من الاثنين البطولي إلى الاثنين الحاسم.. القطاع العام يخوض معركة منع انهيار الدولة والمجتمع! | أخبار اليوم

من الاثنين البطولي إلى الاثنين الحاسم.. القطاع العام يخوض معركة منع انهيار الدولة والمجتمع!

| الإثنين 03 أبريل 2023

المواطن اللبناني هدف مباشر «لنيران صديقة» مصدرها الدولة

"اللواء"
يعتبر اليوم الاثنين 3 نيسان يوماً مفصلياً في الحركة المطلبية التي يعرفها لبنان منذ قيامه، وتحديداً في الفترة العاصفة، إبان السنوات الأولى من عقد السبعينيات، قبيل اندلاع الحرب الأهلية، بعد أن اختلط الاقليمي – العربي – الدولي «بالنضال المطلبي» (بتعبير أصحابه)، قبل أن يتقدم هذا الاختلاط، ويؤسس لمنظومة معقدة ومتشابكة من الأنساق الجديدة، التي قدّر للنسق اللبناني، الأصل التكوين أن يتعايش معها، قبل أن يوشك على الانهيار، خلال مراحل مشهودة، سواء عبر الادارة المدنية خلال حرب السنتين، وقبل دخول قوات الردع العربية لإعادة البناء التوحيدي، الهيكلي للدولة في لبنان، أو عبر نظام الحكومتين، خلال الفترة الممتدة من نهاية عهد الرئيس السابق امين الجميل وتولي الحكومة العسكرية برئاسة العماد ميشال عون زمام السلطة، مقابل حكومة في بيروت الغربية كان يرأسها الرئيس سليم الحص.
في عز النضالات المطلبية، عبر النقابات المهنية (نقابة مزارعي التبغ) أو الخدماتية (نقابة عمال بيروت، والمرفأ، والمطار... إلخ) والقطاعية (نقابة الأطباء، المهندسين... إلخ) وصولاً الى الاتحاد العمالي العام، والاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين (الذي كان الابن الشرعي للحزب الشيوعي أبرز أحزاب اليسار)، كانت الأهداف السياسية لا تقف عند تحقيق مطلب من هنا او مطلب من هناك، بل التأسيس لقيام حركة شعبية واسعة تطيح نظام الـ4% كما كان يسمى، أو الحكم الكومبرادوي أو ما شابه من تسميات.
كانت عسكرة المجتمع، سواء في أبعاده الطائفية او الحزبية او حتى الشعبية، تماهياً مع تداخل السلاح الفلسطيني في الاحياء اللبنانية، على مستوى الاحزاب او المجموعات او التنظيمات الطارئة، النهاية الكبرى للحركة المطلبية، التي ضربت في عقر دارها وفي احياء احزابها ومجموعاتها اليسارية، التي انضوت لاحقاً تحت اسم الحركة الوطنية... أكبر ضربة «للنضال المطلبي» الهادف الى الطبابة، وزيادة الأجور والتعليم وحرية العمل النقابي.
كانت الحركة النقابية ترفع شعاراتها الى سلطة قائمة، ودولة لديها مالية تعمل ومصرف مركزي، يطبق بجدارة قانون النقد والتسليف، ضمن نظام برلماني ديمقراطي... وفي اغلب الاحيان كانت المطالب ترى طريقها الى التحقيق، على نحو أو آخر، بما يوفر حداً ادنى مقبولاً للشعب اللبناني من أصغر عماله ومستخدميه الى اصحاب العمل وأصحاب رؤوس الاموال.
في حقبة ما بعد الطائف، كفتب للحركة النقابية والمطلبية ان تتحول الى «ورقة ضغط» اقليمي او محلي، في لعبة توازن السلطات النافذة (وليس السلطات الدستورية المنصوص عنها في الدستور)، غالباً ما يمنعها «الوصي السوري» وإذا سمح بها، فلغاية في نفس يعقوب، وغالباً ما كانت تستهدف المشروع الاقتصادي، الانمائي والاعماري للرئيس الشهيد رفيق الحريري.
تمكن الحريري، بطموحه الوطني وصداقاته وعلاقاته الدولية من اعادة بناء البنى التحتية للدولة المترهلة أو المهدمة... من أوجيرو الى الهاتف الثابت وتوسيع شبكته الى الكهرباء والطرقات والمستشفيات والجامعة اللبنانية، وبناء الثانويات والمدارس، فضلاً عن اعادة اعمار وسط بيروت، الذي شكل علامة فارقة، وخاطفة، ونهائية، بين دولة الحرب والانهيار ودولة السلم والاستقرار.
ولعل سلسلة الرتب والرواتب التي وضعت وأقرت عام 1998 كانت ابرز انجازات حقبة اعادة الروح الى الدولة، من باب اعادة بناء الطبقة الوسطى او طبقة العاملين في القطاع العام بأسلاكه المدنية والعسكرية والقضائية والادارية من الفئة الاولى نزولاً الى الفئة الخامسة.
استقر سعر صرف الدولار عند سقف، جعل من الحد الأدنى للأجور (450 دولاراً) أي 675000 ليرة شهرياً، وارتفعت رواتب ومخصصات العاملين في القطاع العام، من القضاة الى اساتذة الجامعة اللبنانية والقطاع التعليمي والاداري وصولاً الى سلاسل العسكريين التي عرفت مستوى غير مسبوق لجهة التقديمات والرواتب والمتممات والمعاشات التقاعدية.
مضى عقد ونيف على اغتيال الحريري، ايذاناً باغتيال نظام الطائف، ومرتكزات الاستقرار والعودة الى الخارطة الدولية لبلد نهائي لجميع ابنائه، له رئيس وحكومة وبرلمان ومؤسسات ودولة وقطاع عام (ادارة، جيش، مؤسسات امنية، قضاء... إلخ) ولم يتعرّض الوضع الى تصدع كبير او شامل، تم احتواء التداعيات، عبر وسائط متعددة (لا يتسع المجال في هذا التقرير للتعرض لها)، لعل ابرزها استكمال النمط الحريري في ادارة البلد عبر نجل الرئيس الشهيد سعد، وحركته السياسية المتحالفة مع قوى اخرى في المجتمع، كحركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي امتداداً الى ما عرف لاحقاً بقوى 14 آذار.
في 17 (ت1) 2019، بدأت مسيرة الانحدار اللبناني، وخرجت التظاهرات احجاجاً على بنسات قليلة جداً، زيدت على استخدام «الواتس آب» وتوسّعت وكان ما كان من تسارع الانهيارات، على كل المستوى، لا سيما المالية منها، اقفال المصارف، حجز الودائع، تهريب الاموال، التلاعب بأسعار الدولار، رفع الاسعار والتلاعب بها، فضلاً عن عمليات الاحتكار والتهريب والانحدار بالقوة الشرائية للمكلف اللبناني، الذي وجد نفسه امام بحر هائج، فإذا كل ما حوله وفي جيبه ويسعى اليه من خدمات في خبر كان. فالحد الأدنى الذي كان يساوي 450 دولاراً ايام الحريري لم يعد يساوي 6 دولارات في ايامنا هذه، مع تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء المائة وعشرة آلاف.
بدا المواطن اللبناني هدفاً مباشرا «لنيران صديقة» مصدرها الدولة، ومجموعات الطوائف المهيمنة، والمصارف التي عبثت بالودائع وبالنظام المصرفي ككل، وصولاً الى حاكم مصرف لبنان، الذي بقي في الساحة منذ اول حكومة شكلها الحريري الأب بعد انتخابات عام 1992 الى يومنا هذا، يتخبط بين دعاوٍ تستهدفه من كل حدب وصوب وتناقص خطير في احتياطات مصرف لبنان من العملات الصعبة، ليذهب الى التعاميم من هنا وهناك، بحثاً عن رصيد احتياطي يرغب بتركه شهادة على جدارته! (بعد مغادرة منصبه بعد ثلاثة اشهر اي في الأول من تموز المقبل).
خرج المواطنون الى الشارع مرة ومرات، وبدت القوى العسكرية والامنية حائرة بين حقوق سليبة تشكو منها ومهمات مكلفة بها، تقضي بحماية اصحاب «النيران الصديقة» بكل المواقع والمؤسسات والتسميات.
لم تصمد الحلول الترقيعية بين اضافة من هنا او مساعدة اضافية من هناك من رأب الصدع الكبير بين متطلبات الحد الأدنى من رمق العيش والانهيارات الواسعة والحادة في الاسعار والمحروقات والخبز واللحوم والخضار وصولاً الى الحبوب والسكر والملح و«قرص الفلافل».
شكل المتقاعدون في الأسلاك الأمنية، وبعض الأسلاك التعليمية «القوى الضاربة» في حركة الدفاع، ليس عن لقمة العيش، بل فقط عن لقمة تكفي الأطفال لأيام قليلة فقط، بعدما عزّ كل شيء، وتحولت حياة هؤلاء الى ما يشبه الكوابيس مما رفع من وتيرة عمليات الانتحار الممهورة بالمديونية والعجز عن الوفاء بمتطلبات العائلة والأولاد والخدمات على اختلافها.
تحولت دولة الرعاية الاجتماعية التي وفرت حداً معقولاً من الرفاهية للبنانيين في الحقبات الحريرية الى هيكل عظمي، معرّض هو للانهيار، بعد شلل في مؤسسات الحماية، من الصناديق الضامنة الى تعاونية موظفي الدولة، وصولاً الى الطبابة ومنح التعليم وما شاكل.
يرى ابن خلدون، ان الخلل يتطرق الى الدولة من بابين: الأول مالي – اقتصادي، تعبر عنه الأسعار المرتفعة والاحتكار والضرائب والانفاق غير المسؤول للحاكم والثاني تمرد الجند.
في الحالة اللبنانية الراهنة، وفي مشهد بطولي، كان الجند اللبناني (قدامى العسكريين) من ضباط ورتباء وجنود الى جانب قدامى الموظفين يملأون ساحة المصرف المركزي وهم يهتفون بوجه الحاكم والمصارف والطبقة السياسية الفاسدة.
وتتكرر الحالة اليوم، لم يعد العسكر اداة طيِّعة بوجه الحركة المطلبية، بل صار في صلبها، دفاعاً ليس فقط عن لقمة العيش كما يقال، بل عن القطاع العام برمته، كسبيل لبقاء القطاع الخاص، وحماية الدولة من الخلل الكببير المؤذن بالخراب الكبير.
سقطت شعارات مرحلة، وقفزت الى الواجهة شعارات والتماسات مرحلة جديدة، لن تكون بمعزل عن إعادة بناء تحالف لقوى الدولة، ليس فقط من اجل الرعاية او الحماية، بل لمنع سقوطها... والخطوة الأولى بإنقاذ القطاع العام من الانهيار!

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار