مقاومٌ فلسطيني... غسّان كنفاني بين النّضال والعشق | أخبار اليوم

مقاومٌ فلسطيني... غسّان كنفاني بين النّضال والعشق

رين بريدي | الأحد 09 يوليو 2023

تسقط الاجساد وتبقى الافكار

رين البريدي- "أخبار اليوم

لم يكُن وجوده عابرًا، لم يكُن مجرّد كاتبٍ أو أديب أو صحافي.. كانت كلماته ومواقفه أقوى من أن يتمّ تجاهلها، ولهذا السّبب تحديدًا اغتيل غسّان كنفاني. غسّان المتجذّر في عمق الثّقافة العربية-الفلسطينية، غسّان المناضل، المقاوم، الّذي أزعج الصّهاينة بصوته، بعمق نقدِه، وبتصريحاته الّتي لطالما كانت واضحة، وضوحًا سياسيًّا، نضاليًا، عربيًا، فلسطينيًا، والأهم مقاومًا.

خلال حياته نشر غسان كنفاني ثمانية عشر كتابًا، تناولَ في معظمهم قضيّته الأولى، فلسطين، كتَب عن مآسي الفلسطينيين، عن نضالهم.
بالطّبع أنا لا أعرف غسّان الّذي استشهدَ في الثّامن من تمّوز سنة 1972، لكنّني أشعر أنّني على علاقةٍ وثيقةٍ بهذا الرجل، عبر أقواله، الّتي كنت أبحثُ عنها قبل أن يولَد لديّ شغف قراءة رواياته، ومقالاته ومجلّدات دراساته السّياسية. شيءٌ ما جعل من كلمات هذا الرّجل دستورًا، "إذا أردت أن تحصل على شيء ما فخذه بذراعيك وكفيك وأصابعك"، قال غسّان، فتعلّمت أن أقاتل لأجل ما أريد، وفهمتُ أنّ الأهداف لا تتحقّق بسهولة.


غسّان الّذي كان عضوًا في المكتب السّياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، علّمني حُبّ فلسطين، كان بوصلتي الّتي لا تخطئ، كان مصدرَ وحي لي، جعل أجيالًا كاملةً ترى القضيّة الفلسطينية من عين كتبه، من صدق وصفه لمعاناة شعبٍ هُجِّر من أرضه، من إصراره الدّائم في مقالاته ومقابلاته أنّ المخيّمات –الّتي هو نفسه عاش فيها بعد رحيله من يافا إلى لبنان سنة 1948- ليست حلّاً، وكان يدعو دائمًا للقتال من أجل استعادة الأرض. كان يدعو للنّضال الدّائم باصرار لا مثيل له، فقال"عندما يفشل المدافعون عن القضيّة، علينا أن نغيّر المدافعين، لا أن نغيّر القضيّة".


في مقابلةٍ نادرةٍ أجراها الشّهيد غسان كنفاني مع الصحافي الاسترالي ريتشارد كارلتون سنة 1970 قال: "الشّعب الفلسطيني يفضّل الموت واقفًا على أن يخسر قضيّته. هذا الشّعب سيستمرّ بالقتال حتّى النصّر، هذا الشّعب لن يُهزم أبدًا"، واليوم مخيّم جِنين في الضّفة الغربية، وغزّة الّتي تقاتل بشكلٍ دائمٍ وشرسٍ تؤكّد يوميًا أنّ غسان لم يخطئ يومًا. فعلى سبيل المثال، منذ أيّام شنّت قوّات الاحتلال في جنين، شمالي الضّفة الغربية اجتياحًا واسعًا، إلّا أنّ مئات الفلسطينيين من مختلف القوى والفصائل شكّلوا مقاومة شعبية في وجه الاحتلال تضامنًا مع جِنين، ما أضعف حدّة الهجوم، وبشّر مرّة جديدة، أنّ الفلسطينيين على جهوزية دائمة للدّفاع عن أرضهم.

بالانتقال إلى جانبٍ مختلفٍ كلّيًا من شخصية الشّهيد ، كان غسان مُرهَفًا، رقيقًا، مليئًا بالمشاعر. في كتابٍ نشرته الأديبة السّورية غادة السّمان تحت عنوان "رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان"، كثيرٌ من المشاعر، كثيرٌ من الرومانسية المسجونة بين حدود الأسطر، مسحت عنها غادة السّمان الغبار، وحرّرتها، مقدّمةً لنا عملًا أدبيًّا عميقًا بليغًا ممزوجًا بروح غسان، بعيدًا عن ما تلقّته الكاتبة من نقد بسبب نشرها لما اعتبره البعض "أسرار حميمة" أظهرت ضعف "البطل المقاوم" المتيّم، اليائس، الّذي يترجّى ردّاً من حبيبته.


"أنتِ في جلدي وأحسّك مثلما أُحس فلسطين: ضياعها كارثة بلا أي بديل، وحبّي شيء في صلب لحمي ودمي، وغيابها دموع تستحيل معها لعبة الاحتيال"، بهذه الكلمات وصف غسّان حبّه وتعلّقه بغادة، أليست هذه الكلمات تجعل من كلّ سيّدة تتمنّى أن تكون غادة؟ أحبّها مثلما أحبّ فلسطين، ليس تشبيهًا عادياً، لكن وبمقياس غسّان يعني أنّه أحبّها أكثر من أي شيء على الإطلاق، كانت بالنّسبة له متساوية مع قضيّة حملها في أدبه وحياته اليومية حتّى استشهاده.


بين حياته العاطفيّة الخفيّة الّتي فضحتها غادة السّمان، وحياته النّضالية العلنية الجريئة، مزيج من المقاومة والرجولة الّتي لن تموت رغم مرور 51 سنة على استشهاده، قالها غسّان: "تسقط الأجساد لا الفكرة"، وصدقَ غسّان، سقط جسده وبقيَ بأفكاره وكتاباته الأدبية والسياسية والعاطفيّة حاضرًا بكلّ وضوح بيننا.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا

أخبار اليوم

المزيد من الأخبار