"حكّام المصرف" يطوّقون الحكومة والبرلمان! | أخبار اليوم

"حكّام المصرف" يطوّقون الحكومة والبرلمان!

| الأربعاء 02 أغسطس 2023

امكانية استنساخ مشهد الحاكمية عند موعد إحالة قائد الجيش إلى التقاعد

ملاك عقيل - اساس ميديا
كان لافِتاً التقاطع، غير المنسّق، بين "الفرصة الأخيرة" للإنقاذ التي تحدّث عنها حاكم مصرف لبنان "بالوكالة" وسيم منصوري ومدّتها ستّة أشهر تُقرّ خلالها القوانين الإصلاحية "الخمسيّة" ويسبقها إقرار قانون تمويل الحكومة كآخر عملية إقراض بالدولار من المصرف المركزي بشروط صارمة، وبين "الفرصة الأخيرة" التي سوّق لها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان متحدّثاً للمرّة الأولى بلسان "اللجنة الخماسية"، ووضع اختباراً مفصليّاً لها في أيلول المقبل: شهر الحسم النهائي.

التقاطع الأهمّ بين الاستحقاقين هو مجلس النواب الملعب الأوحد لإقرار سلّة القوانين الإصلاحية ورسم مسارٍ مُغاير لثلاثين عاماً من الصرف من "بقرة المركزي" من دون حساب، وأيضاً الملعب الذي لا شريك له في انتخاب رئيس للجمهورية بوصفه المفتاح الأوّل لباب الفَرَج السياسي. 

فعليّاً، للمرّة الأولى، بات هناك ناطق رسمي، هو حاكم المصرف المركزي بالوكالة، ويصدف أنّه محسوب بالسياسة على رئيس مجلس النواب، يتحدّث باسم "خليّة أزمة دولية" تحاول منذ سنوات، مع صندوق النقد الدولي، فرض الأجندة الإصلاحية نفسها كممرّ إلزامي لأيّ حلّ سياسي-ماليّ، وطوّق الحكومة والبرلمان وقوى الأمر الواقع السياسية بدفتر شروط، تجاهلته منذ 2019، وسيكون عدم الالتزام بتنفيذه مكلفاً جدّاً.

هذا أقلّه ما رَشَحَ عن مصادر دبلوماسية مَعنيّة بالأزمة اللبنانية وناشطة على خطّ النقاشات الفاصلة عن موعد أيلول الذي حدّده لودريان كفرصة أخيرة لطرح الحلّ الرئاسي. هي مرحلة استثنائية مشبّعة بالسوابق وليس أقلّها أنّ السلطة النقدية تفرض "سطوتها" للمرّة الأولى على السلطتين الإجرائية والتشريعية بعدما كانت شريكة معهما في التخطيط والتنفيذ والتغاضي الفاضح عن خرق القانون. مع ذلك، هناك سؤال محوري يفرض نفسه: هل تستطيع السلطة النقدية الحالية أن تُنتج سياسة ماليّة نقدية مختلفة ما دام "المطبخ السياسي" هو نفسه الذي واكب وغطّى رياض سلامة؟

ستقدّم جلسة أمس وغد في مجلس الوزراء عيّنة عن أسلوب تعاطي الحكومة، ولاحقاً البرلمان، في شأن أوّل الاختبارات المتمثّل في إحالة مشروع القانون إلى مجلس النواب الذي يجيز للحكومة الاقتراض بالعملات الأجنبية من مصرف لبنان ومن التوظيفات الإلزامية في احتياطه، أي استطراداً ما بقي من أموال المودعين.

تمتدّ "مهلة السماح" لإقرار سلّة القوانين الإصلاحية ستّة أشهر تنتهي في كانون الثاني المقبل، وهي إضافة إلى التغطية التشريعية للإنفاق من الاحتياطي الإلزامي بالعملة الأجنبية لمرّة واحدة وأخيرة: إقرار قانون موازنتَيْ 2023 و2024، قانون الكابيتال كونترول، قانون إعادة هيكلة المصارف، قانون إعادة التوازن الماليّ. والأهمّ حَسْم مصير منصّة صيرفة، مع سعي نواب الحاكم الأربعة إلى ضمانات بعدم حصول خضّات بسعر صرف الدولار.

هذه الضمانات حصل عليها مبدئياً "الحاكم بالوكالة" من خلال الآليّة نفسها التي تكفّلت في الأشهر الماضية بلجم حركة المُضاربين و"زعماء" السوق السوداء. وقد ركزّ منصوري في مؤتمره الصحافي على هذه النقطة "من خلال التأكيد أنّ القضاء والقوى الأمنيّة تراقب عن كثب أيّ محاولات للتلاعب بسوق القطع، سواء اليوم أو غداً أو في المرحلة المقبلة".

تبدو مهلة الستّة أشهر سوريالية في ظلّ واقعين: تأخّر إقرار هذه القوانين نحو أربع سنوات عن موعدها "الطبيعي" يطرح تساؤلات مبرّرة عن احتمال عدم إقرارها في هذه الفترة الزمنية القصيرة، والنزاع السياسي في شأن قانونية انعقاد مجلس النواب، إضافة إلى الألغام الكامنة أصلاً في القوانين المطلوب إقرارها.

تفيد معلومات "أساس" عن حصول مداولات لإكمال نصاب التئام مجلس النواب مع توجّه التيار الوطني الحرّ إلى المشاركة في الجلسة بعد مسار من المقاطعة كَسَرته مشاركته في جلسة فتح اعتماد لصرف رواتب القطاع العامّ ثمّ إقرار قانون التمديد للبلديّات.

حتى الآن يرفع التيار من سقف مطالبه بربط المشاركة في جلسة إقرار قانون الإجازة للحكومة الاقتراض من مصرف لبنان بوضع قانون اللامركزية الإدارية والصندوق الائتماني على جدول الأعمال، إضافة إلى كلّ القوانين الإصلاحية الأخرى التي تطلبها "الإدارة الجديدة" للمصرف المركزي كسلّة يتمّ إقرارها تدريجاً.

يترافق هذا المسار مع خارطة داخلية أكثر تعقيداً ستفرض إمّا المزيد من إجراءات الترقيع أو البدء بورشة تعبئة الفراغات بالأصالة وتكريس الحلّ من جذوره.

هكذا بعد تجاوز مطبّ الحاكمية الذي انتهى بلا تعيين ولا تمديد وتسلُّم "الوكيل" مع فرض أجندة عمل، لا يستبعد مراقبون أن تُستنسخ هذه المشهدية بحلول العاشر من كانون الثاني موعد إحالة قائد الجيش العماد جوزف عون إلى التقاعد. وهو الشهر نفسه الذي تنتهي فيه مهلة الستّة أشهر لإقرار القوانين الإصلاحية التي فرضها نواب الحاكم كشرط لعدم تقديم استقالاتهم.

لكن قبل هذا التاريخ ثمّة تفصيل مهمّ. إذ في الخامس من كانون الأوّل المقبل يبلغ المدير العامّ للأمن العامّ الياس البيسري السنّ القانونية كضابط برتبة لواء، وهي 59 عاماً، وهو ما يقتضي إحالته إلى التقاعد. ويتمّ التداول بأكثر من سيناريو من ضمنها استدعاء البيسري من الاحتياط، فور إحالته إلى التقاعد، لإكمال مهامّه على رأس المديرية إلى حين تعيين مدير عامّ بالأصالة.

تفصل أيّامٌ قليلة هذا الاستحقاق عن إحالة قائد الجيش إلى التقاعد، إذا لم تكن التسوية الرئاسية قد استوت بعد. وثمّة من يردّد أنّه قد يتمّ استدعاء البيسري من الاحتياط في مقابل استدعاء رئيس الأركان السابق اللواء أمين العرم من الاحتياط ليتولّى مهامّ القائد بسبب استحالة تعيين قائد جيش أصيل قبل انتخاب رئيس الجمهورية، تماماً كما كان صعباً جدّاً تعيين حاكم لمصرف لبنان قبل توجّه النواب إلى ساحة النجمة لاختيار الرئيس المقبل.

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار