"بلومبرغ" تطيح "صيرفة": رحلة التحرير التدريجي لسعر الصرف بدأت | أخبار اليوم

"بلومبرغ" تطيح "صيرفة": رحلة التحرير التدريجي لسعر الصرف بدأت

| السبت 09 سبتمبر 2023

"بلومبرغ" تطيح "صيرفة": رحلة التحرير التدريجي لسعر الصرف بدأت

مصممة للبنان ويمكن لجميع المصارف ان تتسجل للمشاركة فيها


 "النهار"- سلوى بعلبكي

يطوي مصرف لبنان مرحلة "منصة صيرفة" التي تضاربت الآراء حول أهدافها وغاياتها والنتائج التي آلت اليها، ليدخل مرحلة "منصة بلومبرغ" التي أقرها مجلس الوزراء كبديل منها. وتبعا لذلك، تتسارع الحركة في دوائر المصرف المركزي لتحضير الارضية التي كان قد بدأ العمل عليها لتنفيذ الوعد الذي كان قد أطلقه الحاكم بالانابة الدكتور وسيم منصوري بإجراء تغيير جذري بوظيفة منصة صيرفة، واستبدالها بمنصة أكثر شفافية وقدرة على تأدية أول فروضها المطلوب منها بقوة، وهو السيطرة على سعر الصرف، والتحكم بالسيولة، ونسب التضخم، وترسيخ الإستقرار الحالي لسعر الدولار ومنع تفلته العشوائي.

وفيما الحديث في مصرف لبنان يتركز على أن "منصة بلومبرغ" مختلفة كليا عن منصة صيرفة، يشدد معنيون في القطاع المالي على ان الاخيرة (اي صيرفة) ستطل من جديد بحلة محدثة تقنيا، بالتعاون مع "بلومبرغ"، على نحو يتناسب مع وعود منصوري والمجلس المركزي لمصرف لبنان. ومن المرتقب إطلاق المنصة العتيدة، خلال شهر كانون الاول المقبل، فور استكمال كل الإجراءات اللوجستية، والتدريبات اللازمة للعاملين على إدارتها.

مصادر مصرف لبنان شرحت لـ"النهار" أن ما يسمى منصة "بلومبرغ" هي منصة مخصصة ومصممة للبنان (قسم مخصص للبنان على منصة وكالة "بلومبرغ" الأساسية)، ويمكن لجميع المصارف ان تتسجل للمشاركة فيها (13 مصرفا جاهزة حتى اليوم)، وكذلك الصيارفة الذين يحصلون على ترخيص من مصرف لبنان مع وضع بعض المعايير التي سيعلن عنها في تعميم خاص، وستتولى "بلومبرغ" تدريبهم حول آلية العمل ومعايير العرض والطلب. ويحق للمشاركين في المنصة عرض وطلب الدولار، كما يمكن لأي زبون، أفرادا أو تجارا وحتى موظفي القطاع العام، أن يطلب المبلغ الذي يحتاجه من الدولار عبر المصارف والصيارفة على أن يحدد السعر الذي يناسبه للشراء. فإذا كان السعر المعروض مناسبا للشاري (يمكن ان يكون أكثر أو أقل من المطلوب)، تتم الصفقة، موضحة أن سعر صرف الدولار على المنصة "لن يكون بعيدا عن السعر المعتمد حاليا في منصة صيرفة، اي 85 الفا و500 ليرة". وتشير المصادر الى أن "الاسعار التي تظهر على الشاشة، هي أول 3 أسعار قريبة من سعر الصرف الفعلي، أما الاسعار المرتفعة جدا فلا تظهر، وتاليا لا يمكن لعارضها البيع والشراء، علما أن اسماء العارضين أو الشارين لا تظهر على الشاشة، ولكن بإمكان مصرف لبنان ان يعرف هوية هؤلاء كما الاسعار التي يتداولونها."

واذا كان من اهداف المنصة ضبط سعر صرف الدولار، فإن الامر قد يتبدل اذا كان جميع العارضين للدولار عرضوا سعرا مرتفعا، بما قد يؤدي الى ارتفاع سعر صرف الدولار. ولكن بما أن دور مصرف لبنان المراقبة، فإنه يمكنه معرفة من هم الذين يعرضون سعر الدولار بسعر مرتفع، علما أنه يفترض أن تكون لديه امكانية لعرض الدولار لضبط السعر، خصوصا اذا كان الطلب على مبالغ صغيرة. واذا اكتشف "المركزي" أن ثمة من يتلاعب بسعر الدولار يمكنه الادعاء عليه والطلب من النيابة العامة ملاحقته وزجّه بالسجن بناء على قانون العقوبات، خصوصا ان الامر يعدّ جناية على خلفية التلاعب بأمن الدولة المالي.

وتشير المصادر الى أن الوقت المناسب لاطلاق العمل بالمنصة هو "شهر 12، إذ حينها يكون قد أُنجز ربطها تقنيا بين المصرف المركزي والسوق المالية اللبنانية، وكذلك بالنسبة للتحضيرات وتدريب المشاركين فيها من مصارف وصيارفة. وسيكون الوقت المناسب ايضا لمصرف لبنان الذي سيستمر بضبط الكتلة النقدية، وإذذاك يكون قد جمع مبلغا معينا من الدولارات يخصصه للتدخل في حال حصلت مضاربات".

وبالسؤال عن أوجه التشابه بين "بلومبرغ" و"صيرفة"، أكدت مصادر "المركزي" أن "المنصتين مختلفتان كليا، أقله أن مصرف لبنان لا يعرض الدولار في "بلومبرغ"، وسيترك المهمة والطلب للتجار والمصارف، فيما ستكون حركة "الكاش" مراقبة كونها محصورة ضمن النظام المصرفي، توازيا مع تحكم مصرف لبنان بالكتلة النقدية بالليرة". عدا عن ذلك، أوضحت المصادر أن منصة "بلومبرغ" لا تتداول بالاسهم بل هي منصة عملات، فيما شرح النائب ميشال ضاهر عبر موقع X أن الفارق هو أن "مصدر الدولار عبر صيرفة كان من الاحتياط في مصرف لبنان الذي كان يخسر نحو 6 مليارات دولار سنويا، أما استعمال منصّة بلومبرغ فهو ما يسمى currency floating أي أن سعر الدولار يحدّده سوق العرض والطلب. وبما ان الطلب على الدولار يتجاوز أضعاف العرض نتيجة العجز في ميزان المدفوعات وعدم تطبيق الإصلاحات، اضافة الى الفراغ الرئاسي وأزمة النزوح السوري، فإن الدولار سيبدأ رحلته المليونية بكل أسف، وذلك نتيجة جهل الطبقة السياسية لأبسط القواعد المالية والاقتصادية".

قانصو

في التفاصيل، يعتبر الأمين العام المساعد لاتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي قانصو، أن منصة "بلومبرغ" الجديدة "تعد نسخة أكثر تحديثا وشمولية من منصة صيرفة لناحية أنها متاحة أمام الجميع للتداول بالعملات وغيرها من الادوات المالية، وهي أكثر شفافية إذ يمكن لمستخدمي "بلومبرغ" إجراء التداولات ومراقبة بيانات السوق، وتاليا معرفة أحجام التداول ومصدر الأموال المتداولة ع بخلاف منصة صيرفة. كما أنها مراقبة أكثر كونها تعمل تحت أنظار مراقبين دوليين لا محليين، ما يمنع تاليا الاستنسابية التي كانت سائدة مع منصة صيرفة. ناهيك عن قدرتها على مكافحة عمليات تبييض الأموال عبر تقليص حجم اقتصاد الكاش والقضاء على مشهد حقائب الليرات المكدسة التي شهدتها المصارف في الأعوام الأخيرة لشراء دولار المصرف المركزي عبر منصة صيرفة، على اعتبار أنه سيتم ربط المصارف والحسابات المصرفية وعمليات الصرف بواسطة هذه الغرفة الالكترونية الجديدة. أضف إلى ذلك، فإن مصرف لبنان سيلعب دوره الاعتيادي كبائع وشارٍ عبر إخضاع الليرة والدولار لعمليات العرض والطلب بحيث إنه سيتدخل عند الحاجة فقط وذلك لضبط السوق في حال شهدت تقلبات آنية تهز الاستقرار النقدي، من دون المساس بالاحتياط الإلزامي".

أما في المضمون، فيشير قانصو الى أن "الهدف المبطن للمنصة يكمن في التمهيد لتحرير تدريجي في سعر الصرف وتوحيد أسعار الصرف المتعدّدة، ما بين سعر منصة صيرفة السابق وسعر السوق السوداء وسعر الصرف الرسمي وسعر الصرف المصرفي، أكثر مما هو التعويل عليها كأداة لضبط سعر الصرف". ويضيف انه "في حال بقيت الهوامش كما هي بين سعر المنصة وسعر السوق السوداء، وهو أمر متوقع في المرحلة الأولى خصوصا في ظل الفراغ الرئاسي والإصلاحي وانقضاء موسم الصيف، فإن "منصة بلومبرغ" قد تشهد بطبيعة الحال طلباً على الدولار يفوق العرض، ما يعني حركة اتجاه واحدة أي عمليات شراء للدولار فقط، كما كانت الحال مع منصة صيرفة. وهذا الأمر، سيجبر المصارف ومصرف لبنان على ضخ الدولارات عبر المنصة لبيعها لمستخدمي المنصة، بما يعني أننا قد نكون أمام عمليات شراء للدولار من السوق وإعادة ضخها عبر المنصة كما هي الحال تماما مع "صيرفة"، وذلك لتوفير استقرار نقدي مصطنع قدر المستطاع". وبرأي قانصو فإن "هذا الاستقرار يمكن تأمينه في المدى المنظور في ظل الكتلة النقدية بالدولار المتوافرة في السوق بعد موسم سياحي ناشط خلال فترة الصيف، ناهيك عن قرار مصرف لبنان الواضح بضرب أي عمليات مضاربة على الليرة. وبحسب التوقعات سيتبع ذلك في المرحلة الثانية وبشكل تدريجي عملية توحيد لأسعار سعر الصرف، ليعكس سعر صرف منصة بلومبرغ السعر الحقيقي للسوق".

وفي ظل دولرة شبه شاملة وغياب الليرة اللبنانية عن عمليات تسعير السلع والتداول بها في السوق، وغياب الإصلاحات الهيكلية المنشودة، وهو ما أكدته فعليا موازنة 2024 التي كرست الدولرة في سلة ضرائبها ورسومها، يعتبر قانصو أن "خطوة تحرير سعر الصرف في هذه الحالة قد تكون لها تداعيات قاسية على سعر الصرف، لاسيما في ظل قدرة مصرف لبنان المحدودة على المناورة والتدخل للجم التفلت المحتمل في سعر الصرف، وعدم قدرته على خلق توازن بين العرض الشحيح والطلب الكبير على الدولار، في حين قد يقتصر تدخله فقط على تغطية رواتب القطاع العام وعمليات بيع الدولار للدولة اللبنانية". وهذا الامر برأي قانصو "سيعيدنا إلى المربع الأول أي فشل المنصة الجديدة في تحقيق أهدافها المرجوة، كما فشلت منصة صيرفة سابقا، من دون أن ننسى إمكان عودة المضاربات المفتعلة على الليرة اللبنانية خصوصا في حال بقيت المراوحة على الصعيد السياسي والإصلاحي، ما يعني مخاطر محتملة قد ينجم عنها تفلّت جديد في سعر الصرف".

أمام ما تقدم، يخلص قانصو الى القول إن "هذه الخطط تبقى معالجات موضعية وترقيعية لتمرير الوقت وذلك لحين الشروع في الإصلاحات الهيكلية المطلوبة وفق خطة إنقاذ اقتصادية لمعالجة الاختلالات الماكرو اقتصادية البنيوية. وإلا فإن أي معالجات موضعية كالتي اعتدناها خلال الاعوام الأخيرة من شأنها أن تلجم الأزمة تفاديا للارتطام الكبير، خصوصا إذا ما بقي أركان الدولة ومؤسساتها في شللها وانحلالها من دون أي حسّ بالمسؤولية أو إدراك لمدى فداحة الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها لبنان منذ نهاية العام 2019".

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار