الأمام، وإنما تصاريح ووعود وتمنيات...

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار