في مرسيليا بدلاً من باريس... هكذا أغرق البابا "مسيحيّة" بعض اللبنانيين "غير المسيحيّة"!... | أخبار اليوم

في مرسيليا بدلاً من باريس... هكذا أغرق البابا "مسيحيّة" بعض اللبنانيين "غير المسيحيّة"!...

انطون الفتى | الإثنين 25 سبتمبر 2023

مخيبر: كلامه يتوجّه الى الشمال الغني وهو يدعوه الى تطوير الجنوب الفقير

 

 

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

 

 

لا شكّ في أن زيارة "الحبر الأعظم" البابا فرنسيس مرسيليا قبل أيام، تذكّرنا بضرورة النظر الى الآخرين والأمور بأعيُن السيّد المسيح، لا بأعيُن هذا العالم.

 

نموذجان

فالبابا فرنسيس جدّد الدعوة الى فتح الأبواب لكل الضعفاء من دون خوف، مذكّراً بأن الكنيسة هي المسيح، وليست "الكيان المؤسّساتي" الذي غرق ويغرق فيه البعض، خلال بعض الحقبات.

وإصرار البابا على ضرورة عَدَم تعاطي أوروبا مع الهجرة كغزو، وذلك على وقع المتاعب الاقتصادية والحياتية التي تعاني منها الدول والشعوب الأوروبية منذ أكثر من عامَيْن، يُجبرنا على التمييز بين نموذجَيْن نجدهما في عالمنا المسيحي اليوم. الأول يمثّله "الحبر الأعظم"، الذي يعلّمنا النظر الى المهاجرين لا كخطر أمني، وديموغرافي، ومعيشي... حصراً (حتى ولو كانت المخاطر موجودة وتحتاج الى علاج)، بل من زاوية عَدَم التعميم، وعدم الإدانة، وبمعيّة ضرورة التمييز بين الشعوب الضّعيفة من جهة، والأنظمة السياسية والإيديولوجية التي "تستثمر" بضعفها.

 

تعميم وقسوة

وأما (النّموذج) الثاني، فهو ذاك الذي تمثّله بعض الشخصيات المسيحية، الروحية والزمنية، في لبنان أو الخارج، التي تدين النازح واللاجىء بتعميم وقسوة، والتي إذا استمعنا الى كلام بعضها، نشعر وكأننا نستمع الى مسؤول من مسؤولي التيارات الإيديولوجية أو القومية المتطرّفة، في أوروبا، أو في أماكن أخرى غيرها.

وإذا أردنا أن لا نستفيض بالحديث هنا، نذكر على سبيل المثال، أن بعض "كبار" المسيحيين في لبنان، يُظهرون "طلاقهم" الواضح مع المسيح، عندما يصنّفون البشر بين "باب أول" و"باب عاشر" ربما، وذلك بحديثهم عن هجرة بعض الفئات كمادّة لتصدير الأدمغة الى الخارج، بينما يشيرون الى هجرة فئات أخرى عبر البحار بسخرية، وبتوصيف فاقد لأي احترام، وبانعدام إحساس تجاه الاستعداد الى الموت في البحر بحثاً عن المال، والطعام، والعلاج. وهذه الحالة ليست من روح المسيح، حتى ولو كان من يتحلّى بها يعتبر نفسه ربما، "المسيحي رقم 1" ضمن جماعة معيّنة.

 

ترف روحي

فمن المُفتَرَض كمسيحيين أن لا نتهاون مع ثقافة اللامبالاة التي يسلّم بها بعض رجال الدين والمجتمع، بحجة الأزمة والانهيار في دول منطقتنا (ولبنان من ضمنها)، وأن لا ننزلق الى لعبة التّرف الروحي، ولا الى أمجاد رئاسات وتصنيفات هذا العالم.

وهذا هو الفارق الأساسي الذي نلاحظه بين مقاربة البابا فرنسيس لملف الهجرة، وبين اختياره مرسيليا لا باريس لملامسة الواقع بإنسانية كاملة، وبين مقاربة غيره من الشخصيات المسيحية في لبنان والعالم، التي تحبّ النّظر الى واقع النزوح والهجرة كما لو كان تقريراً أمنياً أو ديبلوماسياً، وليس بما يتجاوز الأحرف والمقرّات السياسية والديبلوماسية، التي تُخفي المسيح المتألّم في ملايين البشر يومياً.

 

شمال - جنوب

أشار النائب السابق، والناشط في مجال حقوق الإنسان وقضايا التنمية والديموقراطية غسان مخيبر، الى أن "التدقيق بمواقف قداسة البابا يُظهر أنها تنطلق من تحليل قائم على المواجهة القائمة بين شمال العالم الغني وبين الجنوب الفقير. فكلامه يتوجّه الى الشمال الغني، فيدعوه الى استقبال اللاجئين لأسباب اقتصادية، والى أن يعمل على تطوير الجنوب الفقير اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً حتى يمنع الأسباب التي تؤدي الى النزوح والهجرة".

وأوضح في حديث لوكالة "أخبار اليوم" أن "المشكلة في لبنان تقوم على نزوح ولجوء من الجنوب الى الجنوب. وهذا يجعلنا خارج الإطار الذي يقوم عليه كلام البابا، لأنه يطرح مدى إمكانية استقبال الفقير للفقير. بينما هو (البابا) يشير الى أمثلة في أوروبا، حيث يوجد العديد من القرى والمناطق الفارغة هناك، وهي شاسعة، بشكل يجعل من واجبها المعنوي أن تتقبّل المهاجرين".

 

حق العودة

ولفت مخيبر الى أن "لبنان أبْعَد ما يكون عن تلك الحالات. فأرضه من أكثر الدول اكتظاظاً في العالم، ونحن لسنا أبداً في الحالة التي يشير إليها قداسة البابا. وبالتالي، الموجب المعنوي لاستقبال اللاجئين من دون حدود أو تحفُّظ، الذي يدعو إليه (البابا)، خاضع لمجموعة من المقوّمات، أوّلها غياب الاكتظاظ السكاني، وتوفُّر مجالات عمل مفتوحة، والحاجة الى يد عاملة جديدة، والرخاء الاقتصادي - الاجتماعي الموجود في الشمال، وهذه كلّها غير متوفرة في لبنان. وإذا تمّ قياس عدد اللاجئين والنازحين الذين استقبلهم لبنان، نجد أنه من الدول التي طبّقت ما يدعو إليه البابا بالحدّ الأقصى، وذلك نظراً الى ما يتجاوز الطاقة الاستيعابية للأرض اللبنانية، والى القدرات المالية المعدومة لدى الشعب اللبناني، والاقتصاد اللبناني".

وأضاف:"من هذا المنطلق، لا حرج أبداً في أن يقول المسيحيون في لبنان إنهم التزموا بالموجب الإنساني وبالتعامل الإيجابي تجاه النازحين واللاجئين، الى أبْعَد الحدود الممكنة. ولكن مع ضرورة أن يطالبوا أيضاً بعودة آمنة وكريمة لهم، سواء كانوا سوريين أو فلسطينيين، انطلاقاً من أن حتى بالقانون الدولي، الحق الأول هو حق العودة وليس الحقّ بالتوطين أو إعادة التوطين".

وختم:"يتوجب على كل إنسان، وليس على المسيحي فقط، أن يستقبل الآخر من دون تمييز أو عنصرية. وهذا ما يدعو إليه قداسة البابا، والمبادىء المُطلَقَة لحقوق الإنسان. ولكن القاعدة الأساسية هي بأنه لا يمكن تحميل أي إنسان أكثر من طاقته. وهذا هو التوازن المطلوب. فعَدَم حلّ هذا النوع من المشاكل يولّد حالة من العنصرية المرفوضة، نتيجة المنافسة التي يشعر بها أي إنسان تجاه دور النازح أو اللاجىء في بلده، كما هو الحال في لبنان مثلاً. وبالتالي، لا تعارض بين ما يقوله قداسة البابا من منطلق مبدئي، وبين موجبات ربط اللجوء بالإمكانيات".

 

انضم الى قناة " AkhbarAlYawm " على يوتيوب الان، اضغط هنا


المزيد من الأخبار